اراء و مقالاتمقالات وآراء

«الضم»… لماذا لا يسمح للشارع الأردني بـ«التظاهر»؟

على مؤسسة القرار أن تتجرأ وتستثمر في أوراق الشارع الأردني وقواه الحية المنتظمة في مواجهة عدو بدأ يعبث بصحن المملكة

 

ما الذي تعنيه عبارة مثل «الوقوف خلف المسيرة والقيادة» عندما يتعلق الأمر بأفضل موقف عربي وإسلامي على الإطلاق في مواجهة مشروع الضم الإسرائيلي؟.
لا أحد عمليا يمكنه المزاودة على موقف القيادة الأردنية العلني ليس فقط في رفض مشروع الضم اليميني الاستيطاني الإحلالي الإسرائيلي للضفة الغربية والأغوار. ولكن أيضا على إعلان التصدي لهذا المشروع الذي قال ملك الأردن بوضوح بأنه قد يؤدي إلى صراع ووصفه وزير الخارجية بأنه كارثة على المنطقة.
نفهم طبعا أن التصدي له موازين وتواقيت وآليات وتكتيكات مناسبة. ونفهم بالتأكيد بأن حماية الضفة الغربية من مشروع الضم وآثاره الخطيرة في تصفية القضية الفلسطينية لا يعني بأي حال ولا ينبغي أن يعني التفريط وبأي شكل بأصغر عنصر من عناصر الأمن والاستقرار في الأردن وعلى الضفة الشرقية لنهره العظيم.
لا يستفيد الشعب الفلسطيني إطلاقا من أي عبث أو تسمين أو تلويث في الوطن الأردني حتى وإن كان الهتاف والشعار يريد التنديد بالعدو أو يخطط للتضامن مع فلسطين وشعبها.
ليس سرا أن الموقف الرسمي الأردني من مشروع الضم متقدم جدا. لكن ليس سرا بالمقابل بأن البعد الإحلالي في مشروع الضم الإسرائيلي الاستعماري يشكل خطرا على الجغرافيا والتاريخ شرقي نهر الأردن.
ونتفق مع شخصية وازنة مثل السيد طاهر المصري عندما تقول إن مشروع الضم لا يهدف فقط لإخضاع فلسطين المحتلة أصلا ولا تصفية قضيتها بل يسعى للتحكم والسيطرة والنفوذ على مكة وأبو ظبي والدوحة والمنامة وبغداد والقاهرة ودمشق.
شخصيا وأقولها بصراحة أقلقتني بعض المؤشرات والتي توحي بأن المؤسسات الحكومية والرسمية الأردنية لا تريد الاستثمار بعد في الأوراق الشعبية الرابحة التي يمكن استعمالها واستخدامها في إيصال رسالة للكون تقول بأن الأردن قيادة وشعبا معا في نفس الخندق وبأن الأردن موحد تماما في الاتجاه المضاد لمشروع اليمين الإسرائيلي.

مقلق حصول تدخل رسمي أحيانا في بيانات أو عبارات هنا أو هناك تسعى لإظهار الموقف الجذري العميق للمؤسسات المدنية الأردنية ضد المشروع الإسرائيلي الخصم والمعادي. مقلق أكثر توجيه بعض الرسائل لأصحاب الصوت المرتفع تحت عنوان الحرص على منع أي عبث في الداخل الأردني لأن العبث نفسه غير مسموح ويقف ضده هنا أصغر مواطن أردني وفي مختلف شرائح ومكونات المجتمع وعلى أساس اليقين الراسخ بأن التشويش والشغب والإساءة في عمان لا يخدم قضية الشعب الفلسطيني لا بل يخدم العدو ومخططاته.
نتهم مع السلطة في عمان كل من يسعى لحرف البوصلة والمساس بالأمن الداخلي والوطني الأردني تحت شعار الوقوف ضد مشروع الضم ولا نقبل مع السلطة أيضا أي محاولة للتبرير أو الادعاء والزعم بأن الصخب الذي يهدد استقرار المجتمع الأردني هو الوسيلة المتاحة للوقوف ضد الضم. لكن ذلك لا يعني تجذير قيمة الاستغراب وعدم الفهم لبعض الخطوات الرسمية.
لا نفهم مثلا على أي أساس يطلب من أعضاء البرلمان تجنب عقد اجتماعات غير رسمية ضد مشروع الضم. لا نفهم أيضا لماذا لا يسمح للكتاب والأقلام المؤثرة بالتصعيد ضد العدو ومشاريعه.
ولا نفهم بالمقابل جدوى وانتاجية لتدخل في عبارات هنا أو هناك تحت ذريعة الأوضاع الصعبة التي لا تسمح بالتصعيد ضد عدو يتربص اليوم بالدولة الأردنية وليس بالأردنيين فقط.
المطلوب أكثر من واضح فالشعب الأردني راشد ومن يريدون التعبير عن قهرهم أو موقفهم في الشارع الأردني رسالته الأساسية التضامن مع الموقف الملكي المتقدم جدا والتعبير عن حالة وطنية تجتمع فيها الدولة مع الناس في رفض المشروع الخطير.
على المستوى التنفيذي في الحكومة أن يسمح للأردنيين بالوقوف خلف قيادتهم في عبارة وطنية شاملة ينبغي أن تستخدم فيها كل الأوراق وليس فقط تلك الدبلوماسية أو السياسية ودون ألا يعني ذلك في أي وقت وفي كل الحالات إحراق إطار في شارع أو كسر لمبة في عامود كهرباء في أي مخيم أو إعاقة حجر مستقر في البادية.
نتفهم الاعتبارات الصعبة وندعو الأردنيين للتعبير عن موقفهم بكل احترام للقانون وبدون أي مساس بمصالح الدولة والمجتمع. لكن على مؤسسة القرار أن تتجرأ ولو قليلا وتستثمر في أوراق الشارع الأردني وقواه الحية المنتظمة في مواجهة عدو بدأ يعبث بصحن المملكة وسيلجأ لكل تلك الأساليب الخبيثة التي تخيف الأردنيين وتحاول إرهاقهم على مدار سنوات بتفاوض يتفاوض على أشياء تم التفاوض عليها سابقا، وفي الأثناء خلق وقائع على الأرض، وفي الميدان تسمح بسيناريوهات إما تهجير الناس إلى الضفة الشرقية وبالتالي الوطن البديل أو بعطاءات تلزيم وتأزيم بالخيار الأردني في الضفة الغربية.
كلاهما خطر محدق. ويمكن للشارع أن يظهر أوراقه في التعبير وإعلان رفضه للضم بهدوء ولغة حضارية وبصورة منتظمة. الميل لقمع أو منع الاستثمار في ورقة الشارع غير مفهوم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى