اراء و مقالاتمقالات وآراء

لا نريدها… «مواطنة» على طريقة «قرقاش»

يبدو تعليق الوزير الإماراتي أنور قرقاش على اجتماع شهد «ليونة مريبة» من جانب الحكومة الأردنية فيما سمي بلقاء عمان بحضور مصر ودول أوروبية، مثيرا للريبة والاستهجان.
كالعادة طبق الإعلام الأردني الرسمي رغم وضوح الرؤية والموقف المعلن، قاعدة «العرس عند الجيران» وكأن قرقاش ما غيره، رمز المرحلة والتطبيع الخليجي لم يقل شيئا.
رد قرقاش هنا على ليونة ومرونة اجتماع عمان بتغريده تحدثت عن «الواقعية» باعتبارها ملاذ النجاة للاستقرار في المنطقة وأنها في صلب الموقف الإماراتي.
لو كنت مكان وزير الخارجية الأردني لسألت زميلي قرقاش عن» قرقشاته» وفهمه بصورة تفصيلية لتلك الواقعية لأنها أردنيا قد تعني لاحقا خروج بلادي من معادلة القدس الجديدة وتدشين ميناء سفر في أبو ظبي لاستقطاب المسلمين الراغبين بزيارة المسجد الأقصى.
والواقعية هنا أشبه بحكم قراقوش لأنها ستعني أردنيا أيضا وقريبا جدا، تسمية أغوار الأردن وفلسطين حدودا لدولة وكيان الاحتلال.
ولن أستغرب إذا امتدت واقعية المتحمس قرقاش لاحقا إلى مساحات تضغط الأردن لتقديم تنازلات مقبلة لأن الواقعية مجددا تعني أن تتوقف عين العرب عن رصد حقوق الشعب الفلسطيني وأن يبادر الأردن ويناور في مساحة ضيقة على طريقة غلي وطهي الحصى ووسط حصار بدأ فعلا للممرات المائية الاقليمية في البحر الأحمر، عنوانه خنق العقبة، وسيتواصل مع وعود بعنوان عشرات آلاف من الوظائف للأردنيين في مدينة نيوم للأحلام وفي مشاريع سكة القطار والحديد للشحن الاقليمي وفي الربط بين ميناء أسدود المحتل لنقل غاز فلسطين المسروق إلى تبوك مثلا.
واقعية قرقاش التي يحتفي بها اليوم بعض الساسة الأردنيون باعتبارها منجزا ستقودنا كشعب أردني قريبا إلى منطق يتحدث عن النضال ضد مشروع الضم الإسرائيلي وموجة التطبيع الخليجي من داخلها هذه المرة فالسياق البراغماتي يتنامى وسط بعض نخب الواقع والواقعية القرقاشية.
لا أعرف سببا من أي نوع يدعوني لعدم القلق من تلك الواقعية التي يروجها ويسوق لها صاحبنا فتلاقي صدى في عمان عند بعض المرتجفين الداعين للاستسلام للموجة وركوبها اليوم إن تسنّى ذلك أو الانحناء في وجهها على أمل تحسين شروط التموقع والتفاوض من داخلها.
مشكلتي الوطنية الأردنية، مع ثقتي بعدم وجود من يستطيع أو يجيد ركوب الأمواج وسط النخبة السياسية المحلية، فأزمة الأدوات في الواقع الأردني أفقية وأبعدت أصحاب المهارة والخبرة وطبقة رجال الدولة وكبار اللاعبين لصالح مغامرين أشقياء قد يقبل بعضهم وللأسف الشديد لاحقا بوظائف صغيرة مع راكب الموج وطهاة الطبخة على هامش الحدث وليس في عمقه.
أسمع من نخبة عمان بصراحة هذه الأيام تعليقات مريبة. من بينها تلك التي تتحدث عن «الجلوس في الغرفة وليس على الطاولة «… ومن بينها تلك التي تقترح الاستثمار في فرصة قطار التطبيع الخليجي والتكييش النقدي وحل مشكلة الديون.

تحويل شعوب أهل المنطقة العربية تحت رافعة الواقعية تلك إلى مجرد كتل بشرية تقبل بالفتات على أساس الاسترخاء طويلا في أحلام الاستقرار بالشرق الأوسط

وسط حزمة اليأس والتي لا تناسب تراث الأردن والأردنيين نسمع من يعزف على ربابة الواقع المعقد والصعب ومن يحاول مشاركة قرقاش في «سهرة الوناسة» التطبيعية التي نتصور بشكل جذري أنها ستنتهي عاجلا أم آجلا بإخضاع المنامة وتل ابيب ومكة قبل نابلس والخليل وطولكرم وبتحويل شعوب أهل المنطقة العربية تحت رافعة الواقعية تلك إلى مجرد كتل بشرية تقبل بالفتات على أساس الاسترخاء طويلا في أحلام الاستقرار بالشرق الأوسط. ثمة نمو مريب بتلك الواقعية المأمولة.
والغريب أن الواقعيين الأوغاد سياسيا لا يتحدثون معنا عن جاهزيتهم لتحصيل مكتسبات تلك الواقعية ولا عن خططهم ولا حتى عن الحد الأدنى من حقوق الشعب الفلسطيني حتى يصبح لتلك الواقعية أساس وجوهر في المنطقة.
انه زمن قرقاش بامتياز.
ولدي شعور بأن صاحبنا قد يقترح قريبا ومن باب الواقعية تأطير الوحدة الوطنية الأردنية وقد يتحول إلى داعية تقترح تكريس المواطنة حول وفي محيط نهر الأردن حرصا على الاستقرار بصيغته الإسرائيلية، وقد نرى قريبا مؤسسات لا بل قد بدأت بعضها بالتمهيد لمشاريع تحت غطاء مدني وحقوقي تتغزل فجأة بوحدة الضفتين وتظهر التعاطف الشديد فجأة مع مكونات المجتمع الأردني التي تعرضت للإقصاء أو تشكو التهميش.
الحديث بهذه الملفات اليوم وفي هذا التوقيت وفي زمن قرقاش ليس أقل من «كلام باطل يراد به باطل».
نقولها بوضوح ودون مراوغة أو لف أو دوران فلسطين هي فلسطين والأردن سيبقى لأهله ولا مكان للاجتهاد هنا إلا في ذهن الأفكار المريبة فقط التي تخدم في النتيجة المشروع الإسرائيلي.
نحن كأردنيين يمكننا تأجيل الحديث عن أي حق منقوص أو زائد وعن تمثيل أفقي عادل وعن أي خلافات أو تجاذبات بيننا إلى وقت يسترخي فيه العباد وتنتعش البلاد. حتى هتافات الإصلاح المدني والسياسي والتمثيلي «مريبة» ومرفوضة الآن ويمكن تأجيلها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى