اراء و مقالاتمقالات وآراء

الوضع البيئي في الأردن «تغير»: أزمة «حدود السعودية» تخلط أوراق طاقم الرزاز والحكومة «تنتقد نفسها»

رئيس الحكومة يستعيد المناورة وأربعة وزراء «في الميدان» صباحاً

 

من الحفر بمضمون وعمق التصريح يحتاج إلى تأمل. الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية الوزير أمجد عضايلة، يعيد إنتاج الوصف الذي استعمله وزير الصحة الدكتور سعد جابر عن أحداث مدينة المفرق وسائقي الشاحنات.
جابر تحدث عن «انتكاسه». والناطق باسم لجنة الأوبئة الدكتور نذير عبيدات، أعلن بأن الوضع الوبائي «تغير» بعد نحو تسعة أيام من «صفر إصابات».

لكن العضايلة قرر بدبلوماسيته المعهودة استعمال مفردة «خلل». ويظهر هنا فرق الخبرة البيروقراطية بين الوزيرين. لكن الأهم هو قدرة الحكومة بلسان ناطقها على الإقرار بـ»الخلل البيروقراطي».
شروحات الوزير عضايلة هنا «مهمة للغاية» سياسياً، فالرجل تحدث عن «كتاب» أرسله رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز لبناء أماكن لحجر السائقين على الحدود مع السعودية بتاريخ 22 من الشهر الحالي.
الرسالة السياسية فيما حصل لاحقاً لكتاب الرزاز لـ»الوزراء المعنيين» وهم، افتراضياً، هنا وزراء «النقل والداخلية والصحة والاشغال»، فحسب العضايلة كانت أولوية الكرفانات للطلبة العائدين وليس للحدود، ولاحقاً بدأت الإجراءات البيروقراطية.
بمعنى أعمق، الحكومة تتهم سياسياً هنا «الإجراءات البيروقراطية» التي تديرها هي في جملة مسيسة وجريئة من الوزير العضايلة من المرجح أنها تحظى بغطاء من «رئيس الوزراء».
صباح الاثنين شوهد الوزراء الأربعة المعنيون في الميدان وعلى الحدود للإسراع ببناء الكرافانات التي «غيرت الوضع الوبائي» عملياً. والثابت في هذه المساجلة الجريئة أن الناطق الرسمي عملياً يؤشر على حيثيات لها علاقة بـ»مسؤولية وزراء» عن «الخلل». وهي مسألة عملياً تعني تبرئة ساحة رئيس الوزراء الذي يصبح في النتيجة الرجل الذي قرر وأصدر كتاباً تأخر تنفيذه من جهة الوزراء فقط ولأسباب بيروقراطية. هذه جرعة إضافية وجديدة في الوسط السياسي بعنوان «الشفافية».
لكن الخلل الذي تؤشر عليه ضمنياً أكبر وأعمق من مجرد «تأخر إقامات كرافانات بعد أمر رئيس الحكومة»، وقد يصل في حالة الحفر أكثر إلى «وزراء لا يمتثلون بصورة كافية» أو حتى «لا يقومون بواجبهم كما ينبغي»، مما نتج عنه انتكاسة وزير الصحة وخلل الوزير العضايلة.
عملياً، لا يحصل مثل هذا المشهد مجاناً أو بدون خلفيات، خصوصاً أن الخطاب «التبريري» لا ولم يعد يصلح لإقناع الرأي العام، كما يرى وزير الإعلام الأسبق راكان المجالي، خصوصاً في إدارة قواعد اللعبة من جهة الرئيس الرزاز نفسه، حيث حديث عن «أخطاء بحسن نية» وعن صعوبة «إخراج وزراء اشتبكوا مع الأزمة والفيروس»، وحيث أزمة هي الأكبر التي تواجهها البلاد، حسب العضايلة، منذ نصف قرن.
أراد الرزاز عملياً أن لا يستجيب لضغط الرأي العام ليحدد مسؤولية وزراء على الأرجح ليس هو من اختارهم. وأراد إعلامياً على الأقل، وبوضوح، إظهار أنه يتحمل المسؤولية لكن بطريقته ولا يغرق بأي تصفية حسابات.
لكن هذه الطريقة قد لا تكون الأسلم خصوصاً مع كثرة المتربصين وسط النخبة وفي الشارع وفي أقنية الدولة بتجربة الحكومة ومشروع رئيسها حتى قبل إطلالة أزمة كورونا. الرزاز لا يريد الصدام مع أي جهة.
لكن توضيحات حكومته بخصوص حوادث إصابات الحدود مع السعودية وفي أزمة الكرافانات «مرنة ومسيسة» ولا تقفز لأكثر من مستوى تعجيل «تصويب الخطأ» دون ظهور أي مؤشر على «محاسبة أي مسؤول»، خصوصاً أن الدولة عانت مثل الناس من عودة الإصابات بالفيروس إلى معدلات أرهقت الشارع وهبطت بمعنويات الجميع. تلك وسيلة الرزاز أصلاً في الاشتباك مع يوميات التفاصيل. ولا يوجد دليل على أنها الوسيلة الأفضل مرحلياً، خصوصاً في مواجهة أزمة كورونا. لكن يوجد دليل بالمقابل على أنها الوسيلة التي مكنت الحكومة أصلاً من «النجاة» وسط الألغام طوال عامين.
الشروحات التي تقرب «خللاً» غامضاً تطال أيضاً «جهات أمنية» تدير اللوجستيات على الحدود، لكنها ليست مسؤولة إطلاقاً عن مراقبة أو مطاردة المصابين من السائقين أو غيرهم إلا بتوصية من اللجنة الوبائية التي لا يبدو بدورها أنها تحتفظ بمستويات «وئام مطلوبة» مع الوزير جابر في بعض الأحيان، والتي تشكلت لها -نقصد الوبائية- شخصية وطنية نافذة مستقلة بحكم مسار الأحداث.
ما خلف المشهد برمته على الأغلب شكوى بعض وزراء الرزاز من «تعدد المرجعيات وكثرة التداخلات»، وعلى الأرجح أن تعيد حادثة سائق الشاحنة الذي تسلل بغفلة بيروقراطية ونقل العدوى للعشرات «تمكين» الرزاز نفسه من العودة للسيطرة على السياق والإطار والمبادرة والمناورة.
ذلك، في الحالة المفهومة، لا يحصل في بلد كالأردن مجاناً أو فجأة وبدون أن يشتكي رئيس الحكومة نفسه من التزاحم في التفاصيل وينقل ما يشتكي منه طاقمه الذي يعتبر الآن أحد أجنحته عملياً مسؤولاً عن ذلك الخلل الذي يقر به الناطق الرسمي ويسميه بـ»البيروقراطي».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى