اراء و مقالاتمقالات وآراء

إثيوبيا «تكذب ولا تصوم» من أجل النيل… أحشاء أطفال اليمن بين بهجة الحوثي وبرود السعودي

 

الراجل حلف بالله كزب… ومصمش… دي أول حاجة هنحَاكمُه عليها».
الحديث طبعا عن رئيس الوزراء الأثيوبي – وعلى لسان المستشار في الخارجية المصرية – أحمد حافظ، مسؤول ملف سد مياه نهر النيل .
والمكان هو تلك المساحة الفضائية المبثوثة في برنامج «بالمصري»، لزميلنا «البلدوزر» عمرو أديب.
بصراحة، تلقيت الفيديو من عشرات الأشخاص، وأنا أبحث عن ملامح خطة مصرية تضغط على دولة يفترض أنها فقيرة وصغيرة مثل إثيوبيا .
استغربت جدا أن الزميل المذيع لم يتدخل لوقف استرسال المستشار حافظ في قصته عن اليمين الكاذب لإثيوبيا، وتذكرت وأنا استغرب مبتسما قصة «صباع الكفتة» أيضا، فالمسؤولون يتحفوننا بما ندر عندما يتعلق الأمر بالحكومة المصرية .
الدليل الرئيسي، الذي تحدث عنه مستشار الخارجية هو شريط فيديو لرئيس الوزراء الأثيوبي ليثبت أن الأخير حلف يمينا كاذبا، ولم يؤد كلفته في صيام الكفارة ثلاثة أيام، ولم يطعم 60 مسكينا .

يونس شلبي رحمه الله

دون ذلك، وعلى طريقة الراحل الكبير يونس شلبي، «ولا جملة واحدة مفيدة». والمذيع عمر أديب اجتهد في ترقيع الموقف وأغلب التقدير أن الدولة العميقة في مصر، التي أسقطت الرئيس الشهيد محمد مرسي لديها دليل مقنع جدا للمحاكم الدولية، وهو على لسان الخارجية «يمين الله الكاذب».
واضح تماما لنا كمشاهدين عرب محبين لمصر أن مستوى الاحتراف في الخارجية المصرية أصبح مرعبا جدا لكل خصوم الشعب المصري، وأن السيد المستشار لديه معلومات عميقة جدا!
كل ما خطر في بالي فقط هو السؤال التالي: كيف علمت الخارجية المصرية أن رئيس الوزراء الأثيوبي لم يصم لله ثلاثة أيام فعلا، بعد يمينه الكاذب؟ وكيف علم جدعان الشاشات المصرية أن الرجل لم يطعم فعلا وحقا 60 مسكينا؟
لو كنت إثيوبيا سأجد في بلدي مئات الآلاف من المساكين سأطعمهم – لو حتى ساندويشة فول وطعمية – ويمكنني أن أفعل ذلك، دون أن تعلم وزارة الخارجية المصرية .

«هزيمة إسرائيل بـ«الفول المدمس»

على سيرة الفول المصري، يمكن إنعاش الذاكرة بتلك اللافتة الشهيرة في أحد مطاعم عمان الشعبية، والتي استحقت مرة برنامجا كاملا على قناة «الجزيرة»، حيث صورة مقال بعنوان «كيف نهزم إسرائيل بالفول المدمس؟».
الزملاء في محطة «القاهرة والناس»، وفي «حزمة النيل»، ومعهم جيش الطاقم الدبلوماسي يعلون مجددا من قيمة الفول، وهم يحاربون مائيا على الجبهة الأثيوبية .
لكن الإيمان الكاذبة أو تلك «اللعوب» لا تزال تثير اشكاليات في الوطن العربي، فالمذيع في محطة «المملكة» الأردنية وضع قائد حراك المعلومين ناصر النواصرة في أضيق زاوية ممكنة، عندما سأل وزير الداخلية عن ذلك القسم، الذي أداه علنا أمام الكاميرا الشيخ النواصرة بعدم التراجع.
إذا كانت قيادة إثيوبيا لم تطعم 60 مسكينا بعد يمينها الكاذب، فقد اخترع الشيخ النواصرة في عمان أحد أساليب العمل النقابي باليمين إياه، دون قصد، وهو يمين حاول الرجل التراجع عنه أمام مجلس النقباء، عندما أشار الى أنه ليس مقصودا كموقف سياسي، بل هو أقرب للميثولوجيا الشعبية المرتبطة بطفولة الأردنيين .
وطفولة الأردني، على الأرجح، بائسة ومستقبل أطفال الماضي الآن غامض ومجهول، لأن القوم في طبقات السكان العليا يتحاربون عبر أشرطة الفيديو ومنصات التواصل، التي تغذي بقايا الحوار في برامج مهندسة عبر محطتي «المملكة» و»رؤيا»، حيث الاعتماد في الأسئلة والأجوبة دوما على ما تبثه شبكات التواصل، التي تتحكم في المشهد تماما، وحيث «خلية الأزمة» أحيانا تتحول إلى»منتج» خلف الميكروفون.

أطفال اليمن والرعب بالأطنان!

الرعب أيضا يمكن تخزينه، عبر جرعات من البؤس والألم يقدمها لنا الزملاء في «الجزيرة» وهم يعرضون بالتفصيل الممل التقرير الأخير لليونسكو حول الوضع المعتم والإثم المستقبلي، الذي يرتكب بحق أطفال اليمن من قبل دول عربية .
أطفال اليمن، حسب اليونسكو و«الجزيرة» سيموتون جوعا ومرضا، لكن «عاصفة الحزم» المجنونة لا تظهر أي اهتمام في المسألة، ومحطة «المسيرة» التلفزيونية من جانبها تكتفي بتلك الاحتفالات البائسة لصالح الحوثيين، في توجيه صواريخ نحو نقاط حساسة في السعودية أقرب للفقاعات، وفقط لكي يثبت الحوثي، ومن خلفه أنه يستطيع تهديد مطار الرياض أو مصافي النفط .
يفزعنا صوت الناطق باسم الحوثيين، وهو يصرخ محتفلا بتلك الصواريخ بصوت مرتفع جدا دليلا على البهجة والسرور.
ويقلقنا صوت المذيع في التلفزيون السعودي، وهو يتعامل مع الأحداث بلسان بارد تماما، محتفلا بدوره بإسقاط صواريخ الإرهاب الحوثي .
على الجبهتين في إعلام الحوثي والإعلام السعودي لا أحد ينشر صورة طفل بصدد الموت ولا أحد يظهر أسفا على سقوط الأبرياء ولا أحد أيضا في الاتجاهين يريد أن يشاهد، ولو جزءا من تقرير اليونسكو ليتحدث عنه، كما فعلت «الجزيرة».
مخجل ومؤسف أن يعلق أطفال اليمن وسط هذا الصراع المغرور السقيم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى