اراء و مقالاتمقالات وآراء

«حزورة» العلاقات بين عمان ودمشق: دبلوماسية «إعمل حالك ميت» تحكم

مداعبة وليد المعلم «يتيمة ومعزولة» والحديث مع موسكو وبرلين فقط

 

 التحية التي وجهها قبل أكثر من أسبوعين وزير الخارجية السوري وليد المعلم للأردن لا تزال «يتيمة» وغامضة الهدف والنتيجة. لكنها تحية دبلوماسية أقرب إلى رسالة أو دعوة للتقارب، بالحد الادنى.
والغريب أن عمان، سياسياً ودبلوماسياً، على الأقل، لم ترد على التحية لا بمثلها ولا بأكبر أو أقل منها، في الوقت الذي برز فيه الأسلوب الدمشقي المعتاد، حيث إلقاء تحية دون سبب واضح، وعدم توجيه مزيد من الرسائل بعدها. والمناسبة كانت تعبير شيخ الدبلوماسية السورية عن إشادة ما بدور الأردن ضمن الاستجابة أو ردة الفعل الأولى بعد عبور قانون قيصر الأمريكي الجديد. ترك الأمر بين العاصمتين للتكهن، والمسألة عند النقاش والتجاذب والاشتباك أصبحت أقرب إلى «حزورة سياسية» أعقبت حالة مستمرة من الصمت بين الجانبين طوال شهر رمضان الأخير وما أعقبه.
أراد الوزير المعلم أن يوحي، ضمنياً على الأرجح، بأن بلاده تتوقع أن لا يلتزم الجار الأردني بمقتضيات قانون القيصر الأمريكي، وبأن دمشق تتوقع من عمان بعد القانون الأمريكي اللجوء إلى نصوص المعاهدات الدولية التي تتيح لأي دولة حقوقاً وامتيازات، في ظل أي حصار، بحكم الجوار والتكاتف الحدودي على الأرض.
اجتهد وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، لتجاهل أي تعليق على تحية نظيره السوري المحنك، ولم يصدر عن وزير الصناعة والتجارة الأردني الدكتور طارق حموري ما يوحي بأن وزارته رفعت الحظر عن استيراد ما يقارب 2000 سلعة ومنتج من السوريين، وقد كان الحموري أبلغ «القدس العربي» مباشرة بأن قرار وزارته نتج من حماية مصالح المنتج الأردني فقط ودون سياسة أو تسييس.

مداعبة وليد المعلم «يتيمة ومعزولة» والحديث مع موسكو وبرلين فقط

تحدث الحموري عن أشياء محددة يعرف الجار السوري أنها مطلوبة، ورفع شعار الاستعداد لمراجعة قراره فنياً إذا عولجت أسباب القرار.
لكن الوزير المعلم لا يقول بأن بلاده عالجت ما يطالب به الوزير الحموري أصلاً حتى يوجه تحية عابرة لا يفهمها أحد أو لم يفهمها أحد بعد، وبصيغة أحالت علاقات اليوم بين عمان وبغداد إلى لغز يحتاج إلى التفكيك فعلاً. فأمس الأول، لم تسمح السلطات الأردنية لأكثر من 30 شاحنة سورية بالعبور بسبب مخالفة البروتوكول المتفق عليه.
لا جديد على الأرض بين الأردن وسورية في قطاعات الزراعة والتجارة وحتى الحدود، وتوقفت محاولة رعاية الأردن عن بعد لإرسال وفد يدعو الرئيس السوري بشار الأسد لفتح صفحة جديدة، وهي المحاولة التي تحدث عنها في وقتها لـ «القدس العربي» أيضاً رئيس الوزراء الأسبق طاهر المصري بعد مبادرة لم تكتمل لوزير الداخلية الأسبق سمير الحباشنة.
لا نشاط من أي نوع للمعارضة السورية في الأردن، ولا نشاط من أي نوع لمعسكر المؤامرة على سوريا من النشطاء الأردنيين.
بقيت، كما كانت فقط الاتصالات العسكرية الفنية، ولا تبادل لمعلومات أو استشارات ذات زخم أو قيمة عبر القنوات الأمنية، ولا حوادث توحي بأي صدام أو تعارض. بيانات صغيرة فقط من الجانب الأردني تصدر بين الحين والآخر وتتحدث عن منع عمليات تهريب أو تسلل، وهما أمران كانا يحصلان طوال عقود على الحدود بين البلدين. عمان لا تزال متشددة دبلوماسياً في التزام المعايير الأمريكية للتعاون مع النظام السوري.
وموقفها الرافض لمشروع الضم الإسرائيلي للأغوار والضفة الغربية بعد المباركة الأمريكية لضم الجولان هو وحده العنصر الذي يبدو أن الوزير المعلم حاول مداعبته أو مغازلته. دون ذلك، لا تسمية لسفير سوري في عمان ولا عودة للأردني إلى دمشق، والعلاقات بين الجارين -رغم زخم الدعوات في الأردن إلى الانفتاح السوري- أقرب إلى صيغة سمعتها «القدس العربي» من رئيس وزراء سابق يختصر المسألة بجملة واحدة ساخرة .. «اعمل حالك ميت».
ما يصل من رسائل بصورة قليلة جداً من أركان النظام السوري يؤشر على وقف كل عمليات الرد والانتقام والثأر والتباعد والجفاء والكراهية، على أساس التعامل بالتقسيط اليومي وبالقطعة مع الواقع المعيشي الصعب في الداخل السوري، والاستعداد للترحيب بأي نشاط حدودي مع الأردن مهما كان صغيراً.
تلك الرسائل تقول للأردنيين بوضوح : لا نريد منكم بعد الآن الانقلاب على مصالحكم وحساباتكم ولا التنقيب في ماضي الربيع العربي وكل المطلوب فتح الحدود قليلا وتستطيعون ذلك. وتلك طبعاً رسائل يتحمس لها أردنيون كثر يطالبون اليوم بخطاب مصالح لن يعترض عليه أحد في العالم، لأن قصة الاعتراض أقرب إلى فرية أو أكذوبة سياسية، فالأردن جار، وسوريا مهمة، ولديهما مصالح، وقد سمعت «القدس العربي» مثل هذا الرأي من سياسي ومثقف من وزن الدكتور طالب الرفاعي وحتى من الرئيس المصري وغيرهما.
في المقابل، وفي الاتجاه الدبلوماسي الأردني، لا رسائل رد ولا تعليق على المجريات لا سلباً ولا إيجاباً، بل تكريس فقط لجزئيتين في المشهد، الأولى بقاء وزارة الخارجية الأردنية طرفاً على بقايا طاولات حوار الائتلافات المعارضة السورية في الخارج، ودون أدنى إنتاجية لها علاقة بمصالح الأردن على الأقل فيما يتعلق بمصالح مشروحة. أما الجزئية الثانية فهي الإصرار على التحدث بالشأن والملف السوري عندما يتعلق الأمر بأي قضية مع روسيا فقط، ومؤخراً مع روسيا وألمانيا في بعض الأحيان.
الوضع في ملف العلاقات الأردنية – السورية اليوم برمته أصبح أقرب إلى حزيرة رمضان؛ فدون تلك التحية غير المفهومة التي صدرت عن وليد المعلم لا يوجد إلا تبادل كلمات مجاملة عن بعد وعبر شخصيات ثانوية في المشهد، يقول فيها كل طرف للآخر «لسنا ضدكم»، مع أن الأردن اليوم وفي ظل أزمته الاقتصادية والمالية الحادة، يحتاج إلى التواصل والحوار مع دمشق على الأقل لتأمين عودة أي جزء من اللاجئين المتكدسين في الأرض الأردنية بمئات الآلاف إلى مدنهم وقراهم التي لا توجد فيها مصادمات عسكرية أو حرب من أي نوع، أو تم تحريرها من الإرهاب مثلاً.
لماذا لا يعود هؤلاء إلى وطنهم وبلداتهم؟… هذا السؤال طرحه علناً وأمام «القدس العربي» سياسي أردني هو الدكتور ممدوح العبادي، أما الجواب فهو طبعاً رهن بحلقة التعقيدات التي تعتري كل الأوصال ملف الطريق غير السالك بين عمان ودمشق.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى