اراء و مقالاتمقالات وآراء

التقصي الوبائي «مرهق» بين سائق شاحنة و«بائع مثلجات»… هل يعاني الأردن أكثر من «الكتف السعودية» وغياب «الخليجي»؟

إغلاق 39 محلاً تجارياً في جرش وخيوط معركة مع مخالطي المخالطين

 

كأنها متوالية هندسية في الوضع الوبائي الأردني. فسائق شاحنة خالف تعهد التباعد الاجتماعي فانتهى الأمر بأكثر من 80 إصابة بكورونا جراء المخالطة، فيما تواصل لجان التقصي الوبائي معركتها الشرسة، ويصرح ممثلها النشط في الشمال الدكتور وائل هياجنة بعدم «وجود مبرر للإغلاق مجدداً».
بكل حال، انتشر من خالطهم سائق الشاحنة الذي اشغل الدنيا والناس من عشرة أيام في المملكة في ثلاث مدن على الأقل، وتبين في النتيجة بأن مواطناً واحداً يتصرف بدون مسؤولية في التباعد سيبقي على وظيفة لجان التقصي لأسابيع، مع أن الطاقم الصحي أصابه «الإرهاق»، كما قال السياسي والطبيب الدكتور ممدوح العبادي.

نقل السائق نفسه العدوى لعائلته وأقارب وجيران له في القرية نفسها ومحيط المدينة. لاحقاً، تتبعت لجان التقصي الخيط فوصلت إلى «بائع مثلجات» خالط أحد مخالطي السائق. وفي جرش التقطت السلطات حركة ومسار بائع المثلجات المتجول، فتبين بأنه يتعامل مع 39 محلاً تجارياً في مدينة جرش جرى إغلاقها، وتكلفت الدولة أكثر من 300 فحص على الأقل وهي تتقصى أين وقف وباع وخالط سائق عربة المثلجات الذي أدلى باعترافات كاملة. كل ذلك حصل بعد ثمانية أيام سجلت فيها البلاد العدد «صفر» إصابات.
والإحصاء لم يتوقف بعد، فاللجان الوبائية تريد معرفة أي شخص خالط مخالطي السائق الذي يبدو أن خللاً بيروقراطياً أو واسطة ومحسوبية دفعته للتحول إلى صاروخ كورونا متنقل ودون تحقيقات ببعد أمني.
«أين الخطأ»؟.. الجميع يسأل من القمة إلى القاعدة الشعبية. ووصف وزير الصحة سعد جابر مبكراً، ما حصل بأنه «انتكاسة»، وحاول زميله وزير الإعلام أمجد عضايلة، تخفيف وطأة الكلمة، فتحدث عن «خلل بيروقراطي»، وانشغلت الحكومة بالتفاصيل، وبدأ الرأي العام ينسى أو لا يهتم ببقية التفاصيل، مثل بقاء الحكومة والانتخابات وحتى التعديل الوزاري.
طبعاً تلك الأحداث تحصل وستحصل. لكن الشعور العام بأنها ينبغي أن لا تحصل.. و»تعلمنا درساً كبيراً»، قال الوزير العضايلة، قبل أن ينتهي مشهد السائق إياه بخيبة أمل وطنية بإعلان حظر شامل لحركة السيارات أول أيام عيد الفطر السعيد، في قرار ألهب أجواء الاحتقان في المجتمع.
يتضح من التدقيقات الأولية بأن لجنة الأوبئة كانت في بداية الأزمة قد حذرت من تسلل الفيروس عبر مئات سائقي الشاحنات، وطلبت مبكراً مراقبة جيدة للحدود، وخصوصاً مع السعودية المصنفة رقمياً بأنها الآن موبوءة.
لكن المراقبة هنا مكلفة جداً، خصوصاً على الحدود مع السعودية، كما قالت وزيرة النقل السابقة لينا شبيب، فنحو 20 ألف عائلة على الأقل تعتاش وترتزق في قطاع النقل البري، و»المجاملة» على حساب المصالح الداخلية للحدود مع السعودية كانت بادية للعيان، خصوصاً أن الرغبة سياسية في إبقاء الحدود نشطة ومـفتوحة.
حتى اللحظة، وبالرغم من كل الضجيج، لم يعلم الرأي العام بعد بصورة دقيقة «أين الخلل» الذي كشفت عنه الحكومة، حيث لم ترصد مصارحات ولا إقالات ولم يقدم أي مسؤول استقالته بسبب خلل الحدود، بل من المرجح أن الحكومة حاولت الاستثمار في المشهد.
في منطقة أعمق، وبعد حادثة السائق، ترأس رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز اجتماعات لمجلس السياسات، وبرز بأن يده أطلقت لاستعادة المبادرة في سياق تفعيل قانون الدفاع باعتباره المسؤول الدستوري الأول، مع ضوء أخضر يسمح له بأي تعديل وزاري في أي وقت يراه مناسباً، حيث لا حصانة لأي عنصر في طاقمه، وحيث وزراء عابرون في الظرف الحالي للحكومة ولرئيسها. لكن الرزاز يقرر الاحتفاظ بورقة التعديل الوزاري.
ولاحقاً، فإن استعمالها في توقيت سياسي يطيل عمر حكومته، أو على الأقل لا يخرجها من سكة الاستمرار بسبب «أخطاء في ملف كورونا»، لأن الأخطاء ستحصل لاحقاً، والمنجز الذي يسجله القطاع الصحي المرهق لا يزال قابلاً للاستثمار محلياً وإقليمياً ودولياً.
لكن الوضع العام في الجوار أصبح يتحول أو قد يتحول لاحقاً إلى «عبء أردني»، فالأسئلة تتوالي عن كيفية التحوط إذا ما تزايد نمو الفيروس بصورة مقلقة في دول الخليج الحليفة. و»القدس العربي» سمعت من شخصيات بارزة جداً، من بينها طاهر المصري وسمير الرفاعي، بأن واحدة من النقاط التي ينبغي أن تؤخذ بالاعتبار بعد الآن هي التحديات التي تنشغل فيها بمصالحها منظومة «الخليجي». والمعنى، وجوب التوقف عن بناء رهانات اقتصادية لاحقاً على أساس العلاقات القديمة مع دول الخليج الشقيقة.
والأهم هو أن النمو الكبير للوباء في دول مثل الإمارات والسعودية والكويت وحتى قطر، قد يؤثر سلباً في عمالة الأردنيين في تلك الدول خلافاً لأن الوضع الوبائي في السعودية تحديداً يمكنه أن يضغط على الكتف الأردنية. وعليه، يمكن الاستنتاج بأن دروس حادثة سائق الشاحنة عبر الحدود مع السعودية أكبر بكثير من مجرد التقاط «خلل بيروقراطي».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى