اراء و مقالاتمقالات وآراء

مليارات وهمية… هل يبيع الأردني «البلاطة»؟

لا أصدق شخصيا ما يقال لا في منابر المعارضة والحراك ولا في أوساط الهمس الحكومي عن الاقتصاد الأردني المخفي والسري وإن كنت أميل للإصغاء والتفاعل مع تلك الأصوات التي بدأت تحذر من أن خطط الحكومة في السياق المالي تأكيدا تستهدف ما بقي من حفنة دولارات ودنانير مع المواطنين.
صحيح أن الأردني بطبيعته وسلوكه ينفق خصوصا على المظاهر الاجتماعية البائسة أكثر من مستوى دخله. وصحيح أن التباهي بالإنفاق مع الالتحاق والاستدانة ثم التحول إلى الشكوى لاحقا ثم طلب المساعدة لكن من الأقارب والمحيط وليس في الشارع مسألة سلوكية اجتماعية تحتاج لنخبة من علماء الاجتماع حتى يتم تفكيكها.
لكن الصحيح أيضا ومن التواصل في الميدان مع الناس والقطاعات أن أزمة الفايروس كورونا الأخيرة وبعد إغلاق البلاد تماما لشهرين والقطاعات لستة أشهر على الأقل استنفدت الكثير مما يدّخره البسطاء والفقراء وأبناء الطبقات الوسطى.
وما تبقى لهؤلاء في حال بقاء الارتجال والعشوائية بالقرارات والإجراءات هو البلاطة نفسها دون أي مال تحتها أو تلك الوسادة الشهيرة التي يضع فيها أو تحتها الأردنيون بعض القروش أو الدنانير على قاعدة وقانون اخفاء القرش الأبيض لليوم الأسود.
يبدو أن اللغط كبير تحت عنوان وسادة وبلاطة الأردنيين. ويبدو أيضا أن الاسئلة تزيد عن مليارات وهمية يحتفظ بها الأردنيون خارج النطاق المصرفي والبنكي وينبغي أن تظهر بصرف النظر على السبب وبأي كلفة. تلك كذبة كبيرة لا يساندها الواقع الذي نلمسه يوميا مع الجمهور.
وهي كذبة تتسلى بها بعض أوساط المناكفة والحراك وبعض منابر المعارضة الخارجية من باب الشغب وترويج الشائعات فقط لمضايقة الحكومة والتشكيك بنواياها ولإنتاج انطباع بأن في جيوب الأردنيين وتحت بلاطهم ووسائدهم ملايين لا بل عشرات الملايين من الدنانير التي ينبغي أن تضخ في النشاط الاقتصادي.
طبعا يؤدي غياب سياسات الإفصاح الحكومي وندرة الشفافية إلى تسمين وتغذية تلك الفبركات.

أزمة الفايروس كورونا الأخيرة وبعد إغلاق البلاد تماما لشهرين والقطاعات لستة أشهر على الأقل استنفدت الكثير مما يدخره البسطاء والفقراء وأبناء الطبقات الوسطى

ومن المرجح أن بعض المظاهر التي لا تناسب الحالة الاقتصادية الأردنية المعلنة تساهم أيضا فلا أحد في المجتمع الدولي يمكنه أن يتفهم الخلفية التي تدفع موظفا عاما بصرف النظر عن أهمية موقعه إلى الإقامة فجأة في منزل قيمته أكثر من 10 ملايين دينار. ولا أحد يمكنه تفهم مبالغات المواطنين العاديين في مناسبات الأعراس والأفراح والأتراح ولا عدد السيارات بسبب عدم وجود نظام نقل داخل المدن. طوال عقود يتصرف الأردنيون حكومة وشعبا وكأنهم دولة نفطية على الأقل.
لكن في السنوات الأخيرة فقط صدم الجميع بالحقيقة حيث الدولة تريد أن تتحرك باتجاه الإنتاج وتوقف محطات دولة الرعاية ودون مرحلة انتقالية بين الجهتين وحيث الشعب لا يريد أن يفهم بأن الدنيا تغيرت وبأن التحول إلى الانتاجية فيه مصلحة له وبأن العلاقة الريعية مع الدولة تضر بالجميع وليست بديلا عن تشكيل وحدات اجتماعية نشطة من الطبقة الوسطى.
في الأثناء تثير بعض إجراءات الحكومة الارتياب وتخدم نظرية المؤامرة التي تزعم بأن المواطن الأردني يحتفظ بالكثير من المال خارج النظام.
الحكومة هنا لم تفسر بعد أسباب اصرارها على الحاق آلاف من طبقة العمال بالاشتراك القسري بالضمان الاجتماعي. والحكومة لا تقدم مساعدات حقيقية للفقراء وتبالغ في الأرقام وتعبث بها أحيانا في مرحلة الفايروس كورونا بالتزامن مع المبالغة في اتخاذ اجراءات تنتهي بأزمة نقدية وبإغلاق قطاعات تجارية واقتصادية تحرك الأسواق المحلية.
عدم تقديم شروحات للناس يوحي وبصيغة مريبة بأن الهدف قد يكون المساس بأموال العمال والضمان الاجتماعي وقد يكون لاحقا دفع الأردنيات لتسييل وإنفاق مدخراتهن من قطع الذهب الصغيرة وأموالهن القليلة تحت الوسادة أو البلاطة أو في الخزانة.
بقاء حفنة دنانير مع الأردني البسيط سواء كان عاملا أو موظفا خدمة للدولة لكنها خدمة تصبح ناضجة أكثر إذا كانت الدولة نفسها لديها خطة منطقية ومبرمجة لإعادة التوازن في حركة المال والنقل وهي مهمة تصبح أصعب بكثير مع توالي طرح أسئلة الفساد بدون تقديم إجابات مقنعة عليها.
الذين أعرفهم شخصيا من الأقارب والمجاورين تحملوا بصعوبة بالغة عبء الأشهر الستة الماضية وتقاسموا ما لديهم من أموال بائسة بعدما تخلت الحكومة عن معظمهم وبالغت في إجراءات الحظر والإغلاق وجاملت رأس المال والقطاع المصرفي على حساب الفقراء والطبقة الوسطى التي ذابت وتلاشت وسيتم الإجهاز على بقاياها إذا ما أصر المسؤولون والوزراء على سياسات الحظر والإغلاق سعيا للاستعراض مرة وتكريسا مرة أخرى لسياسات إفقار الناس وضم المزيد إلى صفوف الطبقات الفقيرة منهم.
أعرف بحكم العمل مئات العائلات والأشخاص ومن كل طبقات المجتمع الاقتصادية. هؤلاء أنفقوا القليل الذي يحتفظون به تحت البلاطة إلا إذا كان المطلوب من الأردني الفقير بيع البلاطة نفسها.. تلك قصة أخرى.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى