مقالات وآراء

اليمين الديني «يتسلل» للجيش والأمن في إسرائيل… والحكومة الأردنية أيضا «في العطلة» رغم ماحصل في القدس والأقصى

«إسرائيل أنموذج لإرهاب الدولة»… هذه عبارة سياسية لا علاقة لها بأدبيات اتفاقية وادي عربة بين الأردن وإسرائيل.
وهي عبارة لم تستخدم سابقاً على لسان أي من رجال الدولة أو كبار المسؤولين في الأردن حتى في أشد لحظات التأزم بالعلاقات. لكنها العبارة التي قرر رئيس مجلس النواب، عاطف طراونة، خلال إجازة العيد، أن ينشرها ويتحمل مسؤوليتها ظهيرة اليوم الثاني لعطلة عيد الأضحى بالرغم من أنه أعلن قبل ثلاثة أسابيع أنه «لن يترشح للانتخابات» وسينسحب من المشهد البرلماني. الأهم أن اتهام إسرائيل بـ»إرهاب الدولة» كان دوماً من الخيارات التي تتجنبها النخبة السياسية وحضرت بتوقيع الطراونة اليوم بعد ما حصل صبيحة أمس الأول في الحرم القدسي وفي مدينة القدس وفي ظل الإصرار على تأمين بقاء الوصاية الهاشمية.
لافت جداً للنظر أن وزير الخارجية، أيمن الصفدي، تباين عن طراونة أيضاً ولم يصدر عنه إلا تصريح له علاقة بتحميل التصرفات الإسرائيلية مسؤولية الاستعصاء والتأزيم في المنطقة، ولم يصل بطبيعة الحال بحكم موقعه وموقفه إلى التلميح لما أسماه طراونة بـ«إرهاب الدولة».
ولافت أيضاً أن الحكومة الأردنية أظهرت تماماً أنها مثل المواطنين في «حالة عطلة رسمية» حتى عندما يتعلق الأمر بما حصل في المسجد الأقصى، حيث لم يصدر تعليق باسم الحكومة أو بيان رسمي أو موقف.
في كل حال، النقاش مفتوح أو تمكن الأمريكيون، تحديداً في جناح جاريد كوشنر وطاقمه، من جعله مفتوحاً فيما يتعلق بالدور الأردني في رعاية الأماكن المقدسة في الوقت الذي تمر فيه الاتصالات بين إسرائيل والأردن بأزمة غير مسبوقة ليس فقط على صعيد عدم وجود تواصل من أي نوع مع حكومة اليمين الإسرائيلي، حيث علاقات سيئة جداً منذ سنين، وليس على صعيد تحفظ الأردن على أي لقاء مع بنيامين نتنياهو، ولكن أيضاً على صعيد «خبرة الماضي» في العلاقات مع مؤسسات «العمق الإسرائيلي» التي كانت تسعى بالماضي بدورها إلى إظهار «التباين» في موقفها من احترام الأردن ومصالحه ودوره عن مواقف الاتجاهات اليمينية في الحكومة والكنيست.
وفي أحد مستويات القرار الأردنية قبل أيام من عطلة عيد الأضحى، تليت لأغراض العصف الذهني مقترحات وأفكار مثيرة وحساسة حول «الانقلابات» التي تحصل في مؤسسات الجيش والأمن الإسرائيلية، تحديداً التي كانت بالعادة غير ملتزمة بموقف اليمين الإسرائيلي تجاه السيناريوهات التي تقلق الأردن بالعادة.
الحديث هنا عن فكرة سبق لوزير البلاط الأسبق، الدكتور مروان المعشر، أن حاول عبثاً، ومنذ خمس سنوات عبر «القدس العربي» وغيرها، التحذير منها عندما قال إن «إسرائيل انقلبت ليس على عملية السلام فقط ولكن على الأردن ودولته ومؤسساته».
أما الجديد معلوماتياً والحساس فعلاً فهو تقارير «تقييم المواقف» التي تليت ودرست في مؤسسات أساسية في الأردن حول «تسلل وتسرب خطير» لليمين الإسرائيلي في الهيكل الأمني والعسكري، وهو تسرب زاد من حصة وحضور اليمين الإسرائيلي ولأول مرة في تاريخ الصراع وتاريخ التواصل والسلام مع الأردن داخل مؤسسات العمق الإسرائيلية التي كانت النخبة الأردنية تعتبرها «حليفاً صلباً» للسلام لا يمكنه الانقلاب على الأردن في الماضي.
ثمة من يعتبر هذا التسلل اليوم وزيادة عدد «المتدينين المتشددين» و»المستوطنين» في كوادر الأمن الإسرائيلية لنسب غير مسبوقة من «أشد الاخطار» على الدولة الأردنية وليس على الشعبين الفلسطيني والأردني فقط أو على عملية السلام.
تتراكم في أوساط الغرفة الخلفية للقرار في الأردن المخاوف في هذا الاتجاه، خصوصاً عشية الانتخابات المكررة.
ويزيد الاعتقاد بأن الانقلاب قد يتفاعل في مؤسسات الجيش والأمن الإسرائيلي بقوة، ليس فقط بحكم التسلل والتسرب، ولكن بحكم البيئة العبثية التي ينتجها طاقم الرئيس دونالد ترامب، الأمر الذي استدعى برأي خبراء ومصادر مطلعة «جولة أردنية» مهمة جداً بغرض «الاطلاع « أولاً، وبغرض الاحتياط والاستدراك ثانياً في عقل «المؤسسة البريطانية» الصديقة والحليفة القديمة للمملكة، مما استدعي على الأرجح أن تبدأ تلك الجولة بأول لقاء بين رئيس وزراء بريطانيا الجديد وزعيم عربي هو الملك عبد الله الثاني قبل عطلة العيد مباشرة.
بمعنى آخر، تصبح مغادرة الطراونة، في اللغة والتعبير لمسافة «الأمان المعتادة» وهو يتحدث عن «إرهاب دولة إسرائيل» وبصورة نادرة وفي ويوم عطلة ومناخ عيد والملك خارج البلاد، هي أقرب لصيغة تعبر عن «مخاوف» مواقع ونخب قرار مهمة من مؤشرات «مقلقة» لها علاقة بتزايد أعداد «المتشددين دينياً» وممثلي المستوطنات في عمق الهيكل البيروقراطي الأمني الإسرائيلي ولاحقاً العسكري، حيث تقارير حساسة عن «خطة محكمة» يتسرب المتشددون فيها من الذين لا يؤمنون أصلاً لا بالأردن ولا باتفاقية السلام معه، بل يؤمنون بالعكس بسيناريو «الوطن البديل» إلى مواقع قيادية «حساسة».
وبصورة «لم تكن تحصل بالماضي» في إسرائيل التي تقول القراءة والخبرة الأردنية بأنها تأسست على أساس تقاسم اختبر سابقاً يسمح بوجود اليمين الديني المتشدد في الحكم والكنيست والمؤسسات، على أن يبقى «الجناح العلماني» في الجيش والأمن.
سمعت «القدس العربي» مباشرة من أحد أهم رموز الخبرة الأردنية بالإسرائيليات «قلقاً» من هذا التحول وتداعياته المحتملة ومخاطره على الكيان والمشروع الأردني وحتى على إسرائيل نفسها.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى