اراء و مقالاتمقالات وآراء

ملك الأردن يتحدث في «الهم الاقتصادي» وسط الجيش… ما هي الرسالة؟… عمان في «جولة» بين الأجندات والعواصم

ثلاثية الأزمة: «مالية» فقط وليست «اقتصادية أو نقدية»

 

العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني مجدداً في مشهد الأولويات وبحديث مباشر وصريح عن النمو الاقتصادي والشراكة بين القطاعين العام والخاص.
لكن هذه المرة ليس في مجلس الوزراء، كما حصل منذ أسبوعين، بل وسط القوات المسلحة وفي كلية الأركان وبين نخبة من كبار جنرالات الجيش والمختصين فيه وضيوف المؤسسة العسكرية أيضاً.
ما الذي يعنيه ذلك؟.. سؤال تجول وبقوة خلال الساعات القليلة الماضية بين جميع الخبراء وأفراد الطبقة السياسية، وسط تأكيد جديد على أن المرجعيات لا يشغلها في هذه المرحلة شيء أكثر من تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي في المملكة في عمق رؤية ملكية تؤمن بالشراكة بين القطاعين وبضرورة تسهيل كل العقبات أمام جذب الاستثمار. مبكراً وقبل بروز المشهد الملكي الجديد، وبلغته الحاسمة والدالة، كان وزير التخطيط والتعاون الدولي الدكتور محمد العسعس، وعلى هامش نقاش تفصيلي حول خطة الحكومة لتجاوز المأزق الاقتصادي الحالي مع «القدس العربي»، يتحدث عن ثلاثية «نمو اقتصادي وخلق وظائف وجذب الاستثمارات» مقابل الإقرار بسقوط سيناريو الجباية والتصعيد الضريبي.
حتى عندما يتعلق الأمر بزيادة ونمو الصادرات والزيادة الملحوظة في نمو القطاع السياحي تحديداً مع تحقيق فائض مالي منتج بعد مراجعة العديد من الاتفاقيات الدولية، يرى وزير شاب وديناميكي يتولى حقيبة الصناعة والتجارة وبنشاط ملحوظ من وزن الدكتور طارق الحموري، بأن أمام الجميع خيارين دوماً في المفارقة أو المقاربة ما بين الإيجابي والسلبي. وفي مقاربة الوزير الحموري، وعلى هامش نقاش مع «القدس العربي»، تبدو الحكومة واقعية عندما تتحدث عن وجود «أزمة مالية» وليس «أزمة اقتصادية أو نقدية».

تلك ثلاثية الوزير الحموري في التحليل الواقعي أيضاً، فالأردن -ورغم ضائقته المالية- يعيش حالة مستقرة في المجال النقدي، ووزير المالية الأسبق عمر ملحس، قال أمام «القدس العربي» على هامش غداء مع نخب سياسية، بأن الاستقرار النقدي وسلامة بنية الجهاز المصرفي الأردني من الإشارات التي لا يمكن تجاهلها عندما يتعلق الأمر بأي تقييم.
بمعنى آخر، حتى النخب الوزارية المعنية بالإدارة الاقتصادية تثق بتلك الإدارة الحصيفة للسياسة النقدية من جهة البنك المركزي الذي يديره مخضرم وخبير من وزن الدكتور زياد فريز. وعندما يتعلق الأمر ببعض المؤشرات الإيجابية للحراك الاقتصادي، ثمة تطور من الصعب إنكاره في القطاع الصناعي، وبالتالي في نمو الصادرات، حتى وإن تراجع قطاع الخدمات وظهرت ملياً للجميع طبعاً ملامح الركود التجاري.
الحديث عن هذه الفواصل مختص ويعني الخبراء الاقتصاديين فقط.
لكن الرسالة الملكية قوية أيضاً وجديدة في الواقع ونادرة الحصول عندما يصر الملك على النمو الاقتصادي وجذب الاستثمارات وإزالة المعيقات، حتى وهو يتحدث وسط العسكر والجيش؛ لأن مغامرين في الشارع كانوا يحاولون اللعب للتو بورقة المتقاعدين العسكريين وموظفي القطاع العام بعد إضراب المعلمين الشهير.
ما قاله الملك أمام الجيش، بعد تركيزه عليه أصلاً عدة مرات وعلناً، رسالة سياسية سيادية بالمعنى الإضافي، تهدف إلى لفت نظر الناس والرأي العام إلى شعور مؤسسة القرار مع نتائج وتداعيات الضائقة الاقتصادية وتوفير فرص التحفيز لزرع مزيد من الأمل، مع التلميح ضمناً وكماً يؤكد وزراء بارزون في الحكومة بأن الأزمة المالية في واقعها سياسي بامتياز.
بمعنى أنها قاهرة للظروف والاعتبارات، وأن لها علاقة ليس فقط بارتفاع كلفة وفاتورة الطاقة، ولا ترتبط بما يتردد عن مشكلات لها علاقة بالفساد والترهل وفوضى القطاع العام، بقدر ما لها علاقة جذرية وعميقة بتلك الصراعات العسكرية والأمنية والأجنداتية التي تحكم الظروف والاعتبارات في الإقليم. وهي صراعات عابرة للأردن وفوق إمكاناته، وتؤثر حتى في استقرار بوصلته وتحالفاته السياسية بين الحين والآخر، الأمر الذي يفسر عملياً وبكل الأحوال تلك المراوحة غير المفهومة للعامة للموقف الدبلوماسي والسياسي الأردني بين العواصم والأجندات والمحاور.
مجدداً، تحاول البوصلة الأردنية أن تجد ضالتها لتجاوز الأزمة الاقتصادية عبر ملامسة جميع العواصم وجميع المحاور بنفس الوقت، رغم أن تلك استراتيجية تشكل اليوم خياراً يتيماً ولم تخدم مصالح البلاد الاقتصادية في الماضي. بكل حال، حديث القائد الأعلى والملك، عبر مؤسسات الجيش، عن الهم الاقتصادي كان أقرب إلى خطوة «هز غربال» على أن تتحفز الحكومة؛ لأن المفارقة في هذا السياق التقطها مبكراً رئيس غرفة تجارة العاصمة عمان خليل الحاج توفيق وهو يعلن، عبر الإعلام الرسمي، بأن الملك يزرع الأمل، والحكومة لا تتخذ إجراءات، وتقلل من الروح المعنوية للجميع بذلك، مشيراً في الوقت ذاته إلى عبارة تقرع كالجرس وينبغي أن ينتبه لها الجميع، حيث طاقم وزاري يتولى الإدارة حتى في الحكومة الحالية وقبلها من الواضح أنه يعمل في الاتجاه المعاكس للرؤية الملكية.
في كل حال، وفي الخلاصة، ما يلمح إليه الحاج توفيق واحدة من أعقد «دراميات» الحالة البيروقراطية الأردنية، لكن حديث الملك وسط الجيش عن الملف الاقتصادي رسالة ينبغي أن تقرأها الدولة والحكومة على نحو مختلف.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى