اراء و مقالاتمقالات وآراء

هل أفلحت نظرية «الفطام»؟… كورونا وصفقة القرن يلهبان نقاشات «الاقتصاد المسيّس» في الأردن

 

 

 قبل الوقوف على محطة التغيير الوزاري الأخير في الأردن، كان الوضع الاقتصادي معقداً للغاية، وفي الجزء المتعلق منه بالمسألة المالية تحديداً ثمة ما هو أعمق وأبعد من التعقيد، حيث لم تفلح خطابات «الفطام» التي بشر بها لأكثر من عامين رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز في تنميط استراتيجية بديلة.
لا يقف الأمر عند هذا الحد، فسلسلة الخطط والمشاريع الاقتصادية وطوال عامين وربع تقريباً، لم تفلح بتغيير المعادلة ولم تنتج البنية النظامية والتشريعية اللازمة لإعادة إنتاج المشهد بالاتجاه المعاكس للفطام. هنا يحب وزير المالية، الذي حاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه الدكتور محمد العسعس، التركيز على مفصلين في الإدارة الاقتصادية والمالية. الأول، التعاطي مع الواقع الرقمي كما هو تماماً بدون ماكياجات وادعاءات وبدون التوسع في التوقعات. والثاني يتمثل في البقاء ضمن المواصفة الوطنية في التعاطي مع الأهلية الدولية مالياً.

هل تستطيع الدولة التحول لما يعاكس «الرعوية»؟

دون ذلك، قالها العسعس لـ»القدس العربي» مرات عدة: من الصعب تحقيق إنجازات على الأرض، وستتكرس تلك الإنجازات على الورق. الخبراء في الإدارة المالية للدولة الأردنية خاضوا، بقسوة، تجربة مقولة الرزاز عن استعادة مال الدولة، وكل عمليات ونطاق عمليات التصعيد الضريبي انتهت باستعادة فعلية لجزء من أموال الخزينة، لكن دون السقف الذي توقعه الرأي العام، خصوصاً بعد مداهمات الضريبة الشهيرة وفتح تحقيقات أفقية بعدة ملفات تحت عنوان مكافحة الفساد.
تلك عملية، برأي الوزير والبرلماني السابق والمعارض الآن أحياناً أمجد المجالي، لا تعكس مكافحة الفساد فعلاً؛ لأنها انتقائية، والمطلوب معالجة وطنية وحقيقية لهذا الملف. لكن خبيراً استشارياً عمل في رئاسة الوزراء والديوان الملكي سابقاً مثل محمد الرواشدة، يصر على الحاجة إلى مقاربة وطنية علمية لا تتغافل عن الوقائع والحقائق، وتتميز بأنها أفقية وليست عامودية في الملف الاقتصادي، وتنطلق من رغبة حقيقية في الشراكة مع القطاع الخاص وتعمل على معالجة التحديات بكل صراحة وشفافية.
الرواشدة، مثل غيره من خبراء المال والأعمال، قلق من تداعيات خطيرة للفيروس كورونا، وحتى سياسياً لصفقة القرن، على الوضع الاقتصادي والمالي في الأردن. وهو قلق مشروع، كما تفهم «القدس العربي» من فرقاء متعددين في الخبرة الاقتصادية من المستحيل حسابهم على أي رغبة في المناكفة، وهم خارج حسابات الشغب والاعتراض بلا معنى.
في الدائرة الأقرب للوزير العسعس كانت خطة الاحتواء في موجة كورونا الأولى فعالة ومنتجة، وكانت الأجواء إيجابية مع الدول المانحة وصندوق النقد الدولي، وتمكن الاقتصاد الوطني من الصمود، وبدا صلباً رغم الخسائر على الخزينة ورغم ارتفاع معدلات فوائد الديون. لكن مع الموجة الثانية… الرسائل غامضة، والوضع يزداد سوءاً وتعقيداً، والاحتمالات ليست من النوع الذي يمكن كتمه، وفقاً للرواشدة المصر بدوره على أن نسبة البطالة ستكون مؤلمة والمطلوب جهد كبير وعملاق بمستوى الإشكال والتحدي، وفكرة جلب الاستثمار لا تزال تتعرض للإعاقة، وأزمة الأدوات والتخطيط الاستراتيجي العميق على المستوى التنفيذي لم يعد من الممكن نكرانها. وتكفي المقارنة في بعض الأجزاء الرقمية للإشارة إلى حجم المخاوف الاقتصادية المستقبلية في الأردن، فحكومة المصفوفات وتحسين أداء القطاع العام وشعارات النهضة وحماية الاقتصاد الوطني ارتفع العجز في ظلها -حسب أرقام غير رسمية بعد- بمقدار أربعة مليارات دولار على الأقل.
وحجم الاستثمارات لم يتجاوز بعد في العام الماضي نسبة 20 % من المهدور تحت بند الإعفاء الضريبي لخدمة مشاريع حصلت على تسهيلات وكرم ضريبي حاتمي لكي تسجل استثمارات بخمس قيمة ما حصلت عليه في وضع يقر فيه جميع الخبراء بأنه مختل للغاية لا بل مريض رقمياً.
وهو وضع يؤشر على عبثية التخطيط الاستراتيجي، ويكرس القناعة بأن الدولة لا تزال رعوية ولم تتخلص من ذلك، رغم كل الشعارات في الاتجاه المعاكس برفقة مفارقة غريبة إلى حد ما، قوامها تسهيلات ضريبية وغطاء رعوي لا يطال الشعب ولا المواطنين هذه المرة بقدر ما يطال نخبة صغيرة العدد من المستثمرين المفترضين.
المعنى أن الفقير في الأردن يخدم الغني. والمعنى أن العجز في ميزانية الدولة يقابل بسخاء لعدد محدود من الأشخاص النافذين، فيما يزداد الاحتقان في المجتمع وتتضاعف أرقام الفقر والبطالة، ويزيد السخط المعيشي، وتنمو الاعتراضات والحراكات، وفيما يزيد عدد الغاضبين أو الذين يكظمون غيظهم، على حد تعبير رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى