مقالات وآراء

الأردني وهو يغني: «طَل الصِبح ولك علوش»… وللمرة الأولى على الشاشات السعودية «أخبار كوميدية»

تتحدث المنصة التلفزيونية التابعة لرئاسة وزراء الأردن عن تشغيل حلقة «المتسوق السري» بقرار سياسي.
ويقرر رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز زيارة «غير علنية»، حتى لا نقول «سرية» لمستشفى حكومي في مدينة الكرك، يفرد لها تلفزيون الحكومة مساحة خاصة، ويتابعها الشريط الإخباري لتلفزيون «المملكة».
الحكومة هنا تقرر «التعسس» خلف الكاميرات والأضواء لتلمس «هموم المواطن» ومعرفة مقدار التزام الموظف العام بالقانون والإجراءات وكيفية تسعير المنتجات، وفوق ذلك تلمس الزحام في غرفة غسيل الكلى والنقص في مقاعد عيادة المسالك البولية، ودوما إطلاق المزيد من الوعود» للمرضى.
طبيعي أن يزيد عدد المرضى من الشعب بعد الإقرار رسميا بالتهام أطنان من القهوة المخلوطة بالحشرات والسجائر المضروبة والفستق المسرطن.
وطبيعي أن تحاول الحكومة أكثر تخفيف الانفاق من الخزينة بضرب مواطن الفساد البيروقراطي، التي تستنزف الخزينة وليس المواطن الضحية.
لذلك تبدو عملية «العسس السري» على الطريقة السوفيتية مهمة هنا حتى «تصلح الحكومة» نفسها قدر الإمكان، خصوصا بعد أن استضاف البرنامج الحواري الأهم في التلفزيون الأردني رئيس اللجنة المالية خالد بكار، الذي أبلغ الأردنيين بالنبأ الأسوأ..«مليار دينار قيمة الهدر، الذي يتحدث عنه ديوان المحاسبة».
الغريب في مجمل حكاية التلمس السري والزيارات الفجائية أن الفساد عمليا أصبح على السطح وفي الهواء الطلق ويعرفه الجميع ولا يحتاج ضبط ايقاعه لكل هذه الأفلام، ويكفي أن تبدأ فعلا معركة «كسر ظهره».

الإعلام الخشبي في سوريا والسعودية

أخيرا، فعلها مسؤول سوري نتوقع له مستقبلا وظيفيا باهرا قريبا جدا وهو القائم بأعمال السفير في عمان أيمن علوش.
مباشرة بعد ظهور صاحبنا على شاشة قناة «رؤيا» المحلية سمعنا في سيارة تاكسي أغنية علي الديك: «طَل الصِبح ولك علوش» وهي في الأحوال كلها الأغنية المفضلة لصديقنا الدكتور ممدوح العبادي، ويبحث عنها بين الفضائيات دوما على أساس أن العبقرية السورية تصدت فعلا لمؤامرة من حجم ثقيل.
الدبلوماسي السوري يتحدث بلهجة غير استفزازية كتلك، التي درجت على لسان معلمه السابق بهجت سليمان.
أنعش الرجل في الروح تلك الذاكرة الخشبية العربية، التي تكثر من استهلاك عبارات لم يعد لها معنى ولا تعكس الحقيقة من وزن «العلاقات التاريخية بين الشعبين» و «الأردن وسوريا في خندق واحد» و«العلاقات تتحسن وتتطور».
حتى أحد مذيعي القناة الثانية في التلفزيون السعودي وقد أدمنت بصراحة على متابعتها بهدف الحصول على جرعة «أخبار كوميدية» كان يتحدث عن علاقات «تاريخية» بين المملكة والجمهورية التركية، ثم سرعان ما نشر المخرج صورة قديمة لخادم الحرمين الشريفين والرئيس أردوغان باعتبارهما راعيين لأحلام الأمة وشقيقين في خدمة الإسلام.
غريب جدا أن يقول المذيع ذلك، بعد يوم واحد من استقبال ولي العهد لوفد كنسي أمريكي متشدد، تم ابلاغه أن أعداء السعودية في القائمة التالية «تركيا والإخوان المسلمين وإيران وحزب الله».
الخطاب الرسمي السعودي، وبعد جريمة اغتيال زميلنا الراحل جمال خاشقجي، يقترب من صيغة «ما يطلبه الجمهور» فهو يردد أغنية تناسب ذوق المستمع، وبالتالي من الواضح أنه يضلل الجميع.
نعود لصاحبنا «علوش السوري» فالرجل اضطر للظهور على الشاشة لكي يرد على العاصفة، التي أثارتها قصة 9 آلاف أردني قيل إنهم مطلوبون لمخابرات بلاده.
بصراحة، لو اكتفى علوش بالرد على الأسئلة الصحافية، نافيا قصة القائمة إياها وتجنب اغراقنا في تصريحات المجاملة، التي لا تعكس الحقيقة لكان الوضع مهنيا بامتياز.
نسمع من صحيفة «الوصل» السورية المعارضة للمرة الأولى ونستغرب عدد الأردنيين الذين وجدوا متسعا من الوقت لقراءة قائمة بأسماء 9 آلاف شخص، بحثا عن أسمائهم، بطبيعة الحال لأن الأردني – أعجبنا الأمر أم لم يعجبنا – يحب تحريك سيارته يوم الجمعة وتناول الإفطار في ساحة المرجة في دمشق والعودة عند الغروب محملا باللبنة واللحوم والخضراوات وبعض الملابس، لأن فارق الأسعار هنا «لذة لا تقاوم».
طبعا، «فوبيا الأمن السوري» حكاية قديمة يتوارثها الأردني أبا عن جد وأزعم أنها مستقرة في عقل المواطن السوري أصلا وأيضا وهي الجذر في الإجابة على السؤال التالي: كيف تمكن «المتآمرون على سوريا الأسد» من اختراق الخواصر الرخوة في المجتمع السوري؟!
لا نصدق أن نظاما مهما كان يمكنه أن يعود لتلك المعلبات الأمنية بعدما كل ما حصل في سوريا، التي يقول عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنها تحتاج لـ300 مليار دولار لإعادة الإعمار.
نفترض طبعا أن التجربة السورية باتجاه المصالحة واسقاط «المعلبات الأمنية» ومغادرة منطقة «ثأر وانتقام»، وعسى الله سبحانه أن لا يخيب أملنا ورجاءنا.
عليه لا نصدق النبأ المتعلق بقوائم الأردنيين المطلوبين، وأعتقد أن جهة أو جهات قررت «تخفيف» اندفاع الأردنيين الجامح للأسواق السورية بعد فتح معبر نصيب.
لكن ذلك لا يعني الثقة أن سوريا «تغيرت» فعلا و«المصيبة» أكبر إذا لم تتغير، لأن معنى ذلك: أن «المؤامرة اياها ستتكرر».

سؤال أخير

بقي لدينا سؤال واحد للأشقاء في القاهرة ودمشق معا، بعد الإطلاع على مضمون خطاب الرئيس السيسي الأخير عبر تغطية خاصة لمحطة «القاهرة والناس»: من حيث الأصل، من الذي طلب أصلا من مصر، التي ينهشها الفساد والجوع والدين المساعدة في إعادة إعمار سوريا؟!

المصدر
القدس العربي
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى