اراء و مقالاتمقالات وآراء

جنرالات ووزراء معاً على الحدود الأردنية لاحتواء «الوجع السعودي- السوري»: متى جف الفيروس وهل مات؟

 

كبار الجنرالات الأمنيون والعسكريون معاً ويداً بيد، بمعية وزير الداخلية الأردني، على مركز حدود العمري، في زيارة ميدانية هذه المرة وتفقدية لها دلالاتها السياسية؛ تنفيذاً لأمر ملكي مباشر بمعالجة الثغرات التي تسلل منها فيروس كورونا مجدداً إلى الأردن. ومجدداً، يشغل الفيروس ليس الشارع الأردني فحسب، بل كل مفاصل وأجهزة الدولة.
وقد تكون من المرات النادرة التي رأى فيها الأردنيون قائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الدرك ونخبة من جنرالاتهم في إطار مجموعة عمل ميدانية على الأرض تحاول معالجة قصور وخطأ أو خلل أقرت به الحكومة علناً.
كانت تلك خطوة مهمة من الدولة العميقة لإظهار الجدية والالتزام بمضمون الرؤية الملكية. وكانت خطوة أيضاً عميقة سياسياً لأنها تساهم أولاً في الإقرار بحصول مؤشرات خلل على الحدود، وتظهر للأردنيين، ثانياً، ذلك الجانب السيادي الذي يفضلونه عندما تتعمق الأزمات وتتعقد المشكلات، عوضاً عن الغرق في اجتهادات الحكومة ووزراء الصدفة.
وفي كل حال، وزير الداخلية المخضرم والخبير سلامة حماد، أشرف على تلك الجولة التفقدية لمركز الحدود الملاصق للمملكة العربية السعودية. ومع وجود الجنرالات الكبار في الميدان، إلى جانب الوزير، يمكن القول بأن وزارة الداخلية – سياسياً وبيروقراطياً – لديها اليوم تصور كامل وتفصيلي عن ما حصل قبل عودة الفيروس من الخاصرة الرخوة، ولديها تصور عما ينبغي أن يحصل لاحقاً للمعالجة.

دون «مقصرين أو مهملين»: كورونا يخترق على أكتاف «سائقي الشاحنات» و«الإهمال»

تلك مرونة وطنية مطلوبة في الأزمات، برأي العديد من المراقبين، وأشار الوزير حماد، عندما استفسرت منه «القدس العربي «، إلى أن الإجراءات ستتخذ، والمسؤوليات واضحة، والعمل جار وبصرامة تحت عنوان الحفاظ على الصحة العامة للأردنيين.
فرح الأردنيون عموماً لرؤية نخبة الجنرالات في الجيش والمؤسسات الأمنية بمعية الحكومة في الميدان المباشر.
وعدا عن ذلك، لم تقدم بعد للرأي العام شروحات مفصلة بعد الإقرار بحصول خلل وتقصير، كما صرح الناطق باسم اللجنة الوبائية الوطنية الطبيب الدكتور نذير عبيدات، وكما ألمح الناطق الرسمي الوزير أمجد العضايلة.
ويبدو أن عدم تقديم شروحات أو تفصيلات مرده المألوف الكلاسيكي البيروقراطي الأردني الذي لا يفضل الحديث عن مشكلات الإدارة العامة، وإن كانت الإجراءات التي اتخذت فعالة وسريعة وبدأت قبل انضمام الجنرالات إلى الوزير حماد بزيارة تفقدية قام بها شخصياً للمركز الحدودي نفسه رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز، ما يعني شبه إجماع وسط نخب ودوائر قرار، وضمنياً على أن النسخة الثانية من الفيروس تسللت عبر نطاق خارج السيطرة الإدارية وحتى الصحية والأمنية من خواصر الحدود، وتحديداً من أكتافها شرقاً بجانب السعودية، وشمالاً بجوار سوريا.
اللافت في المسألة أن هذا الحجم من الإقرار البيروقراطي بالتقصير عولج بفعالية وسرعة، لكن دون ترسيم وتحديد المسؤوليات من قبل الرئيس الرزاز؛ حيث صدرت فقط قرارات إدارية بتعزيز الأمن وزيادة فرق الإشراف الصحي على الحدود، كما صدرت توجيهات بنقل الأطقم التي كانت تعمل عند حصول التقصير.
الجديد هنا أن الرزاز حصل على مساحة سياسية وبيروقراطية، وحتى سيادية أحياناً، لم يحصل عليها أي رئيس سابق لوزراء، في ملف الحدود وطبيعة الأطقم التي تديرها، وذلك طبعاً بموجب صلاحياته الاستثنائية التي يتيحها تفعيل قانون الدفاع.
دون ذلك، وحتى مساء الأحد، بقيت تهمة التقصير البيروقراطي بلا متهمين، وبقي ما يصفه الأردنيون على منصاتهم بـ «الإهمال» بلا مهملين، ضمن معطيات وترتيبات لا تسمح بالتلاوم والتوسع في تبادل المسؤولية، حرصاً على أولويات المعالجة والاحتواء.
في الأثناء، بدأ النظام الصحي يتعرض للإرهاق الشديد جراء تسلل الفيروس عبر الحدود التي أغلقت مؤقتاً مع سوريا ولاتزال عاملة مع السعودية.
وهو إرهاق أقر به مسؤول ملف كورونا في وزارة الصحة الطبيب عدنان إسحق، فيما كان الطبيب عبيدات قد صرح أصلاً بأن التسلل الفيروسي بعد إغلاق البلاد حصل من الحدود، وهي نظرية تقتنع بها السلطات، وعلى أساسها تحاول تفسير بعض الإصابات الغامضة.
وهنا تضمنت منظومة الخطوات نقل أطقم أمنية وأخرى إدارية، وتفعيل الرقابة الصحية على العاملين في جهاز الجمارك الذين أصيب عدد كبير منهم ثم نقلوا العدوى لغيرهم في المجتمع.
ويتردد في الكواليس أن الفيروس تسلل إلى بعض المصانع الكبيرة من فئة وشريحة سائقي الشاحنات، حيث أغلق أحد أضخم المصانع الغذائية في العاصمة عمان قبل خمسة أيام بعد الإعلان رسمياً عن نحو 18 إصابة بين العمال.
ومن الواضح أن عبور الشاحنات هو المشكلة التي تسبب صداعاً فيروسياً للحكومة والسلطات، والأوضح أن أسباباً مفهومة تمنع الحكومة من إعلان إغلاق الحدود مع السعودية، فيما يمكن ببساطة بين الحين والآخر إغلاقها مع سوريا، علماً بأن الرأي العام بدأ يضج بعدد الإصابات الكبيرة التي يتم الإعلان عنها وبعناوين تسأل علناً وزير الصحة الدكتور سعد جابر: متى جف الفيروس ومات؟
ملموس للمراقبين الإعلاميين والسياسيين أن الأجواء في خلايا إدارة الأزمة قلقة، وأن الحكومة مرتبكة إلى حد ما، وأن الارتجال يزيد خصوصاً بعد الإعلان عن طاقة استيعابية لا تزيد عن 900 إصابة في المستشفيات، وهو رقم مقلق إذا ما توسع الفحص للفيروس ونتج عن ذلك عشرات الإصابات.
وملموسة أيضاً جرأة الرزاز وطاقمه بشقيه، المخضرم والمبتدئ، بالإقرار علناً وفي سياق شعبوي أحياناً، بحصول الخلل والتقصير على الحدود دون أن ينتهي ذلك بأكثر من مناقلات بين الأطقم والموظفين، وملامح الارتباك مع بروز مؤشرات الإهمال تدل عليها تلك الخطابات لمسؤولي الصحة التي تحاول اتهام المجتمع بعدم التباعد، مع أن الفيروس تسلل مجدداً من منظومة الحدود. وتدل عليها أيضاً تلك الديناميكية التي قررتها الحكومة فجأة مساء السبت، بعد تسجيل 43 إصابة جديدة بتعديل المصفوفة المتعلقة بالانتقال إلى المنطقة الصفراء فيروسياً، التي تتضمن خطورة. وحصل ذلك بضغط شديد من الطاقم الاقتصادي تجنباً لإجراءات المصفوفة بنسختها القديمة التي يمكن أن تؤذي قطاعات اقتصادية وتجارية مترنحة أصلاً.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى