اراء و مقالات

الإدارة الأردنية بين «مرعوبة» أو «مسيرة»

هموم الإدارة في الأردن لا يمكن تحميلها فقط في جزئية المشكلات والتحديات للموظف البيروقراطي البسيط، لكن المسؤولية هنا في بروز تعقيدات بالجملة، عندما يتعلق الأمر بالقطاع العام وخدماته، تتحملها الحكومات المتعاقبة

وجهة النظر التي تقول بأن إصلاح الإدارة في الملف الأردني ينبغي أن يشكل الأولوية حتى عند الإصلاحين الاقتصادي والسياسي لها مكانها المعتد والذي يليق بها وسط زحمة ليس الأسئلة فقط. ولكن تلك الإقرارات لطيفة ناعمة وتؤكد مجددا بأن استمرار توقع نتائج أفضل باعتماد نفس الصيغ في الإدارة العليا القائمة حاليا استرسال في العدمية وإغراق بالعبث.
هموم الإدارة في الأردن لا يمكن تحميلها فقط في جزئية المشكلات والتحديات للموظف البيروقراطي البسيط الذي يحاول الخدمة بأقل راتب محتمل، لكن المسؤولية هنا في بروز تعقيدات بالجملة، عندما يتعلق الأمر بالقطاع العام وخدماته، تتحملها الحكومات المتعاقبة بالتأكيد، وجزء من المسؤولية أيضا على المؤسسات السيادية للدولة لأنها انشغلت تماما عن ما هو أهم لصالح ما تصوت أنه مهم وتدفقت عدة مرات في عدة مواسم لتعويض نواقص الحكومات التي تتشكل أصلا بوصفة عجيبة غريبة قد لا يكون لها مثيل بين الدول.
وبموجب محاصصة مختلة لم تقف نتائجها عند حدود إعطاب الإدارة التي كانت دوما متميزة بل بتوارث الأداء الرديء والسيئ عبر الإقصاء المنهجي إداريا للكفاءات وطوال أربعة عقود.
عندما زار أحد الوزراء السابقين المكتب المختص ببرنامج محدد له علاقة بمراقبة الديون الخارجية، فوجئ بأن الأنظمة الإلكترونية العصرية المتخصصة هنا لا تعتمد، وعندما سأل مدير المكتب عن السبب قيل له بأن ثمن تلك البرامج 10 آلاف دولار. يعني ذلك أن موظفا ما قرر بأن الدولة ينبغي أن لا تدفع 10 آلاف دولار مقابل برنامج إلكتروني وظيفته المحاسبية مراقبة وإدارة مخاطر الديون التي تزيد عن 40 مليارا من الدولارات.

هموم الإدارة في الأردن لا يمكن تحميلها فقط في جزئية المشكلات والتحديات للموظف البيروقراطي البسيط، لكن المسؤولية هنا في بروز تعقيدات بالجملة، عندما يتعلق الأمر بالقطاع العام وخدماته، تتحملها الحكومات المتعاقبة

لا يمكنني ولا غيري لوم أي موظف لأن ديوان المحاسبة الذي يضم أطقم مفتشين على الموظفين يرعبهم أحيانا، ويسأل عن كل صغيرة وكبيرة، وقد يكتب تقريرا بأن موظفا ما اشترى برنامجا ما ليس له مبرر من وجهة نظر المحاسبين الحكوميين، ولأن الموظف العام في الأردن ومنذ الربيع العربي حصرا بدأ يراوغ ويهرب ويفلت من التوقيع على أي قرار فيه إنفاق ولو دينار واحد، لأن نهش سمعته لا بل التحقيق معه يمكن بأي لحظة، وهيئات مكافحة الفساد ترعب الموظفين حقا، لا بل تساهم في منعهم من اتخاذ القرار رغم أن دورها الوطني، وكما قال أبرز رموز تلك الهيئات هو مساعدة الموظف العمومي على اتخاذ القرار المناسب. لكن في تلك المسافة الساكنة المرعبة بين اتخاذ القرار المناسب وبين اتهام موظف ما بأنه لم يتخذه تجلس تفاصيل الشيطان حيث الأخطاء والتردد والترهل والعثرات بعد الرعب تربك الأداء الإداري.
في تلك المساحة الضيقة تتراجع الإدارة ويتقلص الأداء وتقل المنتجات والمنجزات ويترهل القطاع العام ويزيد عدد الخائفين من توقيع أي قرار ويرتبك السيستم وأخيرا بالحد الأدنى يهرب مستثمرون.
فاجأني برلماني بسؤال فني مباشرة بعد إشهار وإعلان وثيقة التحديث الاقتصادي، وهو يقرأ قرارا نظاميا في قطاع مقاولات العاصمة يمنع المقاول من الحصول على أكثر من 50 رخصة فردية فقط لعمال وافدين. سأل صاحبنا: ماذا تفعل شركة مقاولات لديها مشروع واحد يحتاج لـ 500 عامل وافد وغير متاح لهم بديل في السوق الآن؟
حسنا ماذا تفعل شركة أخرى حصلت على عطاءات لـ10 مشاريع بنفس التوقيت؟
أسئلة بالجملة يزرعها فينا مختصون وخبراء وممثلون للقطاع الخاص يدفعون يوميا ثمن الارتجال والعشوائية.
خبير مختص سيعمل مع الحكومة أشرف على توزيع شاشات إلكترونية متخصصة بغرف عمليات إدامة خدمة القطاع العام ثم قام بتدريب أطقم الموظفين عليها، وعندما زارهم للمراجعة بعد 3 أشهر فوجئ بالشباب يتابعون مسلسلات تركية على تلك الشاشات العصرية المتخصصة بالمتابعة العملياتية والتي كانت بطبيعة الحال مكلفة جدا.
وزير آخر أكد أنه لا يجد في وزارته الاقتصادية موظفا واحدا فقط لديه الأهلية لدراسة إعداد «دراسة جدوى» وزميل له كان للتو يحدثنا عن مفارقة الاحتكام لنصوص ديوان الخدمة المختص بتعيين الموظفين.
احتاج الثاني مدخلة بيانات متخصصة فأرسل المكتب المختص موظفة لها الأحقية في الدور بموجب تشكلات التعيين، وفوجئ الوزير بأن تلك الموظفة عمرها 52 عاما، والمعنى أنها تخرجت قبل 30 عاما، فيما البرامج المطلوب العمل عليها صدرت قبل دقيقة، والوزير ممنوع عليه بموجب القانون مادام طلب موظفا إلا تعيين تلك السيدة التي بقيت في منزلها 30 عاما بلا عمل ولا تعلم شيئا عن عالم إدخال البيانات إلكترونيا اليوم.
ثمة حالات في الإدارة مغرقة في إنتاج الحيرة والارتباك، والإصغاء اليها بين الحين والآخر قد يثبت بصراحة وجهة نظر رئيس الوزراء الأسبق والمحنك عبد الرؤوف الروابدة عندما يقول «صدقوني الأولوية والحاجة للإصلاح الإداري».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى