اراء و مقالات

الأردن: القصر يبحث عن «الكسل والتقصير»… بعد «تسمم غاز العقبة»: المسؤولية الأدبية والإقالات بعد «التحقيق» والحادث «خدش» الإدارة

عمان – «القدس العربي»: يفهم من تتبع الخطاب والمفردات الملكية المرجعية التي استخدمت خلال اجتماع مركز الأزمات والطوارئ في إطار مناقشة تداعيات وأسباب حادثة تسمم الغاز في العقبة الأردنية، مساء الثلاثاء، العديد من الاعتبارات سياسية الطابع التي يمكن البناء عليها في ترسيم اتجاهات سلوك مركز القرارات لمرحلة ما بعد التحقيق في الحادث الذي أرهق الجميع وتسبب في أزمة كبيرة في المدينة الجنوبية.
وأبرز الإشارات الملكية هنا تلك التي أمرت أو أصدرت توجيهاً لرئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، بتقديم تقرير فني عن التحقيق الذي ستجريه الحكومة لأسباب وقوع الحادث؛ لمعرفة ما إذا كان من بين الأسباب الكسل الإداري أو التقصير من قبل أي مسؤول، مع التزام ملكي أمام الرأي العام هذه المرة بمحاسبة المقصرين.

«لا إقالات»

يفهم من ذلك، ضمنياً وسياسياً، بأن الملك لا يفكر أو يلمح لإقالات على مستوى الوزراء وكبار مسؤولي الحكومة على خلفية حادثة تسرب الغاز في العقبة، لكن دون أن يعني ذلك عدم حصول إقالات لاحقاً. ويفهم أيضاً بأن المطلوب حصرياً هو أن تشرف الحكومة الحالية على إجراء تحقيق وتزود القصر الملكي بالتقرير المفصل، على أن تتخذ القرارات لاحقاً بموجب هذا التقرير.
لكن الإشارة الأهم هنا أن الرئيس الخصاونة هو المعتمد للتحقيق والترتيب لإجراء ملكي محتمل في هذا السياق. والإشارة المرجعية الأهم في مركز الأزمات بعد تعزية عائلات الضحايا وتمني الشفاء للمصابين، تمثلت في تقديم شكر خاص لأجهزة الدفاع المدني والأجهزة العسكرية والأمنية التي كان لها -بإجماع المراقبين- الدور الأبرز أو البصمة الكبرى في منع امتداد تأثير الغاز السام، وبالتالي حصول كارثة في المدينة البحرية الجنوبية، بدلالة أن بين 250 مصاباً أكثر من 40 مصاباً من رجال الأمن على الأقل، أغلبهم من مديرية الأمن العام، التي كان رجالها أول من وصل إلى ميدان ومسرح الحادث البشع.

تحسس الرؤوس

لكن كبار المسؤولين في الحكومة ينبغي لهم أن لا يراهنوا على ضعف الذاكرة هنا، بمعنى أن التوجيه الملكي للحكومة بإجراء التحقيق وتزويد القصر بتقرير مفصل عن الحيثيات يحدد المسؤوليات لا يعني تفويضاً كبيراً أو مطلقاً للحكومة، وإن كان لا يعني الاستجابة لضغوط الرأي العام والشارع التي تطالب بإقالة وزراء أو استقالة كامل طاقم الوزارة في هذه المرحلة الصعبة، لأن القصر الملكي يريد تأطير وتنميط تقنيات مؤسسية بعد الآن، قوامها أن ردود الفعل والإجراءات والخطوات وحتى العقوبات تتخذ بعد التحقق والتحقيق، وليس في سياق الخضوع للشارع أو لمطالبه السريعة والانفعالية، وهذا يعني أن البند المتعلق بتحمل جهات وزارية أو سياسية للمسؤولية الأدبية في حادث تسمم الغاز في العقبة تم تأجيله أيضاً مؤقتاً، تجنباً لارتباك وإرباك التقرير.
لكن نخبة من الموظفين المحددين، من المرجح أنهم بمجرد وقوع الحادث المؤلم ينبغي لهم تحسس رؤوسهم وفوراً، والحديث هنا عن كبار موظفي إدارة الموانئ وكبار موظفي سلطة إقليم العقبة، وأغلب التقدير إذا ما تم تفعيل بند المسؤولية الأدبية والسياسية أن تصل الإقالات لاحقاً إلى نخبة من الوزراء، لكنها مسألة مؤجلة اليوم.
والأوضح في الأدبيات الملكية المنتقاة بعناية في إدارة أزمة طارئة بروحية مؤسسية، هي تلك الإشارة إلى أن العقبة مدينة «مهمة جداً لنا كأردنيين»، وهذا يعني إقراراً ضمنياً بأن الحادث المؤلم قد يؤدي إلى خسائر حتى اقتصادية مستقبلاً، مع أن الملك قال بوضوح بأنه يريد ضمانات بأن لا يتكرر مثل هذا الحادث.
وتلك ضمانات غير ممكنة عملياً دون تحقيق جنائي مفصل وآخر إداري وبيروقراطي، وثالث برلماني على الأغلب، فيما التحقيق الجنائي تقوده النيابة بسبب وقوع الضحايا.

احترازات

والاحترازات بدأت مباشرة بعد تسليم جثامين سبعة عمال أردنيين توفاهم الله جراء الحادث إلى ذويهم، بتفحص الحبل الحديدي الذي تمزق وأدى إلى الحادث ومعرفة نوع وطراز الرافعة التي تم استعمالها في رفع شحنة إلغاء غاز الكلور المسال، إضافة إلى معرفة ما إذا كان الرصيف المستخدم في رفع الشحنة التي فتكت بعشرات الأردنيين هو الرصيف المناسب لحاويات تحتوي على الغاز المسال.
في كل حال، تلك أسئلة بالجملة يجيب عليها المحققون أولاً، ثم تبدأ مرحلة الحساب والعقاب واتخاذ الإجراءات، وهذا ما يفهم من رئاسة الملك لاجتماع مركز الأزمات مساء الثلاثاء، والذي عقد في ظل صخب في الشـــارع يطالب كالعادة بإقالة بعض كبار الموظفين، وإن كان الأهم أن وقوع الحادث في مكان مهم مثل العقبة يجرح الإدارة الأردنية العليا عموماً ويخـــدش سمعتها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى