اراء و مقالاتمقالات وآراء

«مقامرة» أردنية بامتياز: التفاوض مع «صندوق النقد» ضد «الجباية» و«التقافز» بين «المحاور» بنفس التوقيت

بين كناكريه والعسعس والصفدي الرزاز «يحاول»

 

لا أخبار مؤكدة بعد في الأردن عن نتائج جولة المفاوضات الجديدة والمهمة بين وفد وزاري وإدارة صندوق النقد الدولي على أسس الخطوة التالية من برنامج الإصلاح الاقتصادي وسط ضائقة مالية متفاقمة وحيرة على مستوى صناعة القرار الاقتصادي.

الأنباء من واشنطن قد لا تكون مبشرة جداً عندما يتعلق الأمر بمفاوضات يديرها وزير المالية عز الدين كناكريه بهدف استبدال اشتراطات التصعيد الضريبي والجباية بآليات جديدة تحظى بالشرعية من الصندوق تحت عنوان جذب الاستثمارات وتحفيز النمو الاقتصادي.

وهنا يبدو غياب صاحب برنامج الانتقال للنمو الاقتصادي بدلاً من الجباية وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور محمد العسعس غير مبرر حكومياً عن جولة المفاوضات الأخيرة والحالية في واشنطن مع أنه صاحب البصمة الأساسية في مشروع «وقف الجباية والتحول إلى النمو الاقتصادي» .

في الإصلاح الهيكلي سبق ان تحدث الوزير العسعس لـ «القدس العربي» عن الاستعداد لوصفة «وطنية خالصة» على أساس ان ما تقرره أو تقترحه المؤسسات الدولية المانحة «ليس قدراً» وعلى أساس أن حقوق الأردن شمولية في تقرير ما يراه مناسباً لمصالحه.

طبعاً لا يؤمن العسعس ولا رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بتحدي او استفزاز مؤسسات دولية مثل صندوق النقد الدولي او البنك الدولي والحكومة ستسعى لإقناع هذه المؤسسات بإخفاقات من الصعب تجاهلها لبرنامج التصعيد الضريبي وضرورة الانتقال لمنسوب التفاوض على استثمارات وإنتاج وظائف وبرنامج تشغيل وطني على اساس استقطاب استثمارات داخلية وخارجية ثم رفع نسبة النمو الاقتصادي كآلية لمعالجة ما يريده الصندوق الدولي بخصوص تخفيض عجز الميزانـية العامة للدولة.

تخفيض العجز بالنسبة للناطق الرسمي باسم الحكومة الوزيرة جمانة غنيمات من الاهداف المركزية الدائمة لكن الحكومة بدأت تسأل علناً وفي وقت مبكر عن كيفية قراءة تراجع العائدات الضريبية جراء خمول التداول في الأسواق بسبب رفع سقف الضرائب.

بهذا المعنى تحاول عمان هنا إقناع المؤسسات المانحة بأن النمو الاقتصادي هو الأساس وبأن «التصعيد الضريبي» المضاد لما يسميه الصندوق بـ»الكرم الضريبي» ثبت بالوجه القاطع أنه ليس السياسة المنتجة، الأمر الذي أعلنته الوزيرة غنيمات أصلاً في وقت سابق وناقشته لاحقا مع «القدس العربي».

في كل حال لم تعلن الحكومة الأردنية بعد انها تمكنت من»إقناع» الصندوق والمؤسسات الدولية المانحة وان كان الوزير العسعس ورغم احتجابه مؤخراً يؤشر على حيثيات رقمية وعلمية وبحثية تقول بالخلاصة الوطنية الأردنية بعد دراسة معمقة للتفاصيل والحيثيات تمت بالتوافق مع مستشار متخصص وعالمي وثقيل في جامعة هارفارد.

والإشكال في المقابل له بعد سياسي بامتياز لأن تحفيز ورفع نسبة النمو الاقتصادي حسب رئيس اللجنة المالية في البرلمان خالد بكار غير ممكن أصلاً بدون برنامج شمولي لجذب الاستثمارات. والأهم بإجماع المراقبين ان جذب الاستثمارات يتطلب أولاً بنية داخلية مختلفة تماماً وإصلاحات سياسية اعمق وهو ما يؤمن به الرئيس الرزاز ويحاول الرهان عليه وإقناع بقية مؤسسات القرار به.

وثانياً يتطلب وجود طاقم سياسي ودبلوماسي مفاوض وخبير يحاول العزف على أوتار «اللعبة الإقليمية» والعمل على إعادة إنتاج دور»المملكة» في خارطة العالم والإقليم وهو دور لا يقوم به حتى اللحظة إلا الملك عبدالله الثاني شخصياً وتغيب عنه منشغلة باليومي والمحلي الحكومة ولا تسنده وزارة الخارجية.

بمعنى آخر دوائر صناعة القرار الأردنية اليوم واثقة من أن الفرصة غير متاحة لجذب استثمارات بدون «تكييش سياسي» وهو العنصر الذي يعتقد انه يفسر «تقافز» الأردن بين «المحاور» والاجندات مؤخراً في المنطقة أملاً في البحث عن «غطاء سياسي» ومصالح استثمارية.

وهنا رصد المراقبون مؤخراً «خشونة أردنية» غير مبررة في الاعتراض على العملية العسكرية التركية الأخيرة في شمالي سوريا ورصدت كل المعطيات التي تحاول قراءة تحول دولة مثل ألمانيا مثلاً إلى «ثاني أكبر مهتم بمساعدة الأردن اقتصادياً وحتى عسكرياً».

كما رصدت قبل ذلك عملية الابتعاد عن محور السعودية – الامارات والاقتراب من محور قطر بالتوازي مع بوصلة «حذرة جداً» مع إيران والنظام السوري قبل العودة لخطاب تحريضي ضد الإخوان المسلمين وناقد لتركيا من أجل التقارب مع مصر والسعودية والإمارات

.
بمعنى آخر في الوقت الذي تهتم فيه الحكومة الأردنية بملاعبة صندوق النقد بوصفات جديدة تنقلب على «الجباية» لصالح «الاقناع بالنمو الاقتصادي» تظهر تلك «البهلوانيات الدبلوماسية» في التنقل والتقافز بين المحاور على أمل توفير مظلة تعيد إنتاج دور الأردن التفاوضي.

تلك تبدو الخطة الوحيدة الآن وأقرب لصيغة «مقامرة مع الجميع» في ظل انكشاف الأزمة المالية وانعكاساتها المحلية الصعبة بعد إضراب المعلمين وحركة المتقاعدين العسكريين ووجود تململ من أجل زيادة رواتب في قطاعات موظفي القطاع العام.

لكنها خطة طبعاً لا يمكنها أن تكون من مسؤولية وزراء تقنيين من وزن العسعس وكناكرية أو من يفاوضون البنك الدولي وإن كانت مهمة منسية أو متروكة بالنسبة لرئيس الحكومة ولوزير الخارجية ولغيرهما من كبار أركان الدولة وصناعة القرار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى