اراء و مقالات

الأردن عشية «مئوية الدولة»: عودة بعض «كبار الساسة» لطرح أسئلة «الهوية والمواطن والإنكار»

بين الروابدة «هكذا أفكر» والمصري وأبو عودة والمعشر وغيرهم

 قد لا تكون صدفة وقد تكون.. لكنها بالتأكيد مفارقة يمكن بناء العديد من الاستنتاجات والخلاصات المهمة عليها. سياسيون خبراء قيل عن بعضهم مرة بأنهم «ديناصورات» يميلون بالتزامن وبدون ترتيب متفق عليه، لطرح أسئلة معقدة وصعبة وعميقة حول الدولة الأردنية وهويتها، عشية الضغط النفسي والعاطفي الذي يؤسسه برنامج معلن للاحتفال بمئوية الدولة.
مجدداً قد تكون صدفة وقد لا تكون. ويختار مخضرم من وزن طاهر المصري نشر نص، له علاقة بورقة موقف تعلم «القدس العربي» بأنه كان يعدها بمناسبة المئوية. في المضمون كلام مباشر لا يقبل اللبس من طاهر المصري، بعنوان «مخاطر الوضع الداخلي». وتحذير من انهيار متسارع للإدارة الحكومية ولقيم المجتمع، ودعوة إلى توقف حالة الإنكار.
يشغل المصري حيزاً لا يشغله غيره لأسباب معروفة في خارطة نخب الماضي، فقد شغل كل المناصب ويجد صعوبة في أن لا يشارك ويناقش ويتفاعل في القضايا التي يرى أنها ضرورية للوطن، كما قال وجهاً لوجه لـ»القدس العربي» مؤخراً، رداً على سؤال بسيط: ما المطلوب، وما الذي تريد قوله؟
ليس سهلاً بالتأكيد على دبلوماسي عتيق وعميق ويحظى بكل أنماط التوافق الوطني ومن كل الأجيال أن يحذر من تسارع انهيار الإدارة ومخاطر انهيار الوضع الداخلي وسط زحمة مستجدات الإقليم والعالم، خصوصاً عشية الاحتفالات بمئوية الدولة العميقة. انتقد مراراً قدامى رموز ومحاربي الدولة الصامتين. لكن المصري، مثل معروف البخيت وأحمد عبيدات وإلى حد ما عبد الكريم الكباريتي وعون الخصاونة وعلي أبو الراغب، يمثلون شريحة من طبقة رجال الدولة الذين لا يجدون أحياناً من يتحدثون معه لتبديد الصمت والمشاركة في الإيجابية الوطنية الفعالة.
في كل حال، ومجدداً أمام «القدس العربي» ومرتين على الأقل، لاحظ المصري قلقاً من كلفة مظاهر التراجع في الإدارة الحكومية وفي القطاع العام، وحذر قبله وعلناً الرئيس الأسبق عبد الرؤوف الروابدة، من أن الإصلاح الوحيد المطلوب وبإلحاح هو الإصلاح الإداري. لكن دعوة المصري برزت الأربعاء فقط، تحت عنوان تحديث الدولة.
ما الذي يعنيه ذلك بصورة محددة الآن؟

بين الروابدة «هكذا أفكر» والمصري وأبو عودة والمعشر وغيرهم

لا أحد مطلقاً لديه جواب مفصل واضح على سؤال بهذا الحجم، لكن مسألة تحديث وتمدين الدولة برزت في غالبية النقاشات العامة التي ظهر فيها سياسي عتيق أيضاً من وزن عدنان أبو عودة، استمعت إليه «القدس العربي» بإصغاء مؤخراً وهو يطالب منهجياً بالتفريق بين اصطلاحيين علميين، يتحدث الأول عن «دولة» بالمفهوم الفكري العصري الحديث، ويؤشر الثاني على ما يمكن وصفه بـ»شكل دولة». يشرح أبو عودة: الدولة ليست مجرد علم ونشيد وبرلمان وأهازيج، فمفهومها العلمي ينحصر في «دولة الأمة» التي تمثل جميع مواطنيها في سياق قانوني ودستوري يعتمد منهجية «المواطنة».
حتى الروابدة تحدث عن المواطنة في ندوة إشهار كتابه «هكذا أفكر» مساء الأربعاء، في مقر صحيفة الرأي الحكومية، وبحضور «القدس العربي» مما يعني أن الاحتياج الشديد مرحلياً لتعريفات تخص مبدأ المواطنة يتطلب أو أصبح يتطلب تجاوز كل الحسابات والحساسيات المعلبة القديمة التي تحاول تخويف الدولة من منهجية المواطنة وتعتمد على تكهنات وسيناريوهات قد لا تناسب لغة العصر الحديث، أو مرسومة على قدر هواجس ومخاوف الصراع مع إسرائيل والقضية الفلسطينية.
كيف يغادر الأردنيون مأزق هوية المواطن في ظل القرن الحادي والعشرين؟ .. هذا سؤال لا يزال عالقاً مسكوتاً عنه في أغلب النقاشات. وثمة خجل وتردد عند النخب في طرح الأسئلة الجادة. لكن السؤال مهم جداً، ومن الصعب العبور إلى المستقبل دون حسمه، ومن غير المعقول أن يتم التصرف إزاء القضايا السياسية والأحداث المحلية عشية المئوية، بمعيار أمني أو اعتباطي، أو بطريقة التقسيط فقط دون تمدين الدولة حقاً وفعلاً، وليس فقط على أساس شراكة بائسة كما يرجح أبو عودة وغيره مع شخصيات وتيارات انتهازية سياسياً وإعلامياً وحزبياً هنا وهناك تتقمص فكرة الدولة المدنية، خصوصاً أن وزير البلاط الأسبق الدكتور مروان المعشر لا يزال متمسكاً بالإشارة إلى مجموعة من الوثائق المرجعية والأوراق النقاشية الملكية التي حسمت الجدال في محوري المواطنة ومدنية الدولة، أو يفترض أنها حسمت.
المعشر نفسه وقف عند المفارقة نفسها وفي اجتماع حضرته «القدس العربي» باستضافة شخصية وطنية ودولية وازنة هي الدكتور طالب الرفاعي، عندما سأل: مع من نتحدث؟
قريباً جداً قد يجد المعشر، باعتباره من الجيل الثاني من السياسيين الذين يطرحون أسئلة عميقة، من يتحدث معهم في قضايا المواطنة والدولة العميقة، وإن كان لا يريد في كل الأحوال إلا عملية إصلاح ذاتية وطنية منهجية تجنب البلاد والعباد والمؤسسات تحرشات وتدخلات وأسئلة الآخرين.
غريب جداً أن نخبة من أبرز رموز طبقة رجال الدولة وعشية احتفالات المئوية، تسابقت وبجملة تكتيكية مرسومة وبتوقيت مقصود على الأرجح للتحدث مفاهيمياً قبل الاسترسال في الاحتفال وطنياً فقط بالمئوية التي تقول وبكل اللهجات إن هناك منجزاً ومنتجاً يستحق الاحتفال فعلاً ولا يمكن إنكاره.
وبالنتيجة، فإن طرح الأسئلة وإن بدت صعبة عشية الاحتفال بالمنجز، تبدو أقرب إلى صيغة إطلاق صافرة أو صوت مرتفع لحماية المنتج وليس لمناكفته.. على الأقل تستطيع «القدس العربي» التأكيد أن الأصوات التي برزت من كبار السياسيين في الأيام القليلة الماضية حريصة على الدولة والنظام، ومؤمنة، وليست معارضة حراكية، والأهم زاهدة بالمواقع والمناصب التي أصبحت خلفها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى