اراء و مقالاتمقالات وآراء

لماذا تحدث العاهل الأردني عن «صدام مع إسرائيل»؟.. نقاشات حادة في «ضم الأغوار» وما يفعله

«ما سيحصل لاحقاً مسؤوليتكم».. هذا ما قالته عمان لواشنطن

 

لا يريد الأردن إظهار «تهديد من أي نوع»، ليس فقط لأنه يعرف قدرات النظام الرسمي العربي وموازين القوى، ولكن لأن الفترة الرئاسية الحالية أو المتبقية في الإدارة الأمريكية «لعوب للغاية» ومن الصعب الرهان عليها، خصوصاً في ظروف التعاطي مع تداعيات فيروس كورونا.
الرهان في غرفة القرار الأردنية فقط على «مضي الوقت»، عندما يتعلق الأمر بالعلاقات السيئة مع إدارة الرئيس دونالد ترامب والتي انعكست تماماً على واقع عملية السلام، حيث يترقب الأردن الخطر الأكبر.. «ضم الضفة الغربية». كل المؤشرات المتجمعة في سياق متابعات ومعلومات وزير الخارجية أيمن الصفدي، تشير إلى أن فرصة استغلال بنيامين نتنياهو للأمر والعمل على «ضم الأغوار وأجزاء واسعة من الضفة الغربية» هي الأوسع من فرصة التأجيل. حتى في القصر الملكي وفي إدارة مكتب الملك عبد الله الثاني ثمة «فلتر دبلوماسي» مخضرم وخبير مثل الدكتور بشر الخصاونة، صاحب الخبرة العريضة في إدارة كواليس الاتصالات وفي الإسرائيليات والمصريات.
في مقايسات المطبخ الأردني الذي يتولى التنسيق في ملف صفقة القرن، فإن الخطر الأبرز في حال الضم هو «تقويض السلطة الفلسطينية» التي يبنغي أن تكون حذرة، وهو طبعاً أمر مرفوض تماماً لكنه لا يشكل خطراً مباشراً على الأردن بقدر خطورته على المنطقة وإسرائيل.

ما قالته عمان خلف الكواليس لجاريد كوشنر وطاقمه كان مباشراً وعلى النحو الآتي: عليكم الانتباه، لأن ضم الأغوار والضفة الغربية بخطوة أحادية إسرائيلية سيغير وقائع على الأرض وأنتم تتحملون المسؤولية.
«ما سيحصل لاحقاً مسؤوليتكم».. هذا ما قيل في وقت مبكر لكوشنر من جهة اجتماع أردني قبل اندلاع أزمة فيروس كورونا الكونية.
حاول الأمريكيون عن بعد معرفة مقاصد الأردن، لأن عملية تمرير تشجيع لنتنياهو كانت ترصد من جهة واشنطن على أساس أن الفرصة سانحة لإنتاج خطوة «الضم» حتى بدون عملية سلام وتفاوض.
لكن السؤال – في رأي الأردن – ما الذي سيحصل لاحقاً للضم ويخلط الأوراق ويستدعي التلويح به؟ فثمة ما يوحي عند محاولة تحصيل جواب بأن الأردن لديه ورقة يمكن أن يعرضها لإعاقة مشروع ضم الضفة الغربية، أو على الأقل عدم شرعنته.

هل يقصد الأردن الخيار العسكري؟

الملك عبد الله الثاني قالها بوضوح وفقاً لحديث نشرته صحيفة دير شبيغل الألمانية الشهيرة، الجمعة: لا أريد إطلاق تهديدات ولا مناخاً للمشاحنات.. لكن ضم الضفة يعني صداماً مع الأردن، ولدينا خيارات.
سبق للملك أن تحدث عن وجود الجيش العربي ووطن له كلمته، فمؤسسات العمق الأردنية خبيرة بإسرائيل ولا تعتقد بأن الإدارة اليمينية الإسرائيلية ينبغي أن يسمح لها بأن تفعل ما تريد وتهدد استقرار المنطقة، خصوصاً عند بروز أي محاولة لاستغلال ظروف ما بعد مرحلة فيروس كورونا.
الحديث في عمان غير مشغول بالضم، بل بتداعيات الضم، خصوصاً على صعيد «التهجير»، وسيكون تهجيراً زاحفاً وبطيئاً ولعوباً، برأي السياسي طاهر المصري، كما سمعته «القدس العربي»، وسيكون «اقتصادياً» أو لأسباب اقتصادية، برأي المفكر السياسي عدنان أبو عودة.
الانشغال هنا هو بانتقال السكان من الضفة الغربية بعد ضمها إلى شرقي نهر الأردن، وخلف ملف إنساني جديد يضغط على الأردن.
وهنا حتى وزير المالية محمد العسعس يبدو متمسكاً بأن بلاده قدمت للعالم إنسانياً أكثر بكثير مما قدمته عشرات الدول.
لكن الأمر قد لا يصل للتهجير القسري، وإن كان ضم الأغوار يستمر في تشكيل «حالة خصومة» تقلق الدولة الأردنية، حيث لا تتغير الوقائع فعلاً على الحدود، لأن إسرائيل أصلاً موجودة طوال الوقت وبعد اتفاقية أوسلو.
بالنسبة لقراءات «القدس العربي» يبدو واضحاً أن الاستراتيجية الأردنية منصبة على تذكير الأمريكيين والإسرائيليين، ولاحقاً الدول الأوروبية، بأن ضم الأغوار تحديداً سيؤدي إلى العبث بنصوص اتفاقية وادي عربة، ويعمل على تقويضها ضمنياً. وأرسلت عمان لكل الحلفاء تسأل: هل تريديون مساعدة إسرائيل في تأسيس عودة لتصنفيها كـ»عدو» للأردن بعد انتهاء صلاحية وادي عربة؟ طبعاً، لا أحد يريد ذلك.
في خضم المواجهة الدبلوماسية مع مشروع الضم إياه، أصدرت المحكمة الدستورية العليا الأردنية قراراً يقضي بإلزامية الدولة بأي معاهدة أو اتفاقية سلام موقعة سابقاً. اعتقد كثيرون أن المسألة لها علاقة باتفاقية الغاز الإسرائيلي فقط، لكن المحكمة العليا الأردنية قالت ما يريد أن يظهر به الوزير الصفدي، فالأردن رغم كل الاستفزازات الإسرائيلية لا يزال بهيئة الدولة التي «تلتزم بعهودها» وبالاتفاقيات الدولية.
قرار ضم الأغوار يمس مباشرة باتفاقية وادي عربة… هذه رسالة عمان، وعلى الأرجح «الصدام» الذي لمّح إليه الملك الأردني في حالة الضم معه ومع بلاده هنا.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى