مقالات وآراء

الأردن تماماً في «عنق زجاجة الملقي» وطاقم الرزاز مهووس بتدبير مبلغ 1.25 مليار دولار وبـ «أسرع وقت»

المطلوب في الأردن وبصورة ملحة جداً مع بداية العام الجديد سياسياً ومالياً هو تدبير مبلغ قيمته مليار ونحو 250 مليون دولار على الأقل ينبغي أن تتوافر قبل نهاية شهر آذار/مارس المقبل وخلال شهر شباط/فبراير.
المبلغ المشار إليه يمثل استحقاق أقساط فوائد ديون الأردن الخارجية وبصورة ملحة. وكل أوساط القرار السياسي والمالي للحكومة الأردنية مشغولة ومهووسة الآن في البحث عن وسيلة وكيفية لمعالجة هذا المأزق المالي الطارئ وعلى أساس أن التأهل مجدداً للاقتراض بسعر فائدة معتدل ومنطقي يتطلب سداد هذا القسط الكبير.
واضح تماماً أن سبب الزحام والارتباك وسط صنّاع القرار الاقتصادي والمالي وفي أقرب نقطة لرئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز ونائبه الدكتور رجائي المعشر متعلق بمستوى الخيارات الحرجة جداً وبالرغبة في تجاوز المأزق الحالي مع المؤسسات الدولية الممثلة لمصالح الدول المانحة وبرامج الاقتراض الدولي.
وببساطة شديدة، تشير الأرقام إلى أن التمكن من سداد هذا المبلغ لتجاوز ما سمّاه رئيس الوزراء الأسبق الدكتور هاني الملقي بـ «عنق الزجاجة» هو الذي تطلب أصلاً قانون الضريبة الجديد والأرقام التي قدمت في مشروع الموازنة المالية وحسب تصريح علني لرئيس لجنة خاصة في البرلمان الدكتور خير أبو صعليك تتحدث عن واردات للخزينة بمبلغ سيصل إلى 777 مليون دينار.
أبو صعليك، مهندس قانون الضريبة باسم ممثلي الشعب لصالح الحكومة، فاجأ الجميع في خطاب يمثله فردياً وشخصياً كنائب بالتشكيك في أن أرقام الحكومة الرسمية من العائدات المتوقعة جراء إنفاذ وتطبيق قانون الضريبة الجديد مشكوك فيها. لافت جداً هنا أن أبو صعليك، الذي يمتدحه الجميع في أوساط القرار بعدما تمكن بحكم رئاسته للجنة الخاصة بتمرير قانون الضريبة، يطرح تشكيكاً لم يتبنّه هو أو رفاقه في اللجنة.
وبصيغة قد توحي ضمنياً بأن هذا الوجه البرلماني الصاعد بقوة في عملية طبخ التشريعات المالية قرر استعادة جزء من شعبيته الشخصية بالتشكيك المتأخر بتلك الأرقام التي يقدمها وزير المالية عز الدين كناكريه .

ثلاثية «الصديق والشقيق والشريك» تتخلى عن الدولة

لم يشرح أبو صعليك بعد للرأي العام مثل هذا التباين، لكن رئيس اللجنة المالية النائب خالد البكار كان قد أبلغ «القدس العربي» بأن هوامش الفارق بين تقديرات الحكومة من عوائد الضريبة الفعلية وبين المأمول من المسائل التي ستبحثها لجنته بعمق وهي تدرس قانون الموازنة المالية العامة الحالي، مقراً بأن شروحات الموازنة التي تلقاها، وانتهى عملياً منتصف الأسبوع من نقاشها على مستوى اللجنة المالية، فيها بعض الاختلاف والتحديث .
البكار بدوره ابتكر بعض الأساليب الجديدة في تمحيص الميزانية وتدقيقها، وتعاون مع رئاسة الوزراء بقوة في ملف استعادة بعض الأموال العامة بناء على تقارير ديوان المحاسبة المركزي .
الإشكال يتمثل في المقابل في أن نفاذ قانون الضريبة الجديد في اليوم الأول من العام الجديد 2019 استمر في بث الرعب في أوصال غالبية الفعاليات التجارية والاقتصادية، وقد انخفض إلى مستوى خطير وغير مسبوق التداول في سوق عمان المالي، ودخلت الأسواق التجارية في حالة كساد من الصعب انكارها.
وقدّر البرلماني والخبير، خليل عطية، في نقاش متكرر أمام «القدس العربي» بأن سبق أن حذر الحكومة وطاقمها المالي من أن المخاوف الناتجة عن الضرائب الجديدة ستؤدي إلى تقليص الإنفاق وترشيد الاستهلاك عند المواطنين، بمعنى الإخفاق بالنتيجة في عوائد الضريبة على الخزينة وتراجع نسبة التحصيل حصرياً من ضريبة المبيعات البالغة 16 % على كل السلع والخدمات . وفي الوقت الذي يتحدث فيه خبراء كبار من وزن نائب رئيس الوزراء الأسبق، الدكتور محمد الحلايقة، عن ضرورة البحث عن مقاربات ومعادلات مختلفة في إدارة المسألة المالية عن تلك المنهجية التي لم تعالج في الخلاصة أزمة عجز الميزانية.. في هذا الوقت تبرز الدلائل في الواقع الموضوعي بأن قانون الضريبة تسبب في ضرب فكرة الإنفاق التي ينتج عنها في الختام تقلص في واردات الخزينة من عوائد الضريبة.
المدير العام لدائرة الضريبة، حسن أبو علي، حاول طمأنة الجميع على نجاعة الإجراءات الحكومية عندما أعلن بأن عائدات الضريبة لعام 2018 تجاوزت أربعة مليارات، وهو رقم كانت وزارة السياحة قد أعلنت دخوله على القطاعات في البلاد للعام نفسه، ما دفع المواطن البسيط لطرح تساؤلات المفارقة حول العجز الكبير في الميزانية والذي يتجاوز 40 مليار دولار، في الوقت الذي تدخل فيه 8 مليارات وبالإفصاح الرسمي للمملكة من قطاعين فقط، هما الضريبة والسياحة.
في كل حال، من الملموس أن المبالغ التي يقال إنها دخلت الخزينة أو تلك المأمول دخولها تبين أن ثمة مخاوف بأن لا تصل إلى الحجم الذي يؤهل الحكومة لتوفير المبلغ المشار إليه كقسط لفوائد الديون الخارجية المتوفرة.
يمكن الاستدلال على ذلك من إعلان دائرة الضريبة تمديد فترة السماح لدفع المستحقات والغرامات ولمدة شهر إضافي في العام الجديد، وكذا من إعلان وزير المالية فرض ضريبة قيمتها 25 % مجدداً على سيارات الكهرباء. بمعنى آخر، تتجه الحكومة لاستخدام كل وسائلها الممكنة في تحصيل المال لكي تتمكن من تجاوز محنة دفع أقساط الدين المطلوبة في غضون ثمانية أسابيع على الأكثر.
وهو وضع مقلق ومزعج، خصوصاً في ظل انسداد الآمال بالحصول على مساعدة من صديق أو شريك أو حليف، ذلك أن الرهان إقليمياً وسياسياً على الثلاثي المشار إليه لم يعد ضمن خطة الحكومة ومطبخ القرار.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى