اراء و مقالات

الأردني وهو «يتقلب» على فراش «السلام الوهمي»: إسرائيل «المقيتة» و«معلباتها» «تقلق» ليل عمان

عمان- «القدس العربي»: يعود العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني من زيارته الأخيرة للولايات المتحدة بمنجز لا يستهان به، هو أقرب لاختراق سياسي مؤثر وعميق استراتيجياً.
لكن بالمقابل، تنكشف مجدداً أزمة الأدوات وطاقم الإدارة وتلك التباينات بين موجتين في التفكير وفي ظرف حساس ومعقد، قوامه الأساسي اليوم ليس التحالف الاستراتيجي مع الولايات المتحدة والذي سيتجلى أكثر في السياق العسكري تحديداً قريباً، لكن انكشاف ظهر الأردن سياسياً وإقليمياً أمام اليمين الإسرائيلي المتطرف، الذي بدأ يعبث بكل المعادلات وبصيغة أصابت قلقاً بالغاً بين نخب عمان مؤخراً، ودفعت وبصورة نادرة لإعادة استدراج تلك التقييمات التي يحتفظ بها العقلاء محلياً، بعنوان الإشكالية المستمرة ما بين الأهداف التي تحقق المصلحة، والأدوات التي تستخدم أو يراهن عليها في إدارة برنامج تحقيق المصلحة عندما تتقرر كهدف.

أزمة… وتياران

عمان «القلقة» من سلوك إسرائيل، لا بل من أدبياتها العدائية والحربية مرحلياً ضد الأردن، تتوه مجدداً في حقل انقسامات الرأي وتعدد الاجتهادات على المستوى التنفيذي بين نخبة من كبار المستشارين والموظفين، الأمر الذي يعني مجدداً العودة قسراً ليس لبحث في هوية البرنامج المصلحي، لكن للسؤال المزمن عن هوية المؤهلين في الإدارة والاشتباك والأطقم للاعتماد عليهم في الوصول إليه. ذلك ملف محرج ومسكوت عنه، وبقي مستوراً لأسباب يعرفها الجميع. لكن نخب عمان القلقة من الإسرائيليين وبعمق اليوم بدأت تطرح أسئلة وتلاحظ وجود تيارين في السياق النخبوي يبرزان برأي منعزل، واستراتيجيتين متعاكستين.
التيار الأول، ذلك الذي يصر على الإيمان بأن إسرائيل «المقيتة»، كما يصفها وزير الخارجية أيمن الصفدي، أقرب إلى قدر جيوسياسي، مع أن سياسياً مثل مروان الفاعوري يراقب كل الحيثيات أفاد مبكراً وهو يتناقش مع «القدس العربي»، بأن القدر الإسرائيلي في الجغرافيا والتاريخ لا يعني الاستسلام لتلك النظريات المعلبة بخصوص العلاقة مع إسرائيل عندما تنتقل من عبء ثقيل على المصالح الأردنية الأساسية إلى حالة عدائية حربية اليوم تستهدف، كما يظهر من أدبيات منابر اليمين الإسرائيلي، كينونة الأردن نفسه.
يقترح الفاعوري ومعه كثيرون اليوم، قراءة أعمق في سلوك حكومة نفتالي بينت تجاه الوصاية الهاشمية في القدس على الرغم من تلك الإنشائيات الأمريكية، ويقترح أيضاً بأن البقاء في الرهان على معلبات السلام والعلاقة مع إسرائيل قد يعني، إذا لم يحصل استدراك، الاقتراب من الانتحار السياسي.
وبالتالي، المطلوب خطوات بمستوى التحدي يعرفها الجميع.
في جلسة مغلقة نظمها الأحد بين نخبة من الخبراء معهد بحثي مهم في عمان العاصمة، طرح الخبير الدكتور مروان المعشر أسئلة حادة وحرجة على الذات الوطنية؛ بمعنى على مركز القرار وكيفية التصرف. وفي الحوار المغلق نفسه عرضت خلاصات من معتدلين من أبناء الدولة، لكنهم مثقفون، كادت تقود إلى الاستنتاج الذي يؤشر على مخاطر إسرائيلية تطال الأردن والأردنيين بوضوح.
بوضوح، أشير في أكثر من مداخلة ليس إلى ضرورة الانتباه والتصرف الذي طالب به أصلاً وعدة مرات غائب كان يفترض أن يحضر الحوار هو طاهر المصري رئيس الوزراء الأسبق المخضرم، لكن لضرورة التوقف عن إنكار المخاطر فيما يتم تهويد القدس والعمل على تقويض الوصاية والإجماع الإسرائيلي ضد قيام دولة فلسطينية، بالتوازي مع انتحار عملية السلام والتحديات التي كبلت فيها اتفاقية وادي عربة المملكة. هنا الإشارات كانت أصرح وأوضح لمعلبات السلام مع إسرائيل التي يضعها أصحابها اليوم في سلوك متطرف على الرف. وأحد المتحدثين طرح مفهوم مخاطر البقاء في علاقات أمنية مع الإسرائيليين، وآخر تحدث عن ضرورة التحدث عن «أمننة» الخيارات السياسية.

مداخلة شرسة

في السياق مداخلة شرسة، على الأرجح صاحبها المعشر، عن فريقين في السلطة الآن؛ أحدهما -وهو الأخطر- بدأ يقترح سيناريو النأي بالنفس عن القضية الفلسطينية والبقاء في الشراكة مع إسرائيل لحماية الحالة الأردنية طبعاً، وهي حالة مهمة شبه مستحيلة تماماً وتستعير -برأي الفاعوري وغيره- أقبح ما في مضامين السلام الإبراهيمي إياه، وتسقط من الاعتبارات عناصر الأمن الداخلي الأردني المحكوم بتوازنات ديمغرافية يعلم الجميع أنها حساسة.
الأهم أن تفاعلات الحوار النخبوي في الأردن وصلت بعد تدحرج الأحداث الأخيرة في الأرض المحتلة والتحرش العلني بالوصاية، إلى مستويات غير مسبوقة من المصارحة الداخلية في سلسلة اجتهادات وسيناريوهات تعيد تذكير الجميع بأزمة الأدوات وعدم وجود طاقم منسجم، لا مع الثوابت المعلنة سياسياً، ولا حتى مع الرؤية المصلحية المباشرة في ظل التحديات التي فرضتها على عمان إيقاعات حكومة نفتالي بينيت، التي يعتقد بدورها أنها ترد وبقسوة وغلاظة على محاولة الأردن خلف الكواليس استقطاب أعضاء في الكنيست أبرزهم الشيخ عباس منصور.
معلبات إسرائيل والسلام أصبحت فجأة في حالة حوار في عمق الكيان الأردني ومن شخصيات ليست محسوبة على الاعتدال في المزاج السياسي فقط، لكنها من صلب المؤسسة، والأسئلة بدأت تتزاحم من طراز: ما هي جدوى وإنتاجية الاحتفاظ بعلاقات شراكة أمنية مع إسرائيل بعد الآن؟ هل اكتشفنا بعد ربع قرن بأن اتفاقية وادي عربة حققت الهدف المركزي منها؟

كيف نغادر المأزق؟

كيف نغادر مأزق الاندفاع نحو وضع مقدراتنا الأردنية في الأمن المائي والغذائي وأمن الطاقة في حضن إسرائيل التي انقلبت على الجميع؟
تلك أسئلة لم تكن مطروحة العام الماضي، وقوامها النوم «اقتصادياً»، وبخصوص ملفات الطاقة والمياه وغيرها مع الفراش الإسرائيلي والسلمي، بينما تجري عملية «تقلب وقلق» الآن. لكنها مطروحة اليوم وعلى مستوى خبراء المؤسسة الأردنية، وتقود الجميع في حالة سياسية هوسية تحفر في السيناريوهات، وتتعمق في التفاصيل إلى سؤال الخلاصة الأكثر حساسية: كيف نتصرف وماذا نفعل؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى