اراء و مقالات

في الجيو سياسي «الصداع مستمر»: «الخاصرة السورية» توجع الأردن مجدداً… والاحتواء بـ«تغيير قواعد الاشتباك»

عمان – «القدس العربي» : الأحداث الأمنية الأخيرة التي لفتت نظر الرأي العام الأردني ومعه السوري ووسائل الإعلام على خاصرة الحدود الشمالية الشرقية مع سوريا، تثبت مجدداً – وفي رأي كثير من السياسيين والمسؤولين – الحاجة الملحة إلى تقنية وتطوير مفهوم «الأمن القومي الأردني».
بعيداً عن الجدل الدستوري والسياسي المحلي تحت عنوان الوظيفة ودور مجلس الأمن الجديد واستمرار النزيف ومتطلبات واحتياجات الجاهزية التامة على الحدود مع سوريا تحديداً، وانطلاقاً من تدوير الزوايا في قوائم المشهد الإقليمي، يمكن القول بأن التضحيات التي أوجعت الأردنيين مع بداية الأسبوع الحالي وقدمها رجال القوات المسلحة وبكفاءة ومهنية عالية، تعيد تأطير متطلبات الاحتياج لفلسفة أمنية ديناميكية متطورة تقرر، بسبب العديد من الاعتبارات هذه المرة، أن تتخذ شكل دسترة مجلس الأمن القومي الجديد.
يمكن ببساطة رصد علمية التشبيك الذكية من الملخص المختصر والمفيد الذي تقدم به مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية كخلفية لتنظيم ندوة فكرية بعنوان التحديات والأولويات للدبلوماسية الأردني في عام 2022.

قراءة المشهد

مركز الدراسات المشار إليه قد يكون الوحيد في البلاد الذي يقرأ الصفحات في بعدها الاستراتيجي، ومعها التحولات الإقليمية، وفي خطاب التحضير للندوة الذي وصل لـ«القدس العربي» وسيتحدث فيها وزير الخارجية أيمن الصفدي كلمات وعبارات منتقاة وعميقة حول الجيو سياسي ودوره في معطيات الأمن القومي.
في تلك المقدمة التلخيصية، يشدد مركز الدراسات الاستراتيجية على وجود عوائق وتحديات كبيرة على الرغم من أن العلاقات الأردنية – السورية شهدت تطوراً وتحسناً نوعياً في الأشهر الأخيرة.
في مقدمة تلك التحديات، حسب التشخيص الأولي لخلفية الندوة، قانون قيصر والقيود الدولية على الانفتاح السياسي على النظام السوري، لكن يبقى -حسب النص نفسه- أن موضوع الأمن القومي الأردني والحدود الشمالية تحديداً يمثل استحقاقاً مستمراً ما دام الحل السياسي في سوريا لم ينجز بعد.
تلك تبقى قناعة راسخة في ذهن الاستراتيجيين القلائل جداً، أو من تبقى منهم في مؤسسات القرار التنفيذي الأردنية.
وقوامها لا يتعلق فقط بالقيود التي يفرضها الأمريكيون أو غيرهم من الدول الغربية الصديقة على ماكينة الانفتاح السوري الأردني. لكن الأمر قد يتعدى في اتجاه جاهزية العقل في الدولة العميقة الأردنية لقناعة دوماً بأن استعصاء الحل السياسي الشامل في الملف السوري يبقي أموراً كثيرة معلقة، ويفرض صنفاً من التحديات الأمنية على الحدود الأردنية السورية، الأمر الذي أثبتته معطيات الاشتباك الأخير مع عصابات التهريب السورية المسلحة والخشنة، وأحياناً الإجرامية، التي يتصدى لها الجيش الأردني بصفة يومية.
أثبتت الأحداث الأخيرة على الحدود الشرقية الشمالية مع سوريا تلك النظرية والقناعة بأن استعصاء الحل السياسي للأزمة حتى مع مظاهر الاسترخاء في مفاوضات الملف النووي الإيراني ستبقي الأوضاع الأمنية في مستوى عدم الاستقرار، خصوصاً بعدما ظهرت مؤشرات تكاسل المستوى السيادي في الدولة السورية أكثر من مرة عن واجبات حماية الحدود من الطرف الآخر، مما ينعش مقولة قديمة سمعتها «القدس العربي» عدة مرات، لعضو مجلس الأعيان حالياً الدكتور محمد المومني، وقوامها القناعة بأن الجيش العربي الأردني في الواقع الميداني يحرس حدود دولتين وفي الاتجاهين.
لذلك، قالها وزير الخارجية الصفدي، على هامش تواصل نقاشي مع «القدس العربي» عندما أكد بأن التوصل إلى تسوية سياسية للأزمة في سوريا بمثابة استراتيجية وقناعة لبلده.
وأشار إلى هامش نقاش مماثل حتى رئيس الوزراء الأردني الدكتور بشر الخصاونة، إلى أن الحل السياسي هو مفتاح الباب الأول دوماً في معالجة الأزمة عند الشقيق السوري، فيما يعلم الجميع بأن العملية برمتها تبدأ أو ينبغي أن تبدأ مع وقف المعاناة والنزيف الذي يدفع في اتجاه إما التوتر أو النزوح واللجوء.
في كل حال، مجدداً وعلى رأي رئيس مجلس النواب الأسبق سعد هايل السرور، في الحرب والسلم، في الأزمة ومعالجتها، وفي كل الأحوال، سيسهر الأردني لياليه الطويلة وهو يراقب ويتابع ويحمي ويشتبك مع احتياجات الأزمة السورية وتداعياتها.

إعاقة أمريكية

تدوير الزاوية الاستراتيجية في الأزمة السورية أردنياً بقي دوماً محطة أساسية، والتعقيد زاد عندما لاحظ الطاقم الوزاري الأردني ثلاث مرات على الأقل في النصف الثاني من العام 2021 بأن الإدارة الأمريكية تتدخل لتذكير عمان بقانون قيصر كلما تقرر الانفتاح أكثر على السوريين ومعهم.
وتتدخل الإدارة نفسها أيضاً، لا بل تدخلت وهي تلفت نظر الأردنيين قبل الاستنتاج الذي وصل إليه الجميع بعنوان يقول «إن تفويض الجانب الأردني ببعض العلاقات التجارية وتبادل الصادرات مع السوريين، لا يعني الانفتاح السياسي ولا العودة لأي شراكة ولا التصرف بحرية». وليس سراً أن قواعد العمل قيلت في اجتماعات استشارية وسيادية أردنية.
وليس سراً أن التحذيرات الأمريكية أعاقت العديد من الخطوات الانفتاحية الأردنية في اتجاه النظام السوري، مع أن الملاحظة كانت مبكرة بأن الحليف الإماراتي حصل على تفويض من نوع مختلف.
في كل حال، تشييع جنازة شهيدين من جنود قوات حرس الحدود الأردنية وتسجيل إصابات وجرحى بينهم، قرينة إضافية بالمعنى السياسي على أن تداعيات الأزمة السورية مستمرة التأثير، وعلى أن التضحيات الأردنية تزيد في هذا السياق رغم كل السياسات الحكيمة للقيادة وللمؤسستين العسكرية والأمنية في التجول بين الألغام السورية المفتوحة على كل الاحتمالات.
الأوضاع الأمنية توترت وسط تكاسل سيادي سوري في الخاصرة الشمالية الأردنية، ونطاقات الجماعات المتسللة تستثمر في بعض التواطؤ البيروقراطي السوري، ومسلحون سوريون من كل الأصناف يصرون على التسلل والاختراق بسبب انتعاش نشاطات التهريب والمخدرات، لا بل تجارة الأسلحة والبشر أحياناً، فيما تتصدى القوات المسلحة الأردنية وبكفاءة حتى الآن.
لكن عودة الصداع لبعض مناطق التماس الحدودي أمنياً يعني مجدداً بأن الأزمة لا تزال موجودة ويمكن أن تتطور. وفي العرف السيادي للدولة العميقة الأردنية، سيعني ذلك بالتأكيد تغيير وتطوير قواعد الاشتباك والعودة إلى مبادرات اشتباك ذاتية تحت عنوان الحق المشروع والواجب، مادام التنسيق الأمريكي والغربي مع الغرفة الأردنية تراجع إلى حد كبير. وهي بكل الأحوال مبادرات اشتباكية تعني الاستعداد إذا لم يتحرك المعنيون في الداخل السوري وغيرهم لتنفيذ الواجبات، حتى ولو احتاج الأمر إلى إطلالة ما على العمق السوري.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى