اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن… و«اللطم في الظلام»

 

حسنا… ترواحت التعليقات على موضوع نشرته بعنوان «كيف يفكر رئيس الوزراء الأردني الجديد؟» ما بين اتهام سريع على الطريقة الأردنية إياها وبين محاولة للتخفيف من اندفاعة محتملة ترحب بحكومة «لن تفعل شيئا» وأيضا برفقة رأي ثالث أكثر تعقلا وعمقا يقترح على الصحافة والصحافيين «الاقتصاد في التوقع».
كان لافتا جدا للنظر أن الأردني عندما يقرأ يصر على التصنيف وما أدراك ما التصنيف، فالاختلاف بالرأي والتقدير غير مألوف والقبول بالرأي الآخر فكرة مستشرقة، وعندما تقول رأيا في أي مسألة، طبيعي جدا أن يصنفك الناس ما بين حليف أو صديق أو خصم أو شرير. لا أحد إلا ما ندر يريد أن يقرأ الحدث والنص أو أي كاتب بحياد وموضوعية.
على الأغلب يميل المعلقون أو المتهمون إلى محاكمة كاتب النص قبل حتى قراءة النص.
ثمة في الحالة الثقافية والسياسية والإعلامية الأردنية أمراض بالجملة في الرأي والتحليل والتفكير لم يعد يشغل أي منا ذهنه في إنكارها أو نفيها. وثمة بالمقابل أعراض وأمراض بالأطنان عندما يتعلق الأمر بقراءة النصوص بصرف النظر عن توقيت ومكان نشرها أو قولها.
بكل حال قصف العبارة والنص بما يتيحه السوق من اتهامات معلبة سلوك اجتماعي لم يعد من الممكن الاستمرار في مناقشته.
لكن الأهم هو واقعة تشكيل الحكومة الجديدة ومحاكمة تجربتها قبل أن تبدأ واستنادا فقط إلى هوية وشخصية رئيسها التي عمليا لا يعرفها الكثيرون إلا من رحم ربي، ففي الحالة الوطنية ميل فطري بالتركيز على الأفراد لأن منهجية وآلية اختيار رؤساء الحكومات أصلا لم تتطور منذ عقود ولم تصبح برامجية أو مؤسسية ولا تزال تراثية بمعنى أنها لصيقة بفكرة «الرئيس المهم» وليس الرئيس البرنامج.
أي مهمة في الأردن يمكن أن تطول أو تقصر، أن تنجز أو توضع على رف المتحف ويبقى الشخص أو الفرد دون مساءلة.
تلك طبعا مسألة شائكة وتحتاج إلى مجتمع مختلف وتربية ديمقراطية مختلفة ووضع جيوسياسي متباين وإقليم في حالة استرخاء قبل حاجتها لتغيير النمط أو الآلية في اختيار من يتولى الشأن العام.
لن نضيف جديدا على المقولة القديمة التي اتفقنا فيها من البداية بأن الحاجة ملحة لإقناع صاحب القرار والدولة بأن كلفة الإصلاح حقا وقولا وفعلا ليست أكثر من كلفة عدمه أو عكسه، فقد جربت كل الوصفات التي تقول بذلك لكن الوصفة التي تقول إن كلفة الإصلاح الحقيقي محدودة ومقدور عليها وإن الوطن سيكسب في النهاية لم تجرب بعد، وإن كنا نتفهم أحيانا تلك الملابسات والظروف التي تتسبب بذلك.

في الحالة الوطنية ميل فطري بالتركيز على الأفراد لأن منهجية وآلية اختيار رؤساء الحكومات أصلا لم تتطور منذ عقود ولم تصبح برامجية أو مؤسسية ولا تزال تراثية بمعنى أنها لصيقة بفكرة «الرئيس المهم» وليس الرئيس البرنامج

كل ما قلناه في التقرير الذي أثار ضجيجا هو نقل خبرة ما سمعناه من رئيس الوزراء الجديد أو رصدناه عنه قبل تكليفه برئاسة السلطة التنفيذية، والأمر لم يتعلق أبدا باجتهاد أو رأي أو حتى تحليل بل بمعلومات يمكن للقارئ أن يتعامل معها كإسناد لمخزونه المعرفي يساعده في التشخيص والتقييم كما يمكن له أن يلقي بها ـ أي المعلومات ـ بسلة المهملات بكل بساطة.
وعندما يتعلق الأمر برئيس الوزراء الجديد لا نملك كمواطنين إلا أن نتمنى التوفيق له ولخير الأردن وللأردنيين قيادة وشعبا وجميعا والحرص على إشعال ولو شمعة بدلا من اللطم أثناء انتظار الظلام دوما.
قلناها سابقا ونكررها… الأردني ملزم اليوم بحكم الواقع الإقليمي والدولي إذا أراد النجاة فعلا أو حتى العبور بأقل الخسائر بالتحلق حول مؤسساته الدستورية فلا كرامة بدولة بدون كرامة مواطنيها ولا كرامة لمواطن بدون كرامة دولته.
أزعم أن رئيس الوزراء الجديد وقد قابلته عدة مرات قبل تكليفه وبعده يعرف ذلك جيدا لا بل يؤمن به. وأزعم بأن الحكومة الجديدة تستحق فرصة لا أكثر ولا أقل، قبل جلدها بسياط النقد والسلبية، وفرصتها ستكون أقصر زمنيا من غيرها لأن الواقع معقد والمواطن محتار وكلفة ما فرضه الوباء اقتصاديا طرقت أبواب كل الأردنيين.
لكنها حكومة تحتاج لمشروع ومن حقها تلمس موقعها وموضعها، وهي اليوم بسبب الظروف الاستثنائية التي تمر بها المملكة لتلك المهلة الكلاسيكية والتي حظيت بها حكومات أخرى سابقا، وقوامها مئة يوم على الأقل يتعرف فيها الوزراء على بعضهم وتضع فيها الحكومة خطتها ثم تبدأ التنفيذ.
في ظل الظرف الاستثنائي الحالي لعن الظلام والتشكيك بالمؤسسات حتى عندما نختلف مع اتجاهاتها قد لا يمثل الصواب في التموقع وقد يعتبر تسرعا لأن التجديد في الروح الشابة مطلوب ولأن الحكم على الأشخاص بدون مناقشتهم عبث صارخ. الوزارة الجديدة تستحق فرصة… أصلا لا نملك خيارا غير ذلك الآن.
هل يخرجني هذا القول من ملة الوطنيين أو يدفعني باتجاه الإغراق في التوقع ويلطمني بتهمة التسحيج؟
الإجابة باختصار بعد مئة يوم سبق أن حظيت بها كل الحكومات في الماضي.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى