مقالات وآراء

حكومة الأردن تتجه إلى استئذان البنك الدولي بـ «تخفيض» بعض الضرائب بعد الإقرار بـ «فشل» التصعيد الضريبي

مفاجأة من العيار الثقيل و«تجاذبات» مع خلافات في «الطاقم المالي»

 

 

بدأ وزير التخطيط والتعاون الدولي الأردني الدكتور محمد العسعس في مشاورات في المربع الذي يجمعه بوزير المالية عز الدين كناكريه، لها علاقة بـ «جولة مقبلة ومهمة» من التواصل مع البنك الدولي، لكن هذه المرة على أساس يقول بوضوح بأن «سياسة التصعيد الضريبي أخفقت».
في المفاوضات التي أدارها العسعس قبل عدة أسابيع، وسط استقبال حافل في واشنطن، غاب عن الصورة لسبب مجهول الرمز الأبرز للجهاز المصرفي رئيس البنك المركزي الدكتور زياد فريز. وعملياً، لم يعد من الممكن للحكومة التستر على «تجاذبات وخلافات» في الرأي بدأت تظهر في المطبخ الاقتصادي بعنوان جناحين؛ الأول محافظ جداً ويؤمن بوصفات كلاسيكية للحفاظ على «سعر الدينار» ويترأسه بخبرة واسعة الدكتور فريز.

والثاني يمثل دعاة ورموز النهج الليبرالي في إدارة الحكومة، وعلى رأسه رئيس الوزراء شخصياً الدكتور عمر الرزاز. وبعده يجلس الوزير الدكتور محمد العسعس وقد أصبح لاعباً قوياً في زاوية المفاوضات مع البنك الدولي مقابل «تبعية» وزارة المالية له بحكم الواقع، خلافاً للعادة. طبعاً، مثل هذه الاختلافات في الرأي تبقى «مكتومة» بسبب زهد الطاقم المالي عموماً في الأضواء والاشتباك الإعلامي والسياسي. لكنها اختلافات تدفع وزيراً في الحكومة لطرح سؤال «فني» لم يكن في الماضي يطرح أصلاً وعلى زميله العسعس بعنوان: الوفد المقبل المتجه إلى واشنطن .. هل سيضم محافظ البنك المركزي؟
بصرف النظر عن هذه الجزئية، من المرجح أن الناطقة الرسمية باسم الحكومة الوزيرة جمانة غنيمات، «مهدت» الأرضية جيداً أمام طبيعة المهمة التي سيقوم بها وفد وزاري أردني مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمؤسسات المانحة. ولأول مرة تماماً، أعلنت غنيمات الأسبوع الماضي ما يقود إلى استنتاج بأن سياسة «رفع الضرائب وشمولها» أخفقت في «زيادة واردات الضريبة»، وهي تشير إلى أن الحكومة قد تقول قريباً للبنك الدولي إن المطلوب لرفع واردات الخزينة تفعيل «النمو الاقتصادي» وليس التوسع بالإطار الضريبي. هذه مفاجأة سياسية كبرى بامتياز تؤشر على إقرار إخفاق سياسة التصعيد الضريبي، وإن لم تقلها غنيمات بوضوح.
وهي مفاجأة من السهل توقع الخطوة التالية المهمة التي ستتجه إليها الحكومة بعدها في حال طلب الإذن من البنك الدولي بعملية تفاوض «مهنية جيدة» ستكون صعبة لكي تتخذ حكومة الأردن قرارات «جريئة» ليس فقط بإيقاف مسلسل التصعيد الضريبي، بل في اتجاه «تخفيض» بعض الضرائب.
ثمة تلميحات بالجملة في محيط الرزاز إلى اكتشاف هام قوامه حجم الواردات البائس للخزينة بعد سياسة التصعيد الضريبي. والوزيرة غنيمات أبلغت «القدس العربي»، على هامش نقاش تفصيلي، بأن سياسة الإصلاح الاقتصادي طويلة الأمد وتحتاج إلى نفس طويل. لا يكتشف وزير المالية كناكريه العجلة وهو يصرح بخيبة أمله من عوائد التصعيد الضريبي علناً وأمام اللجنة المالية، فقد سبقه العشرات من الخبراء بالتحذير من «خمول الاقتصاد وكساد وتراجع الأعمال والتجارة» جراء الوصفات الصندوقية الأخيرة.
حذر من الأمر وعبر «القدس العربي» خبير سياسي ودولي كبير من وزن الدكتور طالب الرفاعي، وحذر منه رئيس غرفة تجارة عمان خليل الحاج توفيق. وحذر منه أيضاً نقيب المهندسين أحمد سمارة الزعبي. وسبق عضو البرلمان خليل عطية الجميع برلمانياً عندما حذر من تحت القبة من انخفاض عوائد الخزينة بسبب التصعيد الضريبي.
مثير جداً سياسياً أن تقر الحكومة الأردنية بعدة لغات ولهجات ببؤس وهزيمة مشروعها وحساباتها بشأن سياسية التصعيد الضريبي. ومثير أكثر أنها بدأت تعبر عن اكتشافها وسط تجاذبات لها علاقة بملف المفاوضات مع البنك الدولي، في الوقت الذي تقول فيه ضمنياً بأنها لا تستطيع الاتجاه عكس التصعيد الضريبي إلا بعد تفويض من البنك الدولي، يسعى العسعس قريباً للحصول عليه وبدون إشراك خبراء أقوياء سبق أن اختبروا عشرات المرات بمثل هذه المواجهات في مهمة التفاوض.
المشهد سياسياً بهذا المعنى مقلق ومربك، وحسابات وزير المالية حصرياً مرتبطة بالكشوفات المحاسبية وليس السياسة النقدية ولا الوطنية، في الوقت الذي يسعى فيه الرزاز والعسعس معاً لتوفير طريقة تؤدي إلى وصفة لمغادرة المأزق، خصوصاً بعد الإشكالية التي حصلت مع ما يسمى بتوصيات ودراسة «هارفرد» التي تحولت إلى استراتيجية عمل للحكومة الأردنية.
إلى هنا، تم التحدث مبكراً عن تراجع واردات الخزينة من بندي السجائر وسيارات الكهرباء، ولاحقاً دعم الخبز، وبمبالغ لا يستهان بها، فيما تراجع الضخ في الخزينة ضريبياً خارج توقعات الأرقام التي قدمها في الميزانية الوزير كناكريه للبرلمان.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى