اراء و مقالاتمقالات وآراء

«ملل وضجر» في الشارع الأردني من مباراة «أزمة المعلمين»: أخبار «سارة» وأخرى «مزعجة» والتلاميذ في مدارسهم

 

 صعب جداً حتى اللحظة على الأقل فهم وهضم مسوغات وموجبات التصعيد في الوقت الضائع لتلك المباراة المضجرة، التي نتج عنها ملل كبير في الشارع الأردني تحت عنوان التأزيم في الحراك التعليمي. والأصعب محاولة تتبع تلك الأوراق التي يقول نائب نقيب المعلمين ناصر نواصرة، إنه ورفاقه في مجلس النقابة يحتفظون بها بعيداً عن التصعيد الأكبر، وهو اللجوء إلى الإضراب.
تدخلت الأضواء الخضراء، وبحرص لا أحد يستطيع نكرانه طوال الأسبوعين الماضيين، في اتجاه التخفيف من الضغط الرسمي على النقابة والمعلم. أفرجت سلطات القضاء عن النواصرة ورفاقه في مجلس النقابة بعد 28 يوماً من التوقيف الذي حصل بقرارات إدارية في كل الأحوال لا يمكن إلا وصفها بالتعسف. لكن الإفراج كان رسالة في اتجاهين.
الأول يوحي بالانفراج قليلاً وبالرغبة من الدولة العميقة على الأقل بالتقدم خطوة كبيرة نحو التهدئة. والثانية تؤكد استقلالية السلطة القضائية التي وصل إليها ملف قضية النقابة فقررت الإفراج عن الموقوفين بعد انتهاء مدة توقيفهم القانونية.. هنا مكسب كبير عابر للمعلمين في المسار الوطني.
لاحقاً، برزت ملامح انفراج حقيقي؛ فقد تقصدت وزارة التربية والتعليم إظهار قدر كبير من المرونة في مسألة الالتزام بالدوام، وخرج النواصرة علناً يدفن خيار التصعيد بالإضراب الآن قبل أن تبرز خطوة الانفراج الأهم لاحقاً عبر إعلان الممثل القانوني للنقابة، التي تعتبرها سلطات النيابة الآن بحكم المجمدة، وهو المحامي ينال فريحات، ليزف الخبر السار الجديد، وهو الإفراج عن جميع الموقوفين من المعلمين وفي كل المحافظات.

وزير التربية مع الهيئات في المدارس بالكمامة وإغلاق مبكر لـ45 مدرسة

لا أحد عملياً يتوقع من المعلمين التنازل علناً وفوراً عن مطلبهم الأساسي في مسألة العلاوة والراتب بعد تلك الخطوات الانفراجية. لكن الجميع يتوقع منهم الانتقال إلى مستوى «رشدنة» الخطاب، والحديث عن الضغط بالتحاور مع الحكومة والحرص على اختفاء تلك العبارات التصعيدية الاستفزازية في البيان والتصريح. لكن ما حصل في وقت متأخر مساء الأحد، هو صدور بيان باسم المعلمين ينطوي على عبارات تصعيدية ويلوح تلويحاً بنفس لهجة التصعيد في المرات السابقة، رغم شرعية بعض المطالب، وعلى رأسها الإقرار الرسمي وفوراً وبدون نقاش أو تفاوض بشرعية نقابة المعلمين التي أغلقت أبوابها حقاً بقرارات تعسفية إدارية.
كانت الصفقة الضمنية والترتيب الإيحائي يقضيان بأن شرعية النقابة اليوم مسألة يقررها القضاء وليس القرار السياسي. وبالتالي، توقع الخبراء من نشطاء المعلمين وقادتهم بعد الإفراج عنهم الاتجاه وفوراً نحو الاشتباك مع المسألة بالاستعداد القانوني وبالتعامل مع سلطة القضاء ضمن ما يتيحه الدستور والقانون، وقد سبق أن أظهر القضاء استقلالية تامة لا تتأثر بالإجراء البيروقراطي أو الأمني أو السياسي حتى عندما يكون متعسفاً.
ضمنياً، تخدم أي عودة للتشدد في لهجة نشطاء المعلمين ذلك الجناح النافذ التأزيمي في أجهزة السلطة، والذي يميل بدوره لإخضاع المعلمين ونقابتهم تماماً وإلى الأبد وليس لمحاورتهم، مع أن سلسلة مبادرات توقفت مبكراً قبل صدور أضواء خضراء بالانفراج قليلاً. ومع أن السلطات العليا حرصت بدورها على توجيه رسائل ضمنية تقول بأن قصة التأثر بضغوط للدول وأجندات أخرى في مسألة المعلمين الأردنيين مفبركة ولا تزيد عن فرية ولا علاقة لها بالواقع، والأصل في العمل النقابي المنهجي المنظم أن تلتقط هذه الرسالة ويتم التسمك بها دون العودة إلى لغة التصعيد والبحث، كما يؤكد السياسي الناشط مروان الفاعوري عن التوافق والحوار العقلاني.
يحصل ذلك فيما يثور مجدداً نقاش مبالغ فيه حول رسالتين وجهتا للقصر في سياق الدعوة مجدداً لتعزيز الانفراج والتهدئة في الحراك التعليمي، وترك ملف النقابة للخيار القضائي، كما ورد في رسالة وقعتها 100 شخصية وطنية، قبل أن تثير رسالة أخرى غامضة قليلاً تجاذباً ونقاشاً في المنابر والمنصات.
بدأ العام الدراسي فعلاً أمس الثلاثاء، وذهب عشرات الآلاف من التلاميذ إلى المدارس في القطاعين العام والخاص، وشوهد وزير التربية والتعليم الدكتور تيسير النعيمي يتحدث لجميع أطراف العملية التعليمية، مرتدياً كمامته ومتحدثاً عن مرونة في الالتزام في الدوام، ومراعاة جميع الظروف عندما يتعلق الأمر بالحرص على الصحة العامة ومراقبة أي تطورات في الوضع الفيروسي.
شوهد في الميادين أيضاً وفي المدارس والصفوف، المعلمون مستعدين للقيام بواجبهم، فيما تم الإعلان من مساء الإثنين عن تعطيل 45 مدرسة على الأقل قبل دوام اليوم الأول، بعضها في العاصمة عمان، من باب الاحتياط الوقائي وحتى تقوم لجان الاستقصاء الوبائي بواجبها.
يحتاج المشهد إلى الابتعاد عن التشنج في التصريح من طرف المعلمين قبل الحكومة، ومن الطرفين معاً، حتى يمضي العام الدراسي ولو بالحد الأدنى من الكلفة الضائعة، وعودة أي طرف للتأزيم في الوقت الضائع يعني العودة بالضرورة ودون مبرر وطني ولا حتى منطقي إلى استئناف الأشواط الإضافية في مباراة لا معنى لها، تزيد من تعقيد مشهد معقد أصلاً.
المطلوب، بإجماع المراقبين والخبراء، مبادرة حوار داخلية يجلس فيها الوزير النعيمي وطاقمه مع المعلمين وممثليهم حتى تتفرغ بقية مؤسسات الدولة لواجبات أهم وأولى، وحتى تخف شكوك ومخاوف الأردنيين عندما يتعلق الأمر بذهاب أولادهم إلى المدارس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى