اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن: تفاهمات طراونة – الرزاز تحول دون مشاغبة البرلمان على الحكومة و«الغاز الإسرائيلي» في «مأمن»

نقاشات حادة شارك فيها العكايلة والعرموطي والحباشنة

 

 يبدو نقاشاً حاداً… لكنه من النوع الكاشف ضمنياً لتحالف وتقارب محتمل بين رئيسي سلطتي التنفيذ والتشريع في الحالة الأردنية.
يسأل عميد كتلة الإصلاح البرلمانية المخضرم، الدكتور عبد الله العكايلة، بصيغة تنطوي على استنكار بعيداً عن الاستفهام عن مبررات «تخزين» مذكرة قدمت لعقد جلسة تناقش الثقة في حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز بقرار من صاحب الصلاحية، وهو رئيس مجلس النواب عاطف طراونة.
يحاول وهو برلماني محنك ومسيس، إعادة إحياء مذكرة برلمانية وقعها 29 نائباً على خلفية نفاذ اتفاقية الغاز الإسرائيلي بالتأشير على اتهام ضمني بأن رئاسة المجلس تجاهلت المذكرة.
يرد الطراونة بقدر من الخشونة ويتحدث عن صلاحيات رئيس المجلس. لاحقاً، يعرض طراونة مبررات تأجيله لعرض المذكرة، مشيراً إلى أن الحكومة حصلت على «ثقة المجلس» مرة جديدة بعبور الميزانية المالية والتصويت عليها، ما يعني ضمنياً عبثية العودة لطرح الثقة بالحكومة بعد الثقة بميزانيتها. ثم يطرح طراونة أمام النواب ورقته الإضافية: لا نريد أن نقدم للحكومة «ثقة مجانية» جديدة.
والعبارة الأخيرة تعني بأن المجلس «لن يستطيع بكل حال» إسقاط حكومة الرزاز في دورته البرلمانية الأخيرة، وبالتالي لا مبرر من عرض حجب الثقة الآن على أساس أن النتيجة مضمونة لصالح الحكومة، ما يعني «شرعنة» اتفاقية الغاز مجدداً في حال الإخفاق في حجب الثقة عن الحكومة بسبب الغاز الإسرائيلي.
وجهة نظر تبدو منطقية… لكن العكايلة ورفاقه في كتلة الإصلاح مصرون على البقاء في مستوى السعي لإسقاط اتفاقية الغاز الإسرائيلي على الأقل في الدورة الأخيرة، والإيحاء من خصوم التيار الإسلامي هو أن الهدف مخاطبة الانتخابات المقبلة وليس التمكن فعلاً من إسقاط الحكومة، لأن ذلك لن يحصل بكل حال، ولن يسمح به لبرلمان يلفظ أوقاته الأخيرة دستورياً، وقد يرحل وترحل معه السلطة التنفيذية أيضاً.

وعليه، يمكن القول بأن مشاعر النواب مرتبكة في ثنايا الدورة الأخيرة، فطراونة وجه كلامه للعكايلة وهو يتحدث عن ضرورة وقف الفعاليات على «فيسبوك»، فرد عليه الثاني بالإشارة إلى أن طراونة نفسه يستخدم «فيسبوك».
في كل حال، يظهر هذا السجال بين ركنين في البرلمان تماماً، أن الطراونة لا يريد الانسحاب من المشهد وفي سجله التصعيد ضد حكومة «جلالة الملك»، وبصورة يمكن أن تخلط أوراق وترتيبات التصور المرجعي لرحيل الحكومة والبرلمان لاحقاً.
يعني ذلك عملياً أن تحالفاً ما، لا يزال قائماً وعلى أساس»المصير المشترك» بين البرلمان والحكومة على المستوى النخبوي، وهو تحالف يوفر له طراونة بوضوح الحماية، وهو يضم وثيقة طرح الثقة بالرزاز إلى المتحف ويمتنع عن وضعها على جدول الأعمال بموجب صلاحياته، رغم أنها تمثل إرادة 29 من زملائه، وفي الحجة والذريعة يبدو كلام الأخير دقيقاً عن عدم ضرورة تقديم مكسب بثقة مجانية للحكومة في اللحظة الأخيرة، وبصيغة يمكنها أن تعيق سيناريو رحيلها.
لكن الأهم أن مقاصد التحالف المشار إليه قد تكون أعمق وأبعد، فالحكومة مع مجلس النواب لديهما مصلحة اليوم بسنة مجانية إضافية في السقف الزمني، وبتأجيل الانتخابات، وتمديد ولاية البرلمان الحالي.
على الأقل هذا ما تكشفه مساحات أعمق من الحوار الحاد أمس الثلاثاء بين طراونة وعكايلة، مع أن القطب البرلماني صالح العرموطي مصرّ على أن اتفاقية الغاز غير شرعية ولا بد من إسقاطها، كما أكد مجدداً لـ»القدس العربي» وهو يلمح إلى أن مجلس النواب قال كلمته في هذا السياق وعلى الحكومة الاستجابة.
لكن رئيس المجلس أشار ضمنياً، في الوقت نفسه، إلى التكتيك الذي سعت إليه الحكومة في مسألة الاستجابة لقرار مجلس النواب المطالبة بإلغاء اتفاقية الغاز، وهو تأجيل الرد على مذكرة تشريعية تطالب الحكومة بسن قانون جديد باسم «إلغاء اتفاقية الغاز».
وعملياً، يريد الطراونة، على أساس بروز التحدي الذي تمثله صفقة القرن الأمريكية، تخفيف حدة مناراته في مواجهة صفقة الغاز التي تحولت إلى واقع موضوعي وأداة قياس لخيارات الدولة الأردنية وتصعيدها ضد اليمين الإسرائيلي.
وفي السياقات نفسها، تظهر جرعة الارتباك على أكثر من صعيد في تفاعلات النواب، فقد حاول النائب المناكف صداح الحباشنة، أمس، إحراج الحكومة وهو يسأل وزير الزراعة عن آخر أخبار الجراد الذي يفترض أنه يغزو المملكة، فما كان من طراونة إلا أن قرر الإجابة نيابة عن وزير الزراعة مطالباً زميله بالتحرك شخصياً للبحث عن الجراد والغياب ليومين.
هذه اللهجة عند طراونة بدأت تخلو من الصبر المعتاد والدبلوماسية المفترضة، وبصورة تظهر بأن رئاسة المجلس غير راغبة في السماح بركوب موجة المشاغبة على الحكومة في ظرف حساس وفي الأسابيع الأخيرة من عمر دورة البرلمان الحالي، حيث يستعد الجميع لموسم الانتخابات بانتظار «صافرة الحكم»

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى