مقالات وآراء

الأردن: «نهش» اتفاقية الغاز الإسرائيلي وكشف كل أوراقها… و«الأخوان» مصرون على «إسقاطها»

لأول مرة: تقديم «خريطة طريق» قانونية لكيفية التخلص منها

 يخطط حزب جبهة العمل الإسلامي، أكبر أحزاب المعارضة في الأردن، للاستمرار في حملته التي بدأت تتخذ شكلاً منطقياً ووطنياً ضد اتفاقية الغاز الإسرائيلية.
قريباً، قد يتجه الحزب، الذي يمثل عملياً جماعة الإخوان المسلمين، لسلسلة من الندوات الفرعية في الأطراف والمحافظات؛ تنديداً بتلك الاتفاقية وسعياً لمحاصرتها ليس في الإطار الشعبي فقط ولا الخطابي ولا السياسي، ولكن في الإطار القانوني أيضاً.
طبيعي جداً، وفي ظل التوجس العارم أردنياً من صفقة القرن وتداعياتها، أن يختار الإسلاميون الاتجاه نحو تحويل اتفاقية الغاز مع إسرائيل إلى هدف خصم ودائم. كما أنه من الطبيعي أن يحصل ذلك أيضاً عشية بدايات الاستعداد لانتخابات عام 2020 البرلمانية، التي لا تزال بوصلتها غامضة وسط انقسام في دوائر القرار داخل الدولة بين وجهتي نظر، تقترح الأولى الاستعانة بالحركة الإسلامية أكثر وتمرير بعض مؤشرات التعاون ونمط من أنماط الشراكة معها شعبياً.
والثانية وجهة نظر تسترسل في التحذير من الإسلاميين وتحرص على بقاء المسافة بينهم وبين الدولة شاسعة أو واسعة، وبالتالي الحرص على بقاء ملفهم مرهوناً بـ»الأمني» وبعيداً عن السياسي.

مثل هذه الطروحات في الرأي والتقدير تسللت منها انتفاضة الحراك المنهجية في صفوف التيار الإسلامي ضد اتفاقية الغاز الإسرائيلي التي أصبحت عنواناً عريضاً لحجم ومستوى الضغوط على الخيار السياسي الأردني، خصوصاً في مرحلة تتحسب فيها غرفة القرار الأردنية لمظاهر الثأر أو تصفية الحسابات من قبل الطاقم الانفعالي الذي يدير عملية السلام في إدارة الرئيس دونالد ترامب.
بمعنى أو بآخر، اتفاقية الغاز هدف للإسلاميين لا يمكن المشاغبة ضدهم من أجله من قبل كل القوى في الحراك والشارع، خصوصاً أن عضو اللجنة القانونية في مجلس النواب، النائب حسين القيسي، أقر وأمام «القدس العربي» بأن النصوص الغامضة والملتبسة في ملحقات عقود صفقة الغاز خطيرة جداً على المصالح الحيوية والأساسية للمملكة.
وألمح قبل أسابيع، وفي وقت مبكر، إلى أن البرلمان تعرض عملياً في عهد حكومتين سابقتين إلى ضغوط تحاول منع الاسترسال في تقليب صفحات اتفاقية مثيرة لا يملك مجلس النواب، برأي كثيرين في السياق القانوني، صلاحية دستورية تؤهله لوقفها أو إلغائها. السبب في ذلك، أن الاتفاقية -بالمعنى القانوني المجرد- عزلت مبكراً عن سلطة التشريع، وهي اتفاقية بين شركتين في آخر المطاف.
ولكن، هذا الرأي لا قيمة له برأي القانوني والمشرع البارز والقطب الإسلامي، صالح العرموطي، لأن مجلس النواب قال كلمته في رفض هذه الاتفاقية وبأغلبية غير خاضعة للنقاش.
العرموطي أصر، وهو يتحدث لـ «القدس العربي» مرتين على الأقل، على أن مستوى الضرر الخطير الذي تلحقه اتفاقية الغاز الإسرائيلي بمصالح الشعب الأردني الأساسية لا يمكن تجاهله ويمثل منسوباً من المخاطر الحياتية المباشرة على الشعب وبصيغة تجبر سلطة التشريع على اتخاذ موقف حقيقي ينسجم مع الضمير الوطني. واعتبر أن اتفاقية الغاز ساقطة حكماً بالمعنى الشرعي والوطني والسياسي والدستوري، وأي محاولة للتمسك بها تساهم في تأسيس مؤامرة ضد الأردنيين دولة ومؤسسات وشعباً.
ويملك العرموطي، وهو قطب فاعل في الحياة السياسية والبرلمانية، أوراقاً ومسوغات دستورية تجعل، كما يلمح، أي حديث عن اتفاقية بين شركتين مثيراً للضحك والسخرية، وبالتالي لا تستطيع الحكومة تجاهل كلمة ممثلي الشعب.
ما فعله ورفاقه في كتلة الإصلاح البرلمانية مؤخراً أخطر من ذلك؛ فقد تجاوز إعلان الموقف، وعكف لعدة أيام، بعدما حصل على نصوص الاتفاقية كاملة، على تقليب كل تفاصيلها، ثم عقد العرموطي مؤتمراً صحافياً كانت فكرته الأساسية عدم دقة وصحة وقانونية ودستورية القول بأن الحكومة الأردنية لا تستطيع إلغاء هذه الاتفاقية.
وقدم العرموطي، وبصفته مرجعية قانونية، أدلة وبراهين من داخل نصوص الاتفاقية تمنح الحكومة القدرة على التخلص منها، وتقلص من أهمية البند المتعلق بالشرط الجزائي الذي يمكن أن تتكلفه الخزينة الأردنية في حالة إلغاء الاتفاقية.
ولأول مرة، وبعد جهد قانوني دقيق، لا يقف الإسلاميون عند طرح مشكلة أو خطاب سياسي، بل قدموا لصانع القرار خارطة طريق إذا رغب في التخلص من اتفاقية الغاز وشروطها السياسية على أساس تحدث عنه أمام «القدس العربي» أيضاً رئيس الوزراء الأسبق، طاهر المصري، وهو يعتبر أن وضع ملف الطاقة الإستراتيجي في حضن إسرائيل خطر للغاية.
وما يريد اليوم أن يقوله العرموطي ورفاقه إنهم يساعدون الحكومة في توفير مخارج قانونية للتخلص من اتفاقية الغاز، الأمر الذي يحصل لأول مرة عملياً من جهة كتلة برلمانية ويعني الحرص على تشجيع دوائر القرار لتجميد الغطاء السياسي الذي حظيت به تلك الاتفاقية في الماضي.
كل ذلك، طبعاً، وما يتبعه من فعاليات ونشاطات في الشارع يتم برضى السلطة والمؤسسات.
ويمكن ببساطة ملاحظة أن الحكومة تسمح أو لا تقاوم محاولات النيل من اتفاقية الغاز في ظرف إقليمي حساس للغاية. هذه حلقة مستجدة تماماً في هذا الملف الحساس، فقد تحرك الإسلاميون بقوة ليس في الإطار الشعبي فقط هذه المرة بعدما صرح رئيس الوزراء الدكتور عمر الرزاز بأن حكومته قررت مراجعة الاتفاقية وتقييم نصوص الغرامة المالية في حال تعديلها أو إلغائها.
فعل ذلك، لكنه لم يقل للرأي العام بعد ما هي نتيجة تلك المراجعة، في الوقت الذي سمح فيه لأقوى أطياف المعارضة والشارع باستمرار قصف الاتفاقية والسعي لإسقاطها دون معرفة الاتجاهـات التي سـتذهب إليـها مثل هذه المسـاجلات.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى