اراء و مقالات

إقلاق الأردنيين بسيناريو «تسونامي الأغوار» والجفاف: الأمن المائي في المقدمة

لماذا تكلم «سعيدان»؟

عمان – «القدس العربي»: قرر وزير المياه الأردني الأسبق وغير المعروف سياسياً وبيروقراطياً الدكتور معتصم سعيدان، إقلاق راحة الأردنيين مجدداً بتصريح مقتضب ومثير يتحدث فيه وزير سابق لأول مرة عن احتمالات غرق البحر الميت ومنطقة الأغوار.
الوزير سعيدان غاب تماماً عن الأضواء منذ أشهر، وبعد أسابيع قليلة جداً حمل فيها حقيبة وزارة المياه دون معرفة أسباب توزيره ثم أسباب مغادرته في التعديل.

تصريح غريب

لكن العودة، جزئياً، للأضواء كانت صارخة ومباغتة أمس الأول، في تصريح غريب تحدث فيه دون تفاصيل الدكتور سعيدان عن ما يعتقد أنه سبب جفاف سد الوالة الضخم في الأردن، مشيراً إلى أنه وأثناء عمله وزيراً تلقى تقريراً فنياً يتحدث عن انهيار محتمل للسد الضخم، وعن حصول حالة تسونامي في حالة الانهيار، حيث المياه قد ترتفع إلى 90 متراً، مما يهدد منطقة الأغوار ثم البحر الميت بالغرق.
هكذا بكل بساطة قالها سعيدان.

لماذا تكلم «سعيدان»؟

وبكل بساطة، لم تعلق على مقولته وزارة المياه، وفي الأثناء لم يتقدم الوزير السابق بأي إفادة شمولية ومقنعة لا عن التقرير الفني، ولا عن الجهة التي أصدرته، ولا عن توقيت وكيفية الانهيار المفترض، حيث زاد معدل القلق في المجتمع القلق أصلاً لأسباب يعلمها الجميع، خصوصاً مع مؤشرات الجفاف المائي التي تضغط بشدة على الأردن.
تصريح سعيدان كان غريباً للغاية ونادراً في جانبه السياسي والبيروقراطي، وغير مسبوق، ومكلف جداً بالتأكيد، مع العلم بأن شروحات من أي نوع فني عن شكل الانهيار المحتمل لم تحصل، ومع بأن المزارعين في محيط سد الوالة وبسبب الجفاف، بدأوا بإطلاق الصوت المرتفع والتحذيرات والمطالبة بتعويضات، وفق تقرير صدر باسمهم بعد ظهر الثلاثاء متحدثاً عن فساد منتجات عن 2000 دونما على الأقل بسبب جفاف سد الوالة المشار إليه.
قبل ذلك، كانت تصريحات شبه رسمية تعيد سبب الجفاف إلى قرار وزير مياه سابق في موسم الشتاء الماضي بتفريغ مياه السد على نحو مفاجئ، مما أهدر نحو أربعة ملايين متر مكعب، كما ألمح فنيون علناً، الأمر الذي يعني ضمناً بأن سعيدان يوحي بصلته بخصوص قرار تفريغ السد.
وبالتالي، يحاول الدفاع عن سياسته أو تبرير ما حصل، مع أن الرأي العام لم يحصل من الحكومة بعد على وجبة دسمة حقيقية من الأسئلة رداً على نمو وزحف قصة جفاف أحد السدود الكبيرة جداً في البلاد.
طبعاً، ووفقاً لخبير الجفاف المائي خالد الشيخ، الموسم المطري المقبل ليس مشجعاً، والأردن على موعد مع أزمة مياه وجفاف إضافية عشية الصيف المقبل، والأهم -حسب الشيخ- أن السلطات المحلية المختصة لا تقرأ المخاطر في هذا الملف كما ينبغي، والأرشيف -رغم وجود لجان عليا للأمن المائي وكوادر ومختصين ومؤسسات- لا يحتفظ بسيناريوهات للمعالجة والاحتواء، مع أن وزارة المياه مؤخراً فقط طمأنت الأردنيين بأن أوضاع السدود معقولة، والصيف الحالي تم السيطرة فيه على نطاق نقص المياه.
يمكن، كما فهمت «القدس العربي» من الشيخ، إضافة صداع المياه والجفاف والسدود إلى سلسلة صداعات أخرى وتحديات تواجهها الحكومة الأردنية، وإن كان وزير المياه الحالي الدكتور محمد النجار وخليفة الوزير سعيدان من المراجع الموثوقة بالتجربة والاحتكاك في الاشتباك مع مشكلات ملف الأمن المائي.
يناضل الوزير النجار وطاقمه على أكثر من جبهة، وسبق له أن تحدث بصراحة وعلناً عن لصوص المياه الكبار دون أن تقوم بقية المؤسسات بالواجب المطلوب بالمتابعة والملاحقة، حيث المياه الجوفية الأردنية يعتدى عليها وتباع بصورة غير شرعية أحياناً للناس، وحيث إن مسألة نقص المياه والأمن المائي بدأت تلامس كل الأطراف السيادية العميقة في استراتيجيات التصدي لأهم التحديات التي تواجه المملكة.

الحاجة لمصالحة وشفافية

يحتاج الأردنيون طبعاً ودوماً لمصالحة وشفافية، لكن حاجتهم أكبر لمعلومات وافية ومقنعة، خصوصاً عندما يتطوع وزير سابق في تقديم معلومات جديدة ومثيرة لم يتحدث عنها للرأي العام عندما كان يستلم زمام الأمور والقرار، مع أن التقلب في اختيار وزراء مياه تحديداً، حكومة تلو الأخرى وتعديلاً تلو الآخر، أصبح بمثابة علامة ماركة مسجلة في حكومات ضعيفة أو ضمن برنامج عمل غامض متردد متسرع.
سعيدان ألقى بقنبلته الدخانية دون تقديم إيضاحات، وبدون حتى تشكيل لجنة تحقيق عندما كان وزيراً، ودون أيضاً الكشف عن تفاصيل التقرير الفني الذي يشير إليه، مع أن المصادر الرسمية في وزارة المياه أبلغت «القدس العربي» مباشرة بأن ما جاء على لسان الوزير سعيدان غير صحيح لا من قريب ولا من بعيد، وفيه الكثير من المعلومات المضللة، مؤكدة بأن سد الوالة سليم 100% ولا يعاني من أي مشكلة.
جزء من الأزمة التي تعكسها نميمة النخب الأردنية المألوفة له علاقة أحياناً بتصريحات مثيرة وصاخبة تصدر عن بعض الوزراء بأثر رجعي ودون فهم المعطيات، لكن الجزء الأهم في المسألة هو أن آلية اختيار الوزراء الغامضة تضرب دوماً من جديد وفي كل المرات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى