اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن: التلهوني- الرزاز… «ركض» وسط «ألغام التأزيم» و«كلمات متقاطعة» لحكومة «تحاضر» الشعب

تأكيد وزير العدل الأردني بسام التلهوني العلني بأن حكومته لا تملك التدخل أساساً بما تقرره النيابة العامة لا يمكن قراءته سياسياً على الأقل عندما يتعلق الأمر بنقابة المعلمين الموقوفة عن العمل خارج سياق الاعتذار الضمني من الشارع أو التنصل من قرار سيادي سياسي كان ينبغي للحكومة أن تحدد موقفها علناً منه بدلاً من التعليق عليه من مساحة المحايد.
يكمل ما عرضه وزير العدل التلهوني نصاب التكتيك الذي قررته حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز، فالأخير تجنب يوم الأحد الحديث عن قرارات من النيابة بإغلاق جميع مقرات نقابة المعلمين وحظر النشر في تحقيق بدأته سلطات القضاء. التلهوني يبدو في مسافة قريبة ضمنياً من نادي المرشحين المزدحم بالبدائل إذا رحل الرزاز لاحقاً. والرزاز هنا أيضاً معه يحاول الركض بين حقول ألغام ثمة من يعتقد بأن قوى أساسية في الواقع الموضوعي زرعتها أو تزرعها تحت أرجل حكومته، وإن كانت المسؤولية الدستورية تتطلب، بسب حساسية المرحلة، أن تساند الحكومة أو تكون طرفاً على الأقل في مشهد مستجد.
في كل حال، الحكومة ليست وحدها في الميدان.. قال الرزاز ذلك يوماً العام الماضي تعليقاً على نقاش مع «القدس العربي».
لكن رئيس الوزراء، وبعيداً عن الجانب التحقيقي في قضية المعلمين، بدأ يقبل الكثير من التسويات ويمرر العديد من الاعتبارات لأغراض البقاء أصلاً والاستمرار في حكومته وسط بيئة سياسية داخلية يبدو أنها متحركة وحمالة أوجه وقد تنطوي على مفاجآت.
قد يتمكن الرزاز من العبور بين الألغام، لكن المطلوب منه اليوم ليس التنقل بالخطوات أو المشي فقط، بل الركض أيضاً؛ فقرار النيابة حظر النشر في ملف المعلمين في الجانب القانوني تحترمه جميع الأطراف، وقد ينجح في كبح جماح وتكهنات وشائعات منصات التواصل ووسائل الإعلام. لكن ذلك لا يعني بأن ملف المعلمين في الجزء البيروقراطي والأمني والسياسي والاجتماعي سيتدحرج في الأيام المقبلة وعشية عيد الأضحى، لأكثر من سبب.
والأكثر حساسية أنه قد يكون عنواناً في المرحلة لمستوى الاحتقان الاقتصادي والسياسي والمعيشي بعد تداعيات كورونا، تختصر عبره على الأقل عند تجمعات الحراك والرأي العام العديد من الهتافات والشعارات، ويطلب منه تفريغ الاحتقانات وسط تراكم الأزمات وضعف الموارد المالية في خزينة الدولة وبالرغم من جاذبية برنامج استعادة المال العام. وهنا قد يصبح المشهد سياسياً أقرب إلى لعبة كلمات متقاطعة يحذر منها سياسي وخبير اقتصادي بارز من وزن الدكتور محمد الحلايقة وهو يحث على معالجة موضوعية شمولية وجذرية ومقنعة ومنصفة للأزمات بدلاً من تحميل المسؤولية والتبعية دوماً للمنظومة في بعدها الأمني.
رغم اجتهاد رئيس الوزراء الواضح مع وزيري التربية والعدل في احتواء ضرر إغلاق نقابة المعلمين واتهام وتوقيف قادتها، إلا أن الرزاز وطاقمه لم يفلتا من بيان شديد اللهجة صدر باسم أكبر أحزاب المعارضة، وهو حزب جبهة العمل الإسلامي.
بموجب البيان، حكومة الرزاز متهمة بإعادة إنتاج الأحكام العرفية، والإجراءات ضد نقابة المعلمين متعسفة جداً، وأوضاع الحريات في البلاد معقدة.
لا يلتفت الرزاز إطلاقاً ولا بأي مستوى إلى إيقاع المخاوف العامة في المجتمع المدني على الحريات العامة والفردية والسياسية، وضرب النقابات المهنية بعد الأحزاب خطوة، حسب نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي، لا يمكنها أن تنفع أحداً، وأصبحت أسطوانة توحي بتراجع كبير هو نفسه الذي يتحدث عنه اليوم نشطاء التيار المدني، كما يتحدث عنه الحزب الأبرز في التيار الإسلامي ونخبة عريضة من التكنوقراط والبيروقراط.
وطبعاً، تحاول حكومة الرزاز التغطية على هشاشة جبهتها في مسألة الحريات العامة بخطاب تعليمي أكاديمي لا بصمة له في مجريات الأمور بدأ، حسب القطب السياسي والبرلماني الدكتور ممدوح العبادي، بما سمي مشروع النهضة وانتقل إلى ما سمي بالثورة الصناعية الرابعة قبل أن يعبر غلى سلسلة مصفوفات لا أحد يفهمها.
وفي الأثناء، يتحول رئيس الوزراء حتى في تعليقات لاذعة لمجموعات التواصل وتعليقاتها إلى «باحث ومحاضر أكاديمي»، يلقي على الرأي العام عبارات وفقرات لا علاقة لها بالسياسات، وتعيد إنتاج الكثير من الكلاسيكيات عبر نافذة سميت بالكلمة الأسبوعية لرئيس الوزراء. وهي كلمة لا تعلن قراراً ولا تشرح قضية، بل تعيد إنتاج ما ورد في وثائق وخطابات سابقة للحكومة.
يحصل ذلك طبعاً لأن الزحام كبير في منطقة القرار والسياسات. ويحصل لأن الحكومة خالية من الشخصيات الوطنية الخبيرة، ولأنها ليست وحدها في ميدان الفعل والمبادرة، وكل ما تريده حتى اللحظة الإفلات بأقل حد من الأضرار من الاستحقاق الدستوري ليوم 26 من أيلول/سبتمبر المقبل.
وهو اليوم الذي يفترض أن يكون قد حسم مصير البرلمان، ولاحقاً الحكومة قبله، في سقف زمني مستجد قسري لا يحول دون الحسم المبكر بشأنه إلا مخاوف كورونا وشقيقاتها وأيضاً تداعياتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى