اراء و مقالاتمقالات وآراء

الدينار في يد المواطن أم الحكومة؟ سؤال أردني سياسي بامتياز بعد أزمة سيولة وحيتان ضرائب

 

 

وعد رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز الأردنيين بـ»انفراج وشيك» مباشرة بعدما أبلغ العاهل الملك عبد الله الثاني، وسط رجال المؤسسة العسكرية، بأن الأيام المقبلة على الوطن ستكون الأفضل بإذن الله.
على الصعيد الحكومي، ترافقت خطوة الرزاز مع إجراءات يفترض أن تتخذها الحكومة اعتباراً من بداية الأسبوع الجديد على صعيد التخفيف من بيروقراطيات الحظر الصحي والعودة عن الإغلاق واستئناف العمل في القطاعات الإنتاجية. ما عكسه الرزاز هو ميل مفاجئ للأصوات التي ارتفعت تحذر من نقص حاد ومقلق في عوائد الضريبة ودخول الحكومة في حال الاستمرار بالحظر بالوتيرة التي يسجلها وزير الصحة الدكتور سعد جابر الذي اختفى بدوره لثلاثة أيام عن دائرة الأضواء.

في خلف الستارة وفي مجلس الوزراء بدأ ضجر الطاقم الاقتصادي بصورة حصرية وسط مؤشرات قلقة على أن الحكومة، ولتعويض المزيد من عجز الميزانية، قد تضطر إلى المزيد من الاقتراض لإدامة نطاق الخدمات والرواتب بعد انخفاض، جراء الحظر والإغلاق، في عوائد الخزينة، خصوصاً من بندي الضريبة والرسوم والجمارك.
وقفت بشرى الرئيس الرزاز دون مرافقتها بتأكيدات «طبية وفيروسية» إلى جانب رقم مثير للقلق يدل على حجم ومستوى خسائر القطاع التجاري والاقتصادي بعد أزمة كورونا، حيث نحو 562 مليون دينار على الأقل قيمة «أرصدة الشيكات» المسجلة بل رصيد عن ثلاثة أشهر، هي: آذار، ونيسان، وأيار.
وهي قيمة لها علاقة، حسب خبراء تحدثت معهم «القدس العربي»، بالشيكات البنكية التي ختمت دون رصيد ولا تشمل اتفاقيات التأجيل المبرمة بين التجار والشركات والبنوك من جهة، أو بين رموز القطاع التجاري فيما بينهم. وذلك «رقم حساس» وينبغي أن يقرأ، برأي رئيس غرفة تجارة عمان العاصمة خليل الحاج توفيق، الذي يصر على تسليط الضوء على تعامل جدي مع خسائر ومشكلات القطاع التجاري بعدما صبر واحتمل في الأزمة الوطنية وقام بواجبه. الأهم حتى بالتقدير السياسي وليس المصرفي فقط، بأن الرقم المشار إليه يعكس «أزمة السيولة» ويعيد إنتاج القاعدة الأساسية التي تحدث عنها رئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي عندما صرح علناً بأن «الدينار بيد المواطن أفضل منه بيد الحكومة».
ما يريده الرفاعي، وقد استمعت له «القدس العربي» مرتين في الشرح، تداخلات سريعة وفعالة لاحتواء مشكلة «السيولة» على أساس المسؤولية الجماعية، وعلى أساس أن السيولة بيد الناس تنعكس بالنتيجة على تنشيط الدورة الاقتصادية، وبالتالي العوائد على الخزينة في المقابل.
لا يبدو أن طاقم الرزاز مستعد فعلاً للإصغاء إلى زحام النصائح التي توجه إليه وسط إحجام الحكومة عن الاستماع لأصحاب الخبرة ووجهات النظر والشركاء في كل المعطيات.
يدعم الجهد الحصيف للبنك المركزي عملياً التحريك المالي، والقطاعات المتضررة قد تكون في الماضي وقبل أزمة كورونا هي الأكثر نشاطاً في مجال تداول المال وتحريك السوق، وإن كانت البنوك لا تبدو متحمسة لتنفيذ خيارات البنك المركزي بخصوص التوسع في الإقراض بنسبة فائدة صغيرة لتحريك السوق، وخصوصاً للمقترضين من الطبقات الوسطى والدنيا في الأعمال.
وعليه، تصبح مفارقات الأرقام في عمق أزمة السيولة النقدية ملفاً سياسياً بامتياز، ويحتاج إلى قرارات تحريك مناسبة وملائمة ضمن صياغات أوامر الدفاع، خصوصاً أن التعديلات على أمر الدفاع المتعلق بسوق العمل «أضرت» وأربكت طرفي المعادلة من العمال وأرباب العمل. وبعيداً عن أزمة السيولة وأرقام الشيكات البنكية الراجعة، يمكن تلمس اتجاه الحكومة المقرر بصعوبة الاحتفاظ بسياسات التشدد بالحظر العام والإغلاق لأسباب طبية في اتجاه برز خلال الساعات القليلة الماضية، ويبدو أن له علاقة بشعور حكومة الرزاز بأنها تجنبت خيار «التغيير الوزاري».
وهنا تحديداً قد تعيق «أزمة السيولة والشيكات» برنامج «العودة للحياة الطبيعية» ضمن فئات «الاقتصاد غير المنظم». لكن القرار واضح بخصوص العودة وتخفيف إجراءات الحظر، حيث فرص ضيقة جداً للبقاء في المنظور الوقائي الوبائي الحالي بسبب تراكم الخسائر الاقتصادية والمالية والركود العام ونتائج الاقتطاعات على الرواتب والمكافآت، بالرغم من «إنتاجية» الإغلاق أمنياً وسياسياً في بعض المحطات.
وعليه، تترك الحكومة التردد قليلاً وإلى حد ما، لكن بتحفظ شديد وبتوقعات متباينة نسبياً، وبسيناريو يعتمد على صلابة الدولة في مواجهة أزمة كورونا في بداياتها. وتريد الحكومة من الرأي العام أن يشعر بأن عودة «صلاة الجمعة» مثلاً بحد ذاتها إنجاز، وكذلك إلغاء آلية الفردي والزوجي في استعمال السيارات، والسماح لجميع محطات الوقود بالعمل، وقرب السماح الأسبوع المقبل للمطاعم وصالات الرياضة والمرافق السياحية بالعودة للنشاط دون -طبعاً- التفريط بمتطلبات «الأمن الوبائي».
لكن يبدو أن أي خطوات محتملة في المسار قد لا تكفي لاستئناف ضخ المال في سجلات الضرائب ونفقات الحكومة، الأمر يبرر ما يمكن اعتباره بداية لفتح ملف شائك باسم وعنوان «التهرب الضريبي»، بالتوازي مع توجيه رسائل لمن يحولون المال بكميات كبيرة للخارج من حيتان القطاعات الاقتصادية والسوق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى