اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن: وحل «المقاولات» وأفلامها

 

يكلف السجين الخزينة الأردنية حسب الأرقام الرسمية ما يقارب 700 دينار شهريا.
حسنا بكل سذاجة الكون استفسر: لماذا تدفع حكومتي على حسابي كمواطن ودافع ضرائب المبلغ المشار إليه أثناء سجن رجل أعمال أو مقاول أو وسيط مالي أو تاجر متعثر من طبقة البزنس بدلا من ترك السجين حرا ولو لفترة يحددها القانون حتى يتدبر أمره المالي ويدفع المطلوب منه لي كمواطن إذا كنت في حالة نزاع معه او لأي مواطن آخر أو حتى للخزينة. بالنسبة لي المسألة أقرب للقول المألوف حول «تجارة جحا».
يقال إن بعض الموقوفين في السجن في إطار قضايا حقوق مالية لمواطنين آخرين يتم سجنهم أحيانا لفترات طويلة في مرحلة التحقيق أو حتى بعده وتدفع عليهم الدولة داخل السجون كلفة الطعام والشراب والصيانة والعلاج بدلا من أن تتاح لهم فرصة التصرف ودفع المستحقات المطلوبة منهم.
طبعا لا أتحدث هنا عن من تسول له نفسه يوما سرقة ولو قرش واحد من المال العام، فهؤلاء يستحقون السجن، لكن بعضهم أيضا يمكن الاستفادة منهم ماليا بتسويات في ظل القانون تبقيه خلال فترة العقوبة على نحو أو آخر حرا بقيود حتى يعيد المنهوب أو المسروق من مال الناس والدولة أو من حقوق الأفراد والمؤسسات.
في بعض هذه الحالات يدفع الشعب كلفة إقامة المتعثر أو المتهرب أو حتى الفاسد المالي في السجن ولا يستفيد لا الطرف المتضرر ولا الوطن ولا العدالة.
أعلم بأن معالجات من هذا النوع تحتاج إلى بنية تشريعية مختلفة المرونة وأعلم بوجود فارق كبير بين تاجر مثلا تعثر بسبب فايروس كورونا أو بسب المطر وبين آخر لعوب وفاسد أو محتكر ومتلاعب بالأسعار وثمة فارق بين مقاول أو مهندس اجتهد فنيا وأخطأ وبين آخر نهب المال العام قصدا.
من أخطأ فنيا عليه أن يعالج الخطأ على حسابه ماليا ووزارة الأشغال مثلا يمكنها رفض استلام أي شبر من أي مشروع فيه نقص أو خطأ فني بدون إثارة أو ضجيج.
بكل حال لست مختصا ولا أفهم شيئا في عالم المقاولات والتعاقدات وأتوقف تماما عن عد الأوراق النقدية بعد 120 دينارا فقط. ولكن أسمع في السوق آراء واجتهادات أجزم أن بعضها يمكن تطبيقه.

التوقيف أثناء التحقق والتحقيق وقبل قرار قضائي مباشر عقوبة أيضا مكلفة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالقضايا المالية والاقتصادية

مرة أخرى لا أريد الغرق في وحل المقاولات وأفلامها لكن أعتقد بأن الخزينة يجب أن لا تدفع نفقات إقامة أي شخص في السجون يمكن توفير ملاذات قانونية لمحاسبته وتكليفه بدل ما تسبب به ماليا، ويمكن وضع ضوابط طبعا أو سجنه فترة إذا لم يكن مجرما جنائيا أو إرهابيا على أن يترك له هامش للتصرف بالسوق حتى يدفع المطلوب منه بموجب القانون.
ليس سرا أن الوصول إلى ذلك يتطلب تعديلات تشريعية لكن لا أعرف سببا يمنع هذه التعديلات حتى الآن.
وليس سرا أن المسألة تتعلق بروح النص القانوني وتوفير غطاء تشريعي وسياسي لأطقم التحقق والتحقيق التي تسهر على العدالة بحيث تتاح فرص تدبير ودفع المطلوب ماليا ضمن تسويات يحكمها القانون بدقة مع غرامات أيضا بدلا من الاستمرار في حبس أو سجن أشخاص وجودهم خارج السجن أفضل لجميع الأطراف.
وأتحدث طبعا هنا عن فئات من المتعثرين ماليا أو التجار الذين يطالبون بسقف زمني يسمح لهم بتدبير أنفسهم وفي بعض الحالات حتى عن متهمين بالتهرب الجمركي والضريبي لديهم القابلية للتسوية، ومن الأفضل تمكينهم من دفع أموال الخزينة بدلا من أن تدفع لهم الخزينة بدل الاسترخاء والحراسة والأمن والطعام اللذيذ والشهي خلف القضبان.
ثمة منظومة من الاجراءات السياسية والبيروقراطية التي يمكن أن تساعد سلطات العدالة في هذا المضمار.
في بعض القضايا والملفات لا أفهم بعد مثلا سبب عدم اعتماد معايير أثناء التحقيق في الحجز على أموال متهمين أو مطالبين بحقوق، فالحجز يمكن أن يكون على ملكيات أو أموال أو عقارات تساوي قيمة المبالغ المطلوبة فقط وليس كل ما يملكه الدائن وأفراد عائلته، فذلك أيضا يجمد بعض المال ويحرم التداول في السوق منه وبالتالي يقلص بعض عوائد الخزينة من الرسوم والضرائب.
بصراحة أيضا أصوت للرأي الراجح القائل بأن التوقيف أثناء التحقق والتحقيق وقبل قرار قضائي مباشر عقوبة أيضا مكلفة خصوصا عندما يتعلق الأمر بالقضايا المالية والاقتصادية بما في ذلك بعض الاجراءات التحفظية مثل الحجز المالي ومنع السفر والتي تبررها المصلحة الوطنية في بعض الحالات لكن في حالات أخرى يمكن أن تخدم العدالة بالاستغناء عنها لأن إفلات المخالف من أي عقاب أقل كلفة على الروح الوطنية المعنية من الظلم أولا ومن كلفة الإساءة لسمعة الأفراد ثانيا. ولأن «المدين» على الأغلب لا يشكل خطرا على المجتمع.
تلك بكل حال ليست وظيفة لجان وهيئات التحقق والرقابة بل وظيفة السلطتين التنفيذية والتشريعية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى