اراء و مقالاتمقالات وآراء

وزير المالية ورئيس الطاقم الاقتصادي الأردني الدكتور محمد العسعس: صبر الأردن “معجزة حقيقية” ووصفات “الصندوق” ليست قدرا

صعد وزير المالية الأردني حاليا الدكتور محمد العسعس إلى الواجهة مجددا مع تنامي السؤال المالي والاقتصادي إثر تداعيات أزمة فيروس كورونا.

وجد الوزير الشاب نفسه متفاعلا ووجها لوجه مع العديد من الملفات الساخنة التي تحدث ببعضها ضمن خطة اقتصادية عندما كان وزيرا للتخطيط في الحكومة، قبل أن يتقرر أن يقود وزارة المالية لتنفيذ وإنجاز تلك الخطة التي سبقت أزمة مفاجأة كورونا إنطلاقا من كونه الآن المشرف على وضع الخزينة ومن يترأس في طبيعة الحال الطاقم الاقتصادي.

“القدس العربي” حاورت العسعس في عدة محطات، وتحدثت معه قبل وأثناء أول ملامح أزمة كورونا.

والنقاش هنا له علاقة بالأولويات التي شغلت العسعس عندما كان يدير بصفته وزيرا للتخيط ملف المفاوضات مع المؤسسات المانحة الدولية وصندوق النقد الدولي. وفي ما يأتي نص الحوار:

ملف الطاقة

الخيارات في ملف الطاقة تحديدا واضحة تماما في ذهن الوزير الدكتور محمد العسعس، فأمام الحكومة عمليا -والحديث طبعا عن بدايات العام الحالي وقبل أزمة كورونا – وبعد تكلفة بسبب الظروف الإقليمية في المنطقة، وأزمة استمرت لعشر سنوات بلغت 17 ونصف مليار دولار، أمام الحكومة خياران لا ثالث لهما.

الأول هو الانتظار مع الإقرار بأن فاتورة أسعار الكهرباء في الأردن على المواطن قد تكون الأغلى في العالم، والانتظار هنا مع بقاء الأمور كما هي يعني بكل بساطة أن أسعار الكهرباء المرتفعة جدا أصلا سترفع مجددا العام المقبل.

*ما هوالمقصود هنا دكتور بالظرف الخارجي؟

**تلك ظروف واعتبارات يعرف الجميع أنها خارج الإرادة. وعندما يتعلق الأمر بالتوقع والدراسة والتحليل لا مجال للتكهنات، ولست من اللوامين أو المؤمنين بالتلاوم وهو غير مفيد في كل الأحوال حيث ينبغي التطلع للمستقبل.

*هل يعني ذلك أن بعض قرارات الماضي كانت خاطئة خصوصا في مسار وزارة التخطيط؟

** أبدا، في العادة يتخذ القرار الأنسب في ظل الواقع بينما زميلي وزير التخطيط الأسبق بعيدا عن أي مزاودة وعلى مدار عقود لا يوجد ما يثبت أنه اتخذ قرارا خاطئا، لأن كل حكومة تقرر سياساتها وفقا للظرف الموضوعي ليس سياسيا بل رقميا وواقعيا وفي الميدان.

ومن هنا أرى أن من يتحدث فقط عن التلاوم أو يطرح أسئلة تبدو صعبة مثل من المسؤول عن ماذا لا يقدم لمصلحة الوطن ولا لنا أي قيمة مضافة، لأن القرارات تؤخذ أصلا في سياق ظروفها وأنا لست بصدد معرفة ما هي الظروف التي حكمت مسارات استراتيجية التعامل مع ملف الطاقة في الماضي، وبالتالي الخوض في نقاش من هذا النوع غير منتج.

*لكن كيف تفسر ظهور تباين في الأرقام في الماضي على الأقل؟

**للأسف الشديد في مجالات مثل الطاقة والتخطيط أو غيرهما من الملفات، يصعد أحيانا أما رقم غير صحيح أو فكرة عدمية أو رأي اسمحوا لي أن أصفه في بعض الأحيان بالجهل. وبالتأكيد أنا كوزير للتخطيط والتعاون الدولي ولاحقا للمالية وحتى كمواطن أو مسؤول من غير المعقول أن أترك عملي ومهامي وواجباتي وانشغل في الرد أو التعليق أو الاشتباك مع تلك الآراء غير العلمية أو الشخصانية أو حتى الاتهامية والجاهلة.

طبعا احترم الجميع بدون استثناء ومن واجبي اليوم كوزير في الحكومة أن أتحدث للناس وأبلغهم بما يجري أو أفعله، لكن في كل الأحوال لست شغوفا بالمناكفات ولا بتسييس المسائل، ولا حتى في إنفاق أي وقت ينبغي أن يخصص للعمل على سجالات لا معنى لها.

وزراء القصر

يعتبر العسعس من تجربته بأن أي وزير تخطيط أو مالية في العادة يتعرض لبعض المراقبة وأحيانا “الكراهية” وتزيد النظرة المراقبة عندما يأتي المسؤول هنا من مؤسسات أخرى مهمة مثل مؤسسة القصر.

ويقول العسعس: تلك إحدى القيم الاجتماعية وهي مؤسفة في كل حال، لكن محدثكم اليوم يجمع هذا المجد من طرفين. فأنا وزير مسؤول عن قرارات في ظرف صعب ومعقد وقد أصبحت وزيرا بعدما كنت في موقع آخر اؤدي واجبي في الظل وألاحظ وأناقش وأطرح رأيي الفني فقط ولا أتخذ القرارات، فأنا رجل خبرة اقتصادية لا أكثر ولا أقل ولا أريد أن أكون أكثر أصلا، ولا تشغلني ألاعيب وعوالم الأضواء والتسييس، ولن أدعي يوما أنني رجل سياسة حتى وإن كنت في موقع سياسي.

*هل تحدثنا أصلا عن كيفية دخولك للحكومة وزيرا للتخطيط؟

**في كل حال طلبني دولة رئيس الوزراء وزيرا في حكومته عندما تشكلت فرفضت، وكانت لدي وجهة نظر وأمرت بأن أخدم انطلاقا من موقعي كمستشار اقتصادي متشرفا بالعمل بمعية طاقم جلالة الملك.

لاحقا لا يتعلق الأمر بانضمامي للحكومة أو بعرض وظيفة، فقد كنت أصلا في موقع وظيفي يتساوى مع نائب رئيس الوزراء، ولكن وصلت لقناعة وامرت بها أيضا، وأصبح يحتم علي واجبي أن أنضم للفريق الوزاري حتى تتحول قناعتي إلى سياسات وبرامج عمل وقرارات، وهي خطة حظيت بتوافق الجميع وفكرتها طبعا لها علاقة بالأساس بكيفية التعامل فنيا ومهنيا مع صندوق النقد الدولي.

صندوق النقد وهارفارد

* هل تعتبر مهمتك الأساسية هي المؤسسات المانحة أم أن لجامعة هارفارد علاقة بالأمر؟

**أعتبر تلك مهمتي الأساسية اليوم، وأحترم طبعا واجباتي وموقعي، لكن أنا مهتم بإرضاء ضميري بعد الله، وبأن أجيد تنفيذ ما أستطيع فعله أصلا ضمن خبرتي، فأنا خريج جامعة هارفارد بالتأكيد ولدي منها أربع شهادات، وليس غرورا القول إني قد أكون العربي الوحيد الذي حظي بأربع شهادات من هذه الجامعة العريقة التي اعتز بها. وليس سرا أني مثل غيري لاحظت بعض التعبيرات في الإعلام والمنصات التي تأخذ علي وعلى غيري أننا من خريجي هذه الجامعة المهمة في العالم، وكأن النجاح في جامعة مثل هارفارد نقيصة.

 للأسف من الصعب تصديق أن ذلك يحصل أحيانا، وللأسف الأشد ثمة آراء غير مفهومة وتعليقات تحاول التعامل مع خريج جامعة مثل هارفارد وكأنه “متهم” وقد لمست ذلك شخصيا في بعض التعبيرات الإعلامية السطحية التي لم تناقشني برأيي أو تحاججني برقم أو تعترض وتلاحظ على حقيقة علمية بقدر ما تعاملت معي باعتباري خريجا لجامعة هارفارد.

يوافق العسعس على استنتاج “القدس العربي” بأن تلك مكافأة مجانية يقدمها البعض للإعلاء من شأن الجاهل والجهل، ويضيف: مرة أخرى مثل هذه المعلبات من الاتهامات لا تشغلني وينبغي أن لا تفعل.

*ماهي قصة ما يشاع عن دراسة هارفارد التي أصبحت دليلا للخطة الاقتصادية الأردنية؟

**المرحلة صعبة بالتأكيد وعلى سيرة ما يسمى في بعض أوساط السياسيين والصالونات والمنابر والمنصات بدراسة هارفارد التي تحولت إلى خطة للدولة الأردنية قرينة قوية على الجهل الذي أتحدث عنه، وحقيقة لا يوجد شيء اسمه خطة أو وثيقة جامعة هارفارد، فهذه خطة محمد العسعس وتصوره ورؤيته لمعالجة الخلل المالي والاقتصادي وأنا أتحمل مسؤوليتها لأنها دراسة تشخيصية تحليلية تقييمية فقط وليست دراسة إصدار قرارات.

وكل العلاقة بين جامعة هارفارد وهذه الوثيقة التشخيصية منحصرة في أنني طلبت من أشهر خبير اقتصادي في المجال في العالم اليوم وهو استاذ في جامعة هارفرد وقد كان أستاذي شخصيا لسنوات، أن يساعدني في إجراء هذا التحليل والتشخيص.

* هل ساعدك صاحبنا فعلا وبأي كلفة وهل بنيت تشخيصات الدراسة على أرقام ومعطيات ليست دقيقة؟

**حضر الرجل مشكورا ولم يكلف حضوره الخزينة الأردنية قرشا واحدا، وقد يكون من المعيب القول بإن الرجل حضر وعمل معي وساعدني متبرعا ومجانا، لا بل تدبر بطريقته تذاكر سفره وأجرة الفندق وله الشكر في كل حال، أما القول إن تلك الدراسة المزعومة صدرت بناء على أرقام غير صحيحة فلا يمكنني التعليق عليه إلا بالإشارة إلى أنه قول جاهل.

أصل القصة أنني انشغلت منذ ثلاث سنوات وأنا أعمل في الديوان الملكي بدراسة برنامج الإصلاح مع صندوق النقد الدولي، ودققت في التفاصيل وأجريت مقارنات علمية مع دول وحالات أخرى، واستمعت للكثير من الآراء وحظرت غالبية الاجتماعات.

لاحظت هنا مبكرا بأن الصندوق يتحدث بإسهاب عن مظاهر الكرم الضريبي في الأردن ويعتبر زيادة واردات الخزينة من الضرائب هي الأساس في مشكلة الإصلاح الاقتصادي الأردني.

وكان لدي شبه قناعة مغايرة إلى حد ما ومغايرة بمعنى أن زيادة العبء الضريبي قد لا تقودنا إلى الصيغة المطلوبة في الإصلاح الهيكلي، وطبعا لم أكن وزيرا أو صاحب قرار بل مستشارا وأحدث أصحاب القرار عن استنتاجات.

* لاحقا لذلك ما الذي حصل؟

**بعد الدراسة والتمحيص والتدقيق تبين أن حجم واردات الخزينة كانت له آثار سلبية بعد تغيير قانون الضريبة وتصدر منطق الجباية، لأن صندوق النقد لا يتحدث معك بالسياسة بل بالوقائع والأرقام والحيثيات.

اليوم قالت الحكومة بوضوح إن السياسة الضريبية الجديدة لم تؤد المأمول على صعيد النمو الاقتصادي. تلك حقيقة كانت محور دراستي قبل وزارة التخطيط، واليوم تحدثنا مع صندوق النقد وغيره والفكرة ببساطة أن التشغيل والنمو الاقتصادي فقط في الحالة الأردنية كفيلان بزيادة حصيلة الضرائب التي تتحسن عوائدها مع زيادة كفاءة التحصيل، بمعنى أن الجباية ليست هي الحل بل النمو الاقتصادي الذي يحرك عجلة الإنتاج ويخدم التشغيل.

*هل استجاب صندوق النقد لهذا الرأي؟

**تحدثنا بصراحة مع الصندوق وجاءت أبرز مسؤولة في الصندوق وسمعت ما نقوله، فإذا كنت أريد أن أحكم على الأمور الآن أستطيع القول بإن رسالتنا وتشخيصنا وصل وقد عقد مؤتمر لندن أصلا على هذا الأساس وهو مؤتمر لم يكن الهدف منه جذب أو استقطاب أموال كما فهم الكثيرون وتوقعوا، بل إثبات حقيقة ان ما يحتاجه الاقتصاد الأردني هو النمو الاقتصادي وليس زيادة الحصيلة من الضرائب فقط. يطرح العسعس مقاربته العلمية الفنية على الأساس التالي: نعتقد أننا بصدد التفاوض والتعمق بالتفاصيل، والسؤال هو إذا رفض صندوق النقد تقديرنا وتشخيصنا الوطني المؤسسي، ما الذي سيحصل؟

الجواب مني وفي مؤتمر البحر الميت كان واضحا أيضا، فنحن حكومة المملكة الأردنية الهاشمية ولسنا حكومة صندوق النقد، وأنا وزير أردني ولست موظفا في صندوق النقد، وقراراتنا سيادية ومستقلة ووطنية وطبعا إذا أردتم أقولها بوضوح سنتخذ الإجراءات التي تناسبنا وما يقترحه صندوق النقد ليس قدرا عندما يتعلق الأمر بمصالح شعبنا، فإنا لدي في النهاية عشرة ملايين أردني ومقيم، واجبي أن أتعامل مع مصالحهم. والعالم بما فيه الاصدقاء منهم عليه ان يقر بأني أنا الدولة التي أمثل قيمة نبيلة وأساسية، لأن جلالة الملك عبد الله الثاني هو الزعيم الوحيد الذي قال بإن بلاده تفتح أبوابها لكي تغيث أي ملهوف سوري، وهذا موقف مشرف لبلادي أعتز به وعلى الآخرين أن يحترموه.

ولست اليوم مهتما بمن فاوض وأين الخطأ بقدر ما أنا مهتم بالوقائع والحقائق، فالأردن دولة تحملت عبئا كبيرا جدا قياسا بظروفها، والمنطقة غير مستقرة منذ سنوات وانقطاع الغاز المصري مشكلة يعرفها الجميع ولولا أن صلابة الأردن كانت بالمرصاد لقلنا للجميع إن ما صبر عليه واحتمله هذا البلد معجزة حقيقية لا يمكن لكل الدول الأخرى ان تصمد في ظروف مماثلة، وحتى لا نقول شعرا أو نثرا تلك حقائق رقمية اليوم يعرفها القاصي والداني.

الاقتصاد…كورونا

تباين وزير المالية الأردني مؤخرا مع أسلافه عندما قرر الشفافية في التعامل مع الحقائق، لأن الأرقام لا تخضع للتسييس كما يشرح لـ”القدس العربي” بأن الشفافية دوما قيمة وليست مجرد سلوك موسمي.

وسط الجدل العظيم حول تداعيات فيروس كورونا وضع الوزير العسعس الأسطر كما هي في وجدان الأردنيين من خلال سلسلة تصريحات واضحة وشفافة.

طوال الوقت طمأن العسعس الأردنيين على عدم وجود مشكلة في مسألة الرواتب فهي كانت ولا تزال وستبقى متوفرة والأمل بأن لا تتمكن الحكومة لاحقا من المساس بالرواتب إطلاقا في أحلك الظروف رغم التراجع عن بعض العلاوات والامتيازات مؤخرا لأغراض تخفيف الإنفاق، حيث لا مجال إلا تخفيض الإنفاق، مع أنه شخصيا يعتقد أن النمو الاقتصادي ولاحقا عوائد الخزينة من الضرائب وغيرها مرهون بضخ السيولة في السوق والحرص على ذلك خصوصا مع وجود صلابة يعرفها الجميع في السلطة النقدية وفي قطاع البنوك.

في تداعيات كورونا لم يتدخل العسعس إلا فيما يخصه ولم يوفر أي مساحة للإجتهاد أو التدخل ويرى بوضوح بأن المرحلة المقبلة ستكون صعبة لإن الاقتصاد الأردني متفائل ومرن ويقر ببعض الغموض الذي يتطلب جاهزية متقدمة ومتيقظة طوال الوقت.

يقر أيضا بأن العجز المتوقع قد يصل لمليار دينار في ميزانية العام الحالي التي لا يخفي أنها قد تحظى ببعض التغييرات على الأقل في الأرضية المتعلقة بالنفقات وضرورة تقليصها مع تعديل في سلم الإنفاق بما يراعي المصالح وتحريك القطاعات الاقتصادية والتجارية والنفقات والخسائر التي نتجت عن سياسات حريصة جدا على الصحة العامة وسلامة المواطنين وتتحدى الفيروس.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

تعليق واحد

  1. حاولت أن ادقق في تفاصيل المقابلة… ولم أجد الا شيئا واحدا في على كلسؤال…. هو أن كل الأخرين جهلة بنظره…
    لا أعتقد أن المعرفة بالصندوق وبرامجه والأرقام مكتملة في ذهن معاليه بعد.
    في النشرة الشهرية لوزارة المالية تناقضات ما زالت منذ سنوات ولم تصحح… مثلا مديونية نيبكو كما تعكسها الحقائق ونشرة المالية نفسها وحتى وثيقة البرنامج الجديد تحتاج إلى جرأة لكشف الرقم الحقيقي وعدم الاستمرار في الحديث عن5. 5 مليار دينار يتم التمويه علييها في مقدمة النشرة بذكر أن مديونية شركة نيبكو وسلطة المياه تبلغ 7.6 مليار دولار… وهو ما لا تدعمه الأرقام في الجداول الداخلية للدين…. الحكومة المركزية والمؤسسات المستقلة…
    يسجل لمعاليه تصحيح المعالجة افنية والمنهجية لدين الحكومة من صندوق استثمار أموال الضمان والتي نص عليه في وثيقة البرنامج الجديد بالإضافة إلى إلى اعتبار المتأخرات المستحقة لبعض الجهات المحلية ضمن رصيد الدين.

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى
%d مدونون معجبون بهذه: