مقالات وآراء

رسالتان في حفل «الاستقلال الأردني»: القدس خط أحمر عند «الوصي» وفيتو كبير على «مغامرة» الضفة الغربية

فوضى ما بعد فقدان التأثير في ثلاثية «واشنطن وتل أبيب والرياض»

 يميل رئيس مجلس الأعيان الأردني فيصل الفايز إلى أقرب مساحة ممكنة من ذهنية مركز القرار واتجاه البوصلة وهو يحذر من أن الاستمرار في الضغط على بلاده اقتصادياً وسياسياً سيؤدي في المحصلة إلى ضرر بالغ ويصيب الجميع.
أمام نخبة من الإعلاميين والصحافيين وقيادات المجتمع المحلي، وفي نشاط استضافه الإعلامي أحمد الطيب، شرح الفايز: عندما أقول الجميع.. أقصد الجميع وبدون استثناء.لاحقاً، استرسل الرجل في الشرح وهو يعكس مظاهر القلق لدى نخبة المؤسسات الأردنية، مصراً على تحذيره حتى وإن لم يعجب الآخرين وعلى أن أي ضغط يهدف للمساس بالمملكة الأردنية الهاشمية سيخلط الأوراق وسيؤذي جميع الأطراف. طبعاً، هنا تعكس أقوال الفايز المقررة مخاوف عقل ومركز القرار الأردني بعد فقدان قنوات التأثير المعتادة في واشنطن وتل أبيب والرياض، بالتزامن مع غموض شبح صفقة القرن التي يرى الأردنيون أنها ثمرة خبيثة وجاهلة في قضايا المنطقة نتجت عن التلاقي بين شخصين هما بنيامين نتنياهو وجاريد كوشنر.
اللهجة التي ظهر فيها شخص معتدل وكلامه مرسوم بدقة في كلاسيكيات الخطاب الأردني مثل فيصل الفايز، لهجة مقاومة واضحة لاتجاه قادم وخطير، مع التلميح إلى أن ثمة «مداً قادماً» لا بد من التوحد في مواجهته.

الملك عبد الله الثاني كان قد أعلن «كلّا الثلاثية». في الاحتفال الرسمي بعد ظهر السبت، بعيد استقلال الأردن ووسط العائلة المالكة وكبار الأركان والمسؤولين وقادة المجتمع، كان صوت عريف الحفل يرتفع قصداً وهو يقول «القدس عند الوصي خط أحمر». وقبل ذلك بيومين، صدر تلميح نادر عن رئيس الأركان الجنرال محمود فريحات وهو يؤكد بأن الجيش العربي الأردني جاهز تماماً لحماية مصالح الدولة العليا. لفت النظر أن الجنرال فريحات تحدث عن حماية الحدود والمصالح والسيادة والتراث التاريخي للبلاد. لاحقاً، وفي احتفال عيد الاستقلال، كان فريحات وكبار الضباط في الموقع يستمعون مع غيرهم لسلسلة كبيرة من البيانات والتصريحات وأفلام الفيديو التي تشرح ما الذي تعنيه عبارة «تراثنا التاريخي». هي القدس حصرياً حاضرة وبقوة كثيفة في كل أدبيات الخطاب الأردني.
في عيد الاستقلال ألقى خطاباً رئيس الوزراء عمر الرزاز، وأعلن أن الحكومة تقف خلف ما سماه بـ « كلا الهاشمية»، وهي نفسها كلا الثلاثية الشهيرة على لسان الملك، حيث لا تنازل عن الوصاية الهاشمية في القدس، وحيث كلا للوطن البديل وللتوطين. في السياق نفسه، خطب الفايز أصلاً بصفته رئيساً لمجلس الأمة، قائلاً: نقف خلف قيادتنا، والوصاية الهاشمية على القدس تكليف وتشريف.
تحدث في السياق نفسه أيضاً رئيس مجلس النواب عاطف الطراونة. الصيغة واضحة تماماً في الحالة الأردنية والأردن بكل أطره وسياقاته، يعلن وبتكرار واضح رفضه لأي تنازل عن دوره وتراثه في الوصاية الهاشمية على القدس. المشهد هنا يوحي ضمنياً بأن صفقة القرن المزعومة تسربت منها أفكار ومقترحات تزاحم الأردن في مسألة الوصاية المشار إليها، الأمر الذي لا تعلنه السلطات بكل الأحوال. لكن في حفل الاستقلال نفسه كانت قبة الصخرة والمسجد الأقصى إلى جانب صورة عملاقة للملك عبد الله الثاني في خلفية المسرح الرئيسي.
القناعة تتكرس في عمان بأن الأردن يقاوم وبشراسة التحول بملفين أساسيين ضمن المعطيات المسربة عن عملية السلام الأمريكية الجديدة التي يتوقع أنها بدأت فعلياً، كما قال المخضرم طاهر المصري لـ»القدس العربي» مع مؤتمر المنامة، وعلى أساس معادلة تقايض الدولة الفلسطينية بالخبز.
الملف الأول له بالتأكيد علاقة بمزاحمة محتملة على الوصاية في القدس، حيث تلاحظ المجسات الأردنية هنا بأن دولاً عربية كبيرة مثل السعودية ومصر لا تتحدث إطلاقاً عن الاعتداءات والانتهاكات اليومية في الحرم المقدسي ولا في القدس والمسجد الأقصى.
كما تلاحظ المجسات بأن التحرش اليميني الإسرائيلي بكنسية القيامة في القدس لم يعترض عليه حتى الفاتيكان، مما يستوجب تكديس هذه الملاحظات السلبية ورفع الصوت الأردني دون ضمانات بأن يؤدي ذلك إلى تغيير جذري.
الملف الثاني في خطوط الوصي الأردني الحمراء له علاقة بتوفر شبه إجماع استراتيجي داخل كل خلايا الإدارة العليا في الدولة الأردنية على الرفض المطلق للمشاركة في أي «مغامرة» لها علاقة بدور أردني من أي صنف في إدارة الضفة الغربية أو التورط في تحمل مسؤولية عدم قيام دولة فلسطينية على حدود عام 1967.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى