اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن: لا أحد يريد المجازفة بـ «إغضاب» الحكومة و«الرئيس» ناشط فجأة «تحت طائلة المسؤولية»

 

تعيد النسخة الثانية من فيروس كورونا رئيس وزراء الأردن الدكتور عمر الرزاز، مجدداً، إلى الواجهة وببصمة شخصية هذه المرة، بعد فترات متعاكسة ومبرمجة من الظهور والكمون التكتيكي، وبصيغة تعيد تنشيط الإيحاء بأن الأجندة السياسية والانتخابية الوشيكة لا تتضمن سيناريو «تغيير وزاري».
وقد ظهر خلال أيام قليلة في ثلاث مساحات بيروقراطية ببعد سيادي وأمني، وتحدث للجميع أمام الكاميرا وبدون «كمامة» فيما كان من حوله يرتدونها في مشهد دلالته السيطرة على الإيقاع وبقاء الحكومة وتحرك ديناميكي لرئاسة الوزراء. وزار الرزاز منطقة حدودية بعد تسلل وتسرب إصابات بالجملة من المعابر الحدودية، ثم أصدر تعميماً وتوجيهاً بمعالجة سريعة وفعالة للخلل والقصور على المعابر الحدودية، واتخذت فعلاً إجراءات سريعة خضعت فيها للحكومة ولرئيسها العديد من المؤسسات والأجهزة.
لاحقاً، مساء الأربعاء، ظهر رئيس الوزراء في موقعين، الأول مع نخبة من أركان فرق المعالجة الوبائية الميدانية. والثانية في غرفة عمليات الأمن العام. وفي المرتين وجه رئيس الحكومة التحية للعاملين وشكرهم وحاول الرفع من معنوياتهم. لكن الإجراء الأكثر أهمية ظهر صباح أمس الخميس، حيث أصدر الرزاز تعميماً يتضمن لأول مرة التلويح بالمحاسبة والمسؤولية القانونية لكل موظف عام يخـالف مـضمون التـعميم القاضي بترشيد النـفقات المـالية في تـسعة بـنود مفصلة.

النخب تصمت وحراك المعلمين خامل بدون مجلس نواب

تستعمل عبارة «تحت طائلة المسؤولية القانونية» لأول مرة في تعميم بيروقراطي من هذا الصنف، الأمر الذي يوحي بأن الرزاز يتابع تفاصيل التفاصيل ويتخذ قرارات وإجراءات، وهو ما أمر به القصر الملكي عدة مرات علناً وخلف الستارة.
ويبدو أن مستوى حضور الرزاز شخصياً في مشهد السيطرة والإدارة العامة زاد بعد التعديلات التي جرت مؤخراً في الجهاز الاستشاري الملكي، حيث مناقلات تبعد مستشارين بارزين نافسوا الحكومة أو خالفوها عدة مرات، أو أداروا الملفات معها إلى الخلف قليلاً.
مشكلات الأسبوع الماضي التي ظهرت أو انفجرت كالألغام في حضنها عالجها الرزاز في سياق وجهة نظره القديمة، التي سمعتها «القدس العربي» منه مباشرة، حيث «معالجة المشكلة عندما تحصل» بدلاً من الغرق في تعقيدات البحث عن المشكلات. تلك كانت واحدة من النظريات الإدارية التي حكمت مسيرة حـكومة الرزاز.
والحكومة مع قرب الاستحقاق الانتخابي وإنهاء وجود وحضور مجلس النواب الحالي في وضع أقوى وتنفرد بالمسرح، خصوصاً في ظل ابتعاد جميع رموز الطبقة السياسية، وندرة العمل المضاد للحكومة أو لرئيسها إما يأساً أو خضوعاً للواقع الموضوعي. ويبدو في السياق أن الاستثمار في التوقيت والأزمة أصبح العنوان الأعرض للطاقم الوزاري العامل مع الرزاز والمقرب منه، فقد أخضعت الاعتبارات الأمنية مؤسسات العمل النقابي وأبعدتها عن طريق الحكومة والتحرش بها، والتغييرات الهيكلية في الديوان الملكي مؤخراً تبقي الحكومة منفردة في إدارة المشهد بدون منافسين أو مزاحـمين «غير متـعاونين» أو نافذين جـداً.
وهنا نقل سياسيون عن رئيس الحكومة الإشارة إلى أن وضع الحريات النقابية «مؤسف» في قياساته، لكن الظروف صعبة ومعقدة والأولويات واضحة للجميع. في الأثناء لا يوجد أصلاً عمل منظم على المستوى الحزبي يؤثر في المجريات العامة أو يحتك بالحكومة خارج سياق جبهة العمل الإسلامي، حزب المعارضة الأهم والأكبر، الذي ترهقه حالياً سلسلة الملاحقات والمطاردات والاتهامات تحت عنوان فتح ملف الأخوان المسلمين على مصراعيه في عهد حكومة الرزاز.
بمعنى مختلف، حتى الحركة الأخوانية دخلت في حالة «كمون طوعية» ولا تريد أن تظهر في الواجهة في الظرف الحساس حالياً صحياً واقليمياً، والأهم مالياً واقتصادياً… وهذا وضع «نموذجي» جداً لأي حكومة تريد الاستمرار بالعمل بلا «ملاحظين» أو ناقدين شرسين.
وعملياً أيضاً، نجح الدور النشط والفاعل لهيئة مكافحة الفساد في خلط أوراق الطبقة الاقتصادية والمالية ورجال الأعمال، حيث مناخات مركبة حالياً، وحيث لا أحد في قطاع الأعمال يريد المجازفة بإغضاب السلطات أو الحكومة بعدما تصلبت جبهتها وتمكنت عبر قوانين الدفاع.
وفي الإطار «خفوت وطني ومسؤول» حتى اللحظة في حسابات الاعتصامات الحراكية لشرائح المعلمين بعد ظهور الموجة الثانية من فيروس كورونا، حيث مخاوف بالجملة وسط المعلمين ووسط الحواضن الاجتماعية، والأهم صعوبة تلقي المعلمين لتهمة إعاقة الموسم الدراسي في ظرف وطني مغرق في الحساسية. وبعد صمت النخبة وابتعاد كبار الناقدين ورغبة كبار الملاحظين والمعارضين بالتخفيف من الظهور والاشتباك والتغييرات الجذرية التي رصدت مؤخراً في شكل وهوية وبنية «الدولة العميقة».. وسط هذا الوضع الميكانيكي سياسياً، تتكرس القناعة بعدم وجود جبهة تريد التصادم مع حكومة الرزاز مرحلياً. لذلك، يمكن فهم نشاط الرزاز الأخير في هذا السياق، إلا إذا كانت المسألة أقرب إلى «صحوة» أخيرة قبل أي رحيل.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى