اراء و مقالاتمقالات وآراء

الحظر الأردني ورسائل «للمعارضة والموالاة»… ماذا حصل في الشارع بين الأمن و«رئيس المعلمين»؟

وقف نائب نقيب المعلمين في الأردن الشهير ناصر نواصرة، على أقرب مسافة من «الإجراء الأمني» الذي لا يميز عندما يتعلق الأمر بتطبيق وإنفاذ «حظر التجول» بين معارضة أو موالاة. خطط النواصرة للحصول على «تصريح» يخوله التنقل لإدارة بعض معطيات أضخم نقابة في المملكة.
صادفته دورية أمنية لديها «تعليمات واضحة» واتخذ الإجراء القانوني، حيث اقتيد إلى المركز الأمني وصودرت سيارته وحرر محضر رسمي ضده، وهو نفسه الإجراء المتخذ ضد عضوين نافذين في البرلمان، نشرت صور لسيارة أحدهما وهي تشحن لأغراض المصادرة. والرسالة واضحة هنا… لا وقت للمعارضة في الساحة الأردنية ولا وقت لتجاوزات وأفلام تيار الولاء خارج نطاق أوامر الدفاع.
ما اقترحه النواصرة من «تبرير» يحتاج إلى التأمل، فوسط ميل «شعبوي» واضح عند كثير من المسؤولين والمعارضين أيضاً، أعلن النقابي المهم أنه لم يغادر منزله لشراء «طعام لجرو» أو لأغراض شخصية، بل لتوقيع شيكات بنكية لدفع رواتب معلمين وموظفين، ولتمرير معاملة تبرع بنصف مليون دينار لصالح المعلمين المتعطلة رواتبهم في مدارس القطاع الخاص.
بالنسبة للمعلمين، خطوة النواصرة «نضالية ومسؤولة»؛ لأن نقابة المعلمين عملياً كانت «أول المتبرعين» بمبلغ كبير لمساعدة وزارة الصحة في التصدي لفيروس كورونا.
بالنسبة للنواصره نفسه، فقد حاول الاتصال بالحكومة ولم يحسب أحد في الحكومة أنه في موقع مسؤول عن شريحة واسعة في المجتمع لديها مصالح تتطلب تنقل وتحرك قيادات النقابة للمساعدة بالمستوى الوطني، ما يبرر مجازفته بمغادرة منزله نحو أحد البنوك ودون تصريح تنقل في ظل الحظر. أما بالنسبة لرجل الأمن أو العسكري في الشارع، فلديه «توجيهات محددة» وأغلب كوادر العسكر والأمن، مثل الممرضين، يتواجدون بالميدان وللأسبوع الثالث على التوالي ومن دون حتى زيارات لعائلاتهم في كثير من الأحيان خلافاً لأنهم «الأكثر اختلاطاً» بالآخرين في الشارع.
وهو ما تنبه إليه الملك عبد الله الثاني شخصياً عندما اتصل بأطباء وممرضين ورجال أمن وعسكر في الميدان لدعمهم معنوياً والتأكيد على أن الدولة معهم وهم يقومون بالواجب. وفي المحصلة، لم توقف السلطات «زعيم المعلمين»، وتم تكفيله. لكن ما حصل مع النواصرة ينبغي أن يقرأ «إجرائياً» وإدارياً وسياسياً ما دامت الحكومة -كما يقول رئيسها الدكتور عمر الرزاز- دخلت في مسار سباق «المسافات الطويلة»، حيث سيبقى -على الأرجح- حظر التجول والإجراء الاحترازي ومعه الأزمة، إلى فترة أطول بكثير من التوقعات.
وحيث – وهذا الأهم – في رأي الخبير الاقتصادي الدكتور لؤي سحويل، سيقف الجميع في العالم أمام سؤال التحدي الاقتصادي بصرف النظر عن مآلات المواجهة مع فيروس كورونا. وهنا ورغم أن الناطق العسكري باسم خلية الأزمة، العميد مازن فراية، قد طلب من الإعلاميين التوقف عن التحدث بخصوص «أزمة التصاريح» على أساس أنها بين يدي سلطات القانون الآن وتتابع في الإطار القانوني، إلا أن ما حصل مع النواصرة يشير إلى واحدة من أبرز الإشكالات الإجرائية بالمستوى البيروقراطي، بعنوان..»كيف يصل كثيرون من شرائح المجتمع لأعمالهم ومنشآتهم في ظل العزل والحظر؟».
وهو سؤال من الطبيعي القول بأن الملك شخصياً يحاول توجيه الحكومة للتفكير فيه بعدما أصدر تعليمات بدراسة «تحريك بعض القطاعات الإنتاجية»، ما يوحي ضمنياً بأن «الأزمة طويلة» والبقاء في مستوى «العزل المتشدد اجتماعياً وأمنياً» قد يفيد في مواجهة الفيروس لكنه قد يلحق ضرراً بالغاً في «بقايا المشهد الإنتاجي» وتحديات الملفين المالي والاقتصادي. لذلك، يمكن القول بأن استراتيجية «الاشتباك مع الوباء وحتوائه» بقيت فعالة في المشهد الأردني.
لكنها لم تعد في ظل خطة «التحريك» التي اقترحها القصر مرتين على الأقل الأسبوع الماضي تحت عنوان دراسة الآثار الاقتصادية أولاً. ثم تحريك قطاعات إنتاجية ثانياً، وهي الخطة الوحيدة في قواعد الاشتباك على المستوى الاستراتيجي في الدولة وصناعة القرار اليوم، ما يوحي ضمنياً أيضاً بأن حكومة الرئيس الرزاز لم تعد وحدها في ميدان المناورة والقرار، حتى وإن طال عمرها مرحلياً أو مؤقتاً.
والتحريك هنا ينبغي دوماً أن يكون مدروساً وفي إطار خطة مفصلة جداً، خصوصاً في طبقة «قادة الأعمال والمصانع والمؤسسات المدنية» مثل حالة نواصرة، لأن المسألة تتعلق بحوارات «فنية» مع المختصين لمواجهة تداعيات الأزمة الصحية التي اجتاحت العالم أكثر من كونها تتعلق بإجراءات الحجر بعد العودة للبلاد، التي نفذت أيضاً باحتراف وبإنصاف ومهنية عسكرية، وطالت الجميع حتى في حالة رئيس الوزراء والديوان الملكي الأسبق الدكتور فايز طراونة، كما في حالات مماثلة لشخصيات بارزة عادت إلى البلاد بعدما تقرر حجر جميع العائدين، حرصاً على سلامتهم، في الفنادق لـ14 يوماً في واحدة من نجاحات خطة الاستقصاء الوبائي، وكما حصل عندما قرأ الكثير من كبار النخب وعلية القوم بأن عليهم الخضوع أكثر وقبل غيرهم لقرارات وتطبيقات أوامر الدفاع.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى