اراء و مقالاتمقالات وآراء

توليفة برلمان 2020 تثير تجاذباً مبكراً في «العمق الأردني» ودلالات حساسة للسعي نحو وجوه جديدة

 تكاثرت مقالات وآراء الإفتاء المدفوعة لوسائل إعلامية محلية من جهة مرشحين محتملين للانتخابات البرلمانية المقبلة.
فجأة، وعلى نحو خاص، يتحول مرشحون للانتخابات بالجملة إلى كتاب مقالات أو ناشطين في الحرص على مصلحة المجتمع، أو قادرين على الإفتاء السياسي بأثر رجعي وضمن خطاب شعبوي. يشمل ذلك طبعاً أعضاء في المجلس النيابي الحالي، ويشمل راغبين في المنافسة والحصول على مقعد، وعلى الأرجح يشمل أيضاً وزراء حاليين وطامحين بتشكيل تيارات برلمانية خارج قبة البرلمان على أمل وضع الماكياج السياسي اللازم شعبوياً ونظامياً لركوب موجة قوائم انتخابية تنتهي بتشكيل حكومة للأغلبية البرلمانية.

ثمة في الخريطة المحلية هنا متطلعون للاستقواء على الدولة بتيارات من رحمها، وثمة طامحون بفرض أنفسهم على الطاولة والمعادلات، وثمة من يتحركون في مراكز الثقل العشائري وواجهات الأطراف والمناطق باعتبارهم الحل الاقتراعي الوحيد للناس.

يرافق هؤلاء مرشحون محتملون للتيار الحزبي الوحيد الجاهز تقريباً للمشاركة في الانتخابات تحت يافطة الإصلاح الوطني، وهو التيار الإسلامي حصرياً الوحيد الذي يطرح بالعادة خطاباً وشعاراً سياسياً وليس خدماتياً.

وفي التوقعات المبكرة لتركيبة المرشحين للانتخابات، توقعت تقارير عميقة بأن يحاول العودة إلى الواجهة والصدارة نحو 60 % على الأقل من أعضاء البرلمان الحالي، وأن يكون عدد المرشحين الكلي بنسبة 20 % من شريحة نواب الماضي، وأن يعود نحو 15 % أيضاً من المرشحين للمشاركة بعدما خسروا فرصتهم في انتخابات عام 2016. تلك في الرقم والمضمون السياسي الرقمي توليفة تكوينية تعني بأن القوى الكلاسيكية التي تحتكر الانتخابات والبرلمان بالعادة ستبقى في مستوى الصدارة والسيطرة والتحكم

. ويعني أيضاً بأن مراكز الثقل العشائري، خصوصاً في الأطراف والمحاولات، ستبقى مؤثرة في المشهد، مع أن مرشحي الإجماع العشائري، في رأي الناشط السياسي الدكتور عبد الناصر الخصاونة، سيكونون -في حال إجراء الانتخابات بقانون القوائم الحالي- فعلاً الحلقة الأضعف دون بقية المرشحين.
يتحدث هو وغيره هذه المرة عن (صحوة الحشوات) على أساس صعوبة الاستعانة بمرشحين وظيفتهم خدمة مرشح مركزي في القوائم فقط، والمناخ اليوم يسمح بالبحث عن مرشحين دون إجماع عشائري ضمن تحالفات تكتيكية، لكن الإشارات مبكرة وحيوية على أن بؤرة المناورة تبقى في الهوامش المرتبطة في الثقل العشائري والجهوي، وإن كان القرار راغباً -وقد ظهر ذلك ملياً في دعوة الملك عبد الله العلنية- في رؤية عناصر شابة أكثر، تحصل على فرصتها في برلمان 2020. وما يزيد الأمر تعقيداً هو أن الحكومة الحالية راغبة في تثبيت برنامج يؤدي إلى أن لا يحل البرلمان، ويتم الاستلام والتسليم بين مجلسين.
النتيجة الحتمية لمثل هذا الاتجاه تعني وبوضوح أن تركيبة برلمان 2020 ستشبه البرلمان الذي انتهت ولايته، حيث لا نكهة لها علاقة بأي تغيير أو إصلاح، وحيث تعود غالبية من نفس الوجوه؛ لأن فرصة الحراك والمناولة في المجتمع وبين المؤسسات لن تكون منصفة في حال عدم حل البرلمان، ولا تشكل أساساً للعدالة بين جميع المرشحين، كما يقدر الناشط الإسلامي مروان الفاعوري. وما يشتم من كواليس الإدارة العميقة لملف الانتخابات حتى اللحظة هو تلك الإشارات إلى عدم الرضا عن الخارطة التي تتوقعها المؤسسات لتركيبة المجلس وفرص المرشحين التي لا تلبي حاجة ملحة للدولة في مرحلة إقليمية ودولية صعبة جداً ومعقدة.
في العمق، تريد بعض جهات القرار تركيبة فعالة ووجوهاً شابة فعالة تحصل على فرصتها بعيداً عن المال السياسي والمقاولات الانتخابية، وعلى إمل الإيحاء بأن المشهد الداخلي يتغير إيجابياً وينطوي على خطوات إصلاحية

.
لكن مثل هذا الهدف العميق والكبير لا يبدو ناجزاً في ظل قواعد اللعبة الكلاسيكية التي تعبث في الانتخابات بذريعة الخوف من الإسلاميين والليبراليين لصالح شريحة بنوعية محددة من أبناء ورموز الولاء، ودون تعريف لإنتاجية هذا الولاء، وبتفاعل بالنتيجة مع مستوى الحقوق المكتسبة التي عززت قوى بعض الوجود الكلاسيكية في لعبة البرلمان والانتخابات بعدما أصبحت في بعض الأحيان أقوى من خيارات الدولة، بحكم الواقع الموضوعي وتحالفاتها في المجتمع، وبحكم تعامل بعض المسؤولين مع بعض المرشحين باعتبارهم عابرين للمراحل ونافذين دوماً وناجحين وسيفوزون بالمقعد، بكل حال.

تلك بطبيعة الحال قراءات مسبقة عن ظروف وتعقيدات تحيط بالسؤال المطروح في عمق سيناريوهات القرار وبعنوان: ما هي ملامح تركيبة مجلس النواب المنشودة في صيف عام 2020؟ يتزاحم المئات على تلك الفرص التي تحاول الاستغلال في منسوب حاجة الدولة إلى أعضاء برلمان مطواعين ويمكن التفاهم معهم، لكنه زحام يؤذي الدولة اليوم والمرحلة، ولا يُقنع مرشحين مستقلين ومهنيين ووطنيين بوجود فرصة منصفة وعادلة لهم، ولا يساعد أيضاً في رفع نسبة الاقتراع.

توليفة وتركيبة برلمان الأردن عام 2020 تمثل التحدي الأكبر اليوم، وستكون عنواناً لكثير من الرسائل الجوهرية والعميقة، خصوصاً تلك التي تحاول الإجابة عن سؤال مركزي ومهم: هل الدولة قادرة على تجديد الأدوات وقابلة للتغيير الإصلاحي فعلاً؟

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى