اراء و مقالات

صراع «صيني – أمريكي» تحت قبة برلمان الأردن وسباحة عكس تيار «الغاز الإسرائيلي» وسط «فائض كهرباء»

سجالات ومشاريع قوانين متعارضة وبنود «موازنة» مريبة

 

يعلم رئيس مجلس النواب الأردني عاطف طراونة، بأن توجيهاته بخصوص منح مشروع قانون إلغاء اتفاقيات الغاز مع إسرائيل «صفة الاستعجال» لا يعني – وفقاً للتقاليد التشريعية – بأن هذه الصياغة القانونية في طريقها للولادة بوقت مبكر.
تصمت حكومة الرئيس الدكتور عمر الرزاز تماماً وبصورة غير مفهومة وتثير الارتياب البرلماني والسياسي عن كل السجالات الاستعراضية التي تتحرش باتفاقية الغاز مع إسرائيل. وفي المقابل، تزيد معدلات الخطابة مايكروفونياً من النواب ضد تلك الاتفاقية.
وزادت مع نقاشات الميزانية المالية التي بدأت مؤخراً، حيث طالب النائب خالد رمضان أمس الأحد، بشطب البند المتعلق باتفاقية الغاز من مشروع الميزانية، وخطبت النائب وفاء بني مصطفى تحت القبة داعية مجدداً إلى ما أسمته بالوقف الفوري لهذه الاتفاقية. معنى ذلك أن الحكومة تتجاهل اتجاهات مجلس النواب وبوضوح. ومعناه أن النفقات المتعلقة بالبنية التحتية الخاصة بالواجب الأردني من اتفاقية الغاز تخطط الحكومة لشرعنته عبر النص على هذه النفقات في مشروع الميزانية المالية الخاضعة للنقاش الآن.
بمعنى أخير، عملياً وواقعياً وقانونياً.. تلتزم الحكومة باتفاقية الغاز بالرغم من كل مظاهر ومؤشرات الصياح والصراخ والاعتراض من أعضاء مجلس النواب في دورتهم الأخيرة. وفي إطار الطرافة التشريعية السياسية، يضطر النواب للتعامل مع بند في مشروع الميزانية يعتمد مخصصات مالية للمشروع المثير للجدل، رغم أنهم وقعوا مذكرة تقترح إصدار قانون يحمي الوطن ويلغي اتفاقية الغاز التي وصفها الطراونة بأنها سقطت شرعياً وشعبياً.

قد لا يفيد توجيه طراونة لرئيس اللجنة القانونية النائب عبد المنعم العودات، بخصوص منح الملف صفة الاستعجال؛ لأن آلية وعمل وإنجاز مشروع القانون الجديد الذي ينقض على الاتفاقية ويلغيها تحتاج إلى سلسلة معقدة من الخطوات الدستورية، وإلى وقت إضافي قد لا يسعف من يحاولون عرقلتها.
اعتصم نشطاء، أمس الأحد، أمام البرلمان للتضامن مع إلغاء الاتفاقية، لكن نقيب المهندسين أحمد الزعبي لا يزال يحاول تذكير الجميع بأن عطاءات حفريات أنبوب نقل الغاز الإسرائيلي متواصلة، وهو أمر يتعامل مع الواقع ويحتاج إلى تخصيص النفقات لهذه الحفريات في الميزانية المالية المنظورة الآن.
إذا مرت الميزانية ببندها المتعلق بمخصصات مشروع الغاز الإسرائيلي يصبح الكلام التشريعي والبرلماني عن إلغاء الاتفاقية مجرد استعراض مايكروفوني لتسجيل موقف أكثر من كونه خطوات فعلية تضغط على الحكومة وتقوض المشروع.
ثمة وقائع سياسية وقانونية وقضائية تحيط بالاتفاقية.. هذا ما يقوله وزير البرلمان موسى المعايطة ومعه وزيرة الطاقة هالة زواتي، للنواب المتحمسين خلف الستارة وكواليس المشاورات.
ومثل هذا الخطاب يؤشر إلى أن الحكومة لا تعارض ضجيجاً شعبوياً، فيما تتخذ الخطوات الواقعية على الأرض لصالح إنجاز المشروع وتمكين الإسرائيليين من السيطرة، كما يقول القطب البرلماني صالح العرموطي، على ملف الطاقة الاستراتيجي. يحصل ذلك فيما تتجاهل الحكومة ما سبق أن تعهد به رئيسها الدكتور الرزاز بعنوان مراجعة الاتفاقية وشروطها الجزائية.
ويحصل فيما تتحول أسئلة دستورية عن المشروع المريب تقدم بها النائب المخضرم خليل عطية إلى استجواب دستوري. الأهم أن الاتفاقية المثيرة باقية بالمعنى السياسي والقانوني، بالرغم من كل مظاهر الإثارة المهتمة بالكشف عن هوية شركة وسيطة غامضة أشرفت على توقيع العقد المناكف للاتجاه الشعبي، فيما رئيس لجنة الطاقة البرلمانية جمال قموة، وبعد أكثر من عامين على الإثارة، يسجل مفاجأته الجديدة وهو يعلن بأن ممثلي الأمة ليس لديهم نسخة مترجمة وموقعة من تلك الاتفاقية، مطالباً الحكومة بإرسال النسخة.
عملياً، يخطب النواب ضد اتفاقية غاز، ويؤسسون لمشروع قانون يلغيها، وهم لا يملكون نسخة «أصولية» منها. تلك طبعاً واحدة من مفارقات الضجيج والصخب البرلماني المألوفة عشية انتخابات قد تنتهي بحل البرلمان ورحيل الحكومة في وقت مباغت للجميع.
في الهامش، ثمة لوبي يضغط على الحكومة والسلطة، وله على الأرجح مساندون برلمانيون باسم مشروع «الصخر الزيتي»، وهو مشروع سيخرج عن السكة تماماً بسبب اتفاقية الغاز، ودفع من أجله الكثير من المالي، والجانب السياسي الحساس في منطوقه هو أنه أول مشروع ضخم لإنتاج الطاقة من الصخر الزيتي بـ»مظلة صينية» وشراكة استثمارية تركية، فيما مظلة اتفاقية الغاز أمريكية وإسرائيلية في مؤشر إلى ما هو أبعد من مسألة «الكرامة الوطنية» التي يتحدث عنها العرموطي. وذلك جانب لا تتحدث عنه النقاشات البرلمانية.
لكن الإثارة تبلغ مداها، والقوم يتجادلون ويتصارعون تحت عنوان الطاقة وإنتاجها من الغاز أو الصخر الزيتي أو غيرهما، في بلد أوقف تراخيص إنتاج الكهرباء من الرياح والشمس بسبب العجز الفني والتقني عن تخزين هذه الكهرباء رخيصة الكلفة، خصوصاً أن الأردن فيه اليوم فائض من إنتاج الكهرباء لا يستطيع تصديره ولا حتى تخزينه، مع أن مبرر توقيع اتفاقية الغاز الإسرائيلي أصلاً كان الحرص على إدامة إنتاج الطاقة الكهربائية بواسطة الغاز وتجنب كمائن تفجيرات الإرهاب لأنبوب نقل الغاز المصري إلى الأردن.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى