اراء و مقالات

سر الأردن «النووي»: كيف يتم تسعير الدواء؟

التوازن مطلوب بين مصالح الأغلبية ومصالح الأقلية، فمن حق المواطن توفير الدواء له وبسعر متزن ومعقول، ومن واجب الدولة والحكومة التدخل في مسألة أمن استراتيجي صحي من هذا النوع وضبط الأسعار

لا نعرف بعد لماذا تباع حبة دواء بنسختها المصرية للمواطن الأردني بعشرة قروش فقط فيما نفس الحبة التي تؤدي لنفس الغرض يشتريها الأردني من صيدلياته بدينارين وربع؟
طبعا نتحدث هنا عن حبة علاج مصرية يفضلها الأردنيون من كبار السن. المصاب الأردني بداء السكري يتلاعب بعلاجه أطباء التأمينات ويضطر للمقارنة بين سعر الدواء الموصوف بنسخته التركية وبين سعره بنسخته الأردنية، والحديث هنا عن نفس الوصفة والتركيبة لا بل نفس الشركة المنتجة بينما سعرها التركي 7 دنانير أردنية وسعرها الوطني يقترب من 40 دينارا.
بحكم الضائقة الاقتصادية وإخفاق الحكومة المزمن في برنامج الغطاء الطبي الشامل، وبحكم عدم وجود حبوب وأدوية أحيانا حتى لمراجعي القطاع العام من المواطنين، بدأ الأردني المسافر يحضر معه علبة دواء من تركيا أو مصر أو من دول الخليج بين الحين والآخر كهدية متواضعة جدا لوالده العجوز أو لحماته المريضة أو لجاره المحتاج.
قناعة قطاع واسع من الأردنيين راسخة ومستقرة بأن قرص الدواء هو الحل للمرض، والحكومة هي التي تقول إنها تعتمد معايير السوق الحرة، ولا تريد التدخل بتسعيرة وصفات الدواء والعلاج، لكنها بالمقابل لا تراقب الأسعار لا بل لا تشرح سبب ازدياد سعر علبة الدواء نفسه في دول مثل فرنسا أو الولايات المتحدة عن سعره المحلي بسبعة أو عشرة أضعاف. بالرغم من ذلك ومثلما يحرص الأردني الذي يعتمر ويحج على إحضار مسابح وسجادة صلاة، يميل المواطن الذي تكتب له أصلا فرصة السفر، وهم أقلية نادرة بالمناسبة، عندما يعود إلى حمل حفنة أقراص دواء، إما لأغراض شخصية أو عائلية وأحيانا إنسانية.
كميات هذا الصنف من الدواء الذي يدخل بهذه الصيغة في حقائب المسافرين لا تذكر إطلاقا قياسا بتلك الكميات التي تشتريها وزارة الصحة أو الخدمات العسكرية أو تبيعها الصيدليات المحلية.
رغم ذلك قرر موظف ما تحقيق العدالة والإنصاف لتجار الصيدليات الذين من حقهم طبعا محاربة أي صيغة تسمح بعبور علبة دواء من خارج صيدلياتهم، والمستفيد دوما كبرى مستودعات وتجار الأدوية.
وهؤلاء يقال من الخبراء إن أرباحهم قد تصل إلى 700 في المئة، وهي نسبة لا نعارضها لأن عوائد الضريبة تعود على الخزينة، لكن يوجد في الكرة الارضية شيء اسمه المسؤولية الاجتماعية.

التوازن مطلوب بين مصالح الأغلبية ومصالح الأقلية، فمن حق المواطن توفير الدواء له وبسعر متزن ومعقول، ومن واجب الدولة والحكومة التدخل في مسألة أمن استراتيجي صحي من هذا النوع وضبط الأسعار

وهي صيغة أقرب للزكاة، حيث مبالغ بسيطة يضعها لدعم الفقراء كبار الرابحين والتجار، لكن الانطباع يزيد في الأردن للأسف بأن كبار الرابحين والتجار والصناعيين والمستوردين والمصرفيين هم الذين يحكمون الأمور ويقررون الإجراءات، وليس الحكومة باعتبارها حلقة وسيطة تراعي مصالح الجميع. المسألة أقرب إلى مطحنة الآن. والمؤسسة التي تلاحق قرص دواء في حقيبة مسافر برأينا الشخصي، إما مفلسة بيروقراطيا أو أنها تبالغ وتفرط في الحماس لحماية بعض القطاعات على حساب المجتمع، إلى أن يتسنى لنا جميعا توفير ملاذ لحلول وسط، لأن الإصرار على إجراء يمنعني كمواطن من حمل علبة دواء في حقيبة سفري سيؤدي، والخبراء يعلمون بذلك جيدا، إلى توسيع وابتكار تقنيات تهريب أقراص الدواء لا بل المتاجرة في ذلك التهريب، وهو الأمر الذي لا يحصل حاليا.
الإجراء يبدو غريبا للغاية، ليس فقط لأنه من الصعب تنفيذه أصلا، ويخالف القانون المختص وفقا لما أكده خبير الدواء الأول في البيروقراط الأردني الدكتور هايل عبيدات.
ولكن لأنه إجراء ينتج جدلا وأزمة لا مبرر لهما في الواقع، فعدد الذين يتاح لهم السفر من الأردنيين أصلا قليل جدا، وأقراص الدواء التي يحملها هؤلاء نادرة جدا إذا فعلوا، والأهم لأن تسعيرة الدواء مثل فاتورة الكهرباء في المشهد الاجتماعي والسياسي الأردني فهي أقرب لسر ولغز نووي.
لا أحد يعلم أصلا على أي أساس يتم تسعير الدواء، وما هي كلفة إنتاجه، ولماذا لا تدعم الحكومة شعبها بإعفاء صناعات الأدوية من الضرائب. قطاع إنتاج الأدوية ناجح وبالتأكيد مهم ونحن نضم صوتنا لدعاة دعمه وتشجيعه.
لكن في الميزان التوازن مطلوب بين مصالح الأغلبية ومصالح الأقلية، فمن حق المواطن توفير الدواء له وبسعر متزن ومعقول، حتى لا يبحث عن بديل في مصر أو في تركيا أو غيرهما، ومن واجب الدولة والحكومة التدخل في مسألة أمن استراتيجي صحي من هذا النوع وضبط الأسعار أو على الأقل يشرح لنا فقط أصحاب الاختصاص أسباب فارق السعر المرعب للقرص نفسه وللدوائر المنتج نفسها وللشركة نفسها.
الذريعة التي تقال دوما هي تلك التي تشير إلى سوق ضيقة في الأردن واستهلاك محدود في المنطقة وعملية إنتاج مكلفة… حسنا فلتمنح الحكومة الشركات المعنية رخصة للالتحاق بشركات إقليمية أخرى في الجوار أكبر حتى يتقلص الفارق.
وحتى لا يبحث موظف الجمارك عن قرص دواء هنا أو هناك، ألقي وسط الملابس الداخلية لمسافر.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى