اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن: انتخابات نادرة بلا مراقبين وفرز الأصوات بلا شهود في ظل كورونا وأزمات اقتصادية

: يعيد المشهد تكرار نفسه في الحالة الأردنية التي يختلط فيها السياسي بالوبائي دوماً وعلى نحو متدحرج. تقرر الحكومة الأردنية فجأة حظراً شاملاً يبدأ بعد ساعتين فقط من انتهاء عملية الاقتراع غداً الثلاثاء مساء، ثم يمتد لخمسة أيام حتى صباح الأحد.

صدر القرار الجديد بعدما كانت الحكومة نفسها قد أعلنت بأن الحظر بعد الانتخابات سيبدأ لمنع التجمعات يوم الخميس صباحاً وبعد إعلان النتائج والفرز.
فسر الناطق الرسمي باسم الحكومة، الوزير علي العايد، القرار الجديد عبر الإشارة إلى أن التراجع عن القرارات شجاعة، واعداً بالمصارحة والشفافية بكل الأحوال.
بالنسبة للوزير العايد، كان لا بد من الإشارة إلى ما تمارسه الحكومات بالعادة عند تغيير القرارات عبر العودة إلى مسؤولي ملف الوباء والتأشير على اعتراضهم ورغبتهم في تمديد الحظر لأغراض التقليل من الاختلاط والحصر الفيروسي.

الإسلاميون قلقون من هندسة النتائج بعد «القوائم»

تلك دوماً نغمة كلاسيكية، لكن ما لا تفصح عنه الحكومة حتى مساء الأحد التقطه التيار الإسلامي عبر سؤال بوزن ثقيل جداً وبعنوان: كيف ستجري عملية الفرز بعد الاقتراع بدون مندوبين ومراقبين؟
في السياق، قدم الأمين العام لأكبر أحزاب المعارضة في الأردن الشيخ مراد العضايلة، مداخلة قبل الآخرين، مطالباً حكومة الرئيس الدكتور بشر الخصاونة بالتراجع عن قرار بدء سريان الحظر الشامل مساء يوم الانتخابات. واعتبر العضايلة أن القرار محاولة أخيرة للتدخل في هندسة النتائج بعد التدخل في هندسة القوائم.
ويعيد الإسلاميون هنا مفهوم الهندسة إلى الصدارة، ويعتبر العضايلة أن القرار الجديد توظيف سياسي للجائحة في أخطر انتخابات تمر بها البلاد وفي ظل أصعب الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
ويطرح قائد الحزب الإسلامي الأكبر المشارك في الانتخابات ملاحظات فنية لها علاقة بعشرات الآلاف من مندوبي المرشحين ومن يقوم على خدمتهم والقائمين على غرف عمليات الأحزاب والكتل، وكيفية قيامهم بواجب متابعة العملية الانتخابية في ظل الحظر.
السلطة ترغب في احتكار عملية إصدار النتائج، قال العضايلة، وهو يؤكد أن هذه الانتخابات ستجري بلا شهود، طارحاً أيضاً سؤالاً حول كيفية توفير وقت كاف لأطراف العملية الانتخابية لتوفير احتياجاتهم من السوق بما يلزم للتعامل مع أيام الحظر الشامل وكيفية توفير نقلهم إلى منازلهم.
وتبدو أسئلة من الإسلاميين لا جواب عليها، خصوصاً بعدما صرح رئيس الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات الدكتور خالد الكلالدة، بأن عملية الاقتراع في جانبها الفيروسي ستكون أكثر أمناً من شراء الخبز والوقوف على أبواب المخابز.
ذلك النمط من الهندسة مثير للأسئلة، فالحكومة – برأي الناشط والسياسي ورجل الأعمال جليل خليفة – تتخبط في قراراتها دون أن تعلن آلية واضحة ضمن تفصيلات الحظر الشامل يوم الانتخابات تشرح كيفية تأمين مصالح جيش يقدر بعشرات الآلاف من ممثلي القوائم والمساندين والمتابعين والمراقبين والسائقين، حتى تنجح نسبة الاقتراع بالارتفاع ولو قليلاً.
ويبدو، في السياق، أن الاتجاهات الجديدة قد تطرح بعض التساؤلات حول شفافية ونزاهة الانتخابات، وهي مسألة يعتقد بأن السلطة والشارع قد لا يعتبرانها مهمة جداً في ظل الرغبة الجامحة بالسيطرة على حالة التفشي الوبائي.
وفي ظل الإصرار الحكومي، قبل ذلك، على إجراء الانتخابات في موعدها بصرف النظر عن الكلفة الفيروسية، خصوصاً وأنها وبصيغة نادرة جداً، ومنذ التحول الديمقراطي عام 1989 ستكون أول انتخابات بلا مندوبين للمرشحين وبلا رقابة من جهتهم أو جهة المجتمع المدني على عمليات الفرز وجمع الأصوات.
قد تتغير هذه المسألة فقط في الساعات القليلة المقبلة إذا ما قررت الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات إصدار تصاريح لتلك الآلاف التي يتحدث عنها الشيخ العضايلة من مندوبين مرافقين وسائقين ومراقبين ومتابعين للفرز.
وهو إجراء إذا قامت به الهيئة المستقلة سيحتاج إلى موافقة خلية الأزمة.
وسيحتاج قبل ذلك إلى غطاء من أعضاء اللجنة الوبائية، وهو وضع لا أحد يعلم ما إذا كانت ستحصل الهيئة عليه قبل أقل من 48 ساعة على موعد الاقتراع لانتخابات متهمة مسبقاً بالهندسة ومثيرة أصلاً للجدل، وقد تكون في غاية الأهمية. ولا يوجد ما يوحي بأن الحكومة بصدد التراجع عن سقف الحظر الشامل الجديد، لكن الجدل طبعاً سيتسع؛ فالاقتراع على الأبواب، وهوية مجلس النواب المقبل لا يمكن التكهن بها، ولا أحد يعلم ما الذي يمكن أن يحصل قبل أو بعد فرض الحظر، ولا أحد يمكنه أن يعلم ما الذي سيحصل في غرفة الفرز وكيف سيتم تأمين آلاف من الأعوان والفارزين عندما يدخل وقت الحظر الشامل.
الانتخابات أصبحت بلا شهود، وكانت للتو وبصعوبة بالغة مؤهلة لأن تجري بدون ناخبين، حيث الحظر الشامل يعني ما تيسر من المقترعين وإغلاق عملية الفرز وانتظار النتائج فقط.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى