اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن يتجنب نظرة «أعمق» لسياسة الحظر والإغلاق… والطاقم الاقتصادي «يصرخ» ووزير الصحة «يتشدد»

القوات المسلحة إلى الثكنات والبلاد على طريق «التعافي» من كورونا

 

يبدو مدير جهاز الضريبة الأردني حسام أبو علي متمسكاً بكل مواثيق متطلبات مهنته واحتياجات الدولة وهو يعرض لكبار المسؤولين الحقائق والأرقام والمعطيات، خصوصاً تلك المتعلقة بتأثيرات أزمة كورونا والإغلاق والحظر على عائدات الخزينة من بنود الضريبة والرسوم.
سلسلة خصومات بالجملة اضطرت إليها حكومة الأردن وحظيت بغطاء سياسي للتخفيف قدر الإمكان من معاناة المواطنين، خصوصاً الاقتصادية والمالية وبصورة مباشرة في شرائح المجتمع الأقل حظاً وتضرراً

لكن الحكومة، ولأسباب سبقت حتى كورونا، ليس لديها الإمكانات لتعويض الجميع وبدون استثناء، لأن كل القطاعات تشتكي على نحو أو آخر، بينما تم التركيز على عمال المياومة والأسر الفقيرة ومساعدة أكبر الخاسرين مالياً قدر الإمكان، لأن الخسائر الاقتصادية -كما قال لـ «القدس العربي» السياسي والبرلماني الدكتور ممدوح العبادي – أفقية ولم تصل للدولة وخزينتها فقط، ولكن طالت جميع الشرائح الاجتماعية.
طبعاً، العبادي ينضم إلى شريحة الخبراء والحكماء الداعين إلى عدم المبالغة في التذمر والتضجر، وتوقيف حالة التلاوم؛ لأن أجهزة الدولة بإطارها السيادي نشطت فعلاً في الاحتواء والمواجهة والكلفة، عندما يتعلق الأمر بالوطن من الطبيعي أن يتحملها الجميع، والموقف يحتاج إلى برامج وسياسات وازنة، وإلى كثير من الصبر واستقراء الدروس.
تلك مقاربة قد لا تقنع خبيراً مثل أبو علي تتطلب واجباته السهر على تطبيق القانون فيما يتعلق بتحصيلات الضريبة وبذل الجهد المعقول والممكن مع طاقمه للقيام بالواجب ضمن سياقات الإنصاف وحكم القانون، دون التفريط بالحرص على ضرورة بقاء الواردات للخزينة حتى تتمكن الدولة، وفقاً لما قاله نائب رئيس الوزراء الأسبق الدكتور محمد ذنيبات وهو يتحدث عن تكافل وتضامن الجميع من أجل الحماية الوطنية.
على الجبهة الموازية.. في مسألة التضرر الضريبي يقف وزير المالية الدكتور محمد العسعس وبصفته قائداً للطاقم الاقتصادي في الحكومة، خلف الكواليس على مسافة معتدلة من منطق المتابعة الصحية والوقائية والوبائية ومتطلباتها في الحظر والإغلاق والتحقق ومن احتياجات حالة السوق والدولة الاقتصادية لاستئناف النشاط، وبالتالي الحفاظ على عوائد الخزينة.
ليس سراً، في السياق، أن التشدد في إجراءات الحظر والحفاظ عليها حتى بعد عودة أطقم القوات المسلحة إلى ثكناتها وقيامها بواجب كبير في بداية الأزمة وبكفاءة.. أصبح مثاراً لنقاش لسياسي ليس في أوساط الشارع والنخب فقط، خصوصاً بعد مؤشرات السيطرة و»التعافي»، ولكن أيضاً في أوساط مجلس الوزراء، حيث برزت إشكالات وتجاذبات وآراء تختلف مع تقديرات وزير الصحة الدكتور سعد جابر في مسألة بقاء وتوقيت وفترات وأيام الحظر والإغلاق، وتأثير ذلك على عودة الحياة الاقتصادية إلى طبيعتها.
ورغم أن خمسة على الأقل من كبار الوزراء يختلفون مع زميلهم وزير الصحة في كثير من التفاصيل، إلا أن مجلس الوزراء يحترم تقاليد «جهة الاختصاص» ولا يملك، بيروقراطياً وسياسياً، بعد قول الرأي الفردي إلا الخضوع -بصرف النظر عن المبالغات وحسمها- لما تقرره وزارة الصحة في مسألتي الوباء وكورونا.
هنا يحصل الوزير جابر على مساحة واسعة من التحكم بمسار الأمور، حتى أنه وقبل ثلاثة أيام، وفي اجتماع مرجعي مغلق، بدأ وكأنه يدلي بتعليقات تخص وزراء الطاقم الاقتصادي وليس الوضع الصحي الوبائي، في إشارة إلى تمسكه بالتشدد المثير للجدل في إجراءات الحظر والإغلاق. لكن يبدو، في المقابل، أن رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز يخشى كلفة الميل ضد خيارات وزير الصحة في ملف الحظر والإغلاق واستمرارهما بالرغم من فداحة الخسائر المالية والاقتصادية، ما يدفع بمقر رئاسة الحكومة إلى موازنات وتوازنات بطيئة جداً وزاحفة في بعض التفاصيل، وبصورة لا تظهر بعد خلفياتها. ويملك رئيس الحكومة في العادة خيار إنتاج توازنات بين أعضاء فريقه.
وما يظهر عليه الأمر، بوصلة تميل للرأي الوزاري المتشدد في مسألة إجراءات الحظر، خصوصاً بعدما وجد وزير الصحة في وزير الأوقاف سماحة الشيخ محمد الخلايلة حليفاً، وبعدما قرر المخضرم القوي وزير الداخلية سلامة حماد تجنب أي مواجهة لأي اجتهاد، فيما ضعفت جبهة وزراء مرشحين للمغادرة في أقرب تعديل وزاري بعد كورونا.
مثل هذا التموقع، عندما يتعلق الأمر بالرئيس الرزاز، قد لا ينتج فقط عن ميله للعبة التنازلات بقدر ما يوحي، ضمن الاحتمالات، بأن التشدد في خيارات الحظر لفترة أطول بالرغم من «صياح واصوات» لطاقم الاقتصادي، هو خيار عابر للحكومة في الواقع، ويعبر عنه فقط وزير الصحة بين الحين والآخر.
وتلك طبعاً فرضية سياسية تحليلية تحتاج إلى اختبار.
لكن الأهم أن قرار الحكومة، وبوضوح، عالق بين محطتين: في الأولى ثمة كلفة مالية وضريبية واقتصادية تضغط في اتجاه الانفتاح بعد الحظر لتعويض الفاقد والخسارة. وفي الثانية ثمة تفاصيل وحيثيات لا يريد أحد التحدث عنها الآن، ولها علاقة بحساسيات ما بعد مرحلة احتواء فيروس كورونا.. وتلك قصة أخرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى