اراء و مقالات

الأردن: تعبنا من جدل «الفضيلة والرذيلة»

من الضروري تفسير هذه القرارات وخلفياتها والتحدث بشفافية مع الرأي العام بدلا من ترك المخيلة الشعبية تسرح وتمرح في الاحتمالات والتأويلات

الحديث عن الفضيلة والرذيلة قد لا يكون المدخل الصحيح لتفعيل نقاشات يفترض أن تكون صحية ومنتجة وتصل إلى نهايات إيجابية.
لا مبرر إطلاقا للحديث عن حكومة تدعم الرذيلة أو تستهدف الفضيلة كلما قرر الأردنيون الاعتراض أو النقد أو حتى مناقشة أمر تنفيذي صدر عن غفير أو وزير وطبعا على من يتخذ القرار ـ أي قرار إداري ـ أن يفسره ويشرح خلفيته للناس.
المعنى هنا لابد من التوقف حكوميا عن إهدار وقت الدولة والناس بالصمت المطبق وبتطبيق القاعدة التي تقول بأن الوزير الأفضل هو الوزير الصامت أكثر، فخلف الستارة ثمة خلفيات قد تكون بعضها شرعية ومقنعة شريطة أن تقال للناس ويغادر المسؤول مساحة الصمت.
لا مبرر بالمقابل للبقاء في سياق الحبل العصبي المشدود كلما برزت قضية صغيرة أو كبيرة وتلك الحدية في السجالات، سواء أكانت من المسؤول أو حتى من المواطن المعلق عليها أن تتلاشى لصالح توافقات وجملة هادئة تعرض الرأي بدون تجريح أو إتهام حيث لا مبرر للتشكيك بالحكومة في مواجهة أي قرار إداري ولا مبرر لصمت الحكومة بالمقابل.
من يتابع نقاشات بعض المنصات المحلية بسبب إجراءات لوزارة الأوقاف، يلاحظ أن مسؤولي الوزارة في الكثير من القرارات التي تعلنها يمتنعون عن الإفصاح والشرح، رغم أنه من الضروري تفسير هذه القرارات وخلفياتها والتحدث بشفافية مع الرأي العام بدلا من ترك المخيلة الشعبية تسرح وتمرح في الاحتمالات والتأويلات، ومنها بل أكثرها بؤسا ومرضا تلك الجمل الاعتراضية التي تفترض بأن القرارات الإدارية مريبة أو تستهدف الشرع والقيم أو لها خلفيات خبيثة وشيطانية مع أن كل هذه المعلبات يمكن الاستغناء عنها بقليل من التوضيح.
الوزراء عموما هم تكريس لمفهوم الولاية العامة التي لا يمتلكونها حقا، والمواطنون يدركون ذلك ويفهمونه لا بل يتعايشون معه لكن من قبل المشاركة باللعبة على كل منهم القيام بواجبه الوزاري بدون غرور بيروقراطي وبدون اتهام للناس وأقل الواجب في الكثير من الحالات شرح المسائل للناس أو طرح رواية وقصة قابلة للسرد والتوقف عن رعاية وتضخيم ذلك الفصام الوظيفي، حيث ما يقال للصحافيين خلف الستارة في شرح المواقف والقرارات والمسائل مهم ومقنع ويمكن تسويقه وإن كان الموظف العمومي عليه التخلص من الجبن الناتج عن مواجهة الجمهور بالمقابل.

من الضروري تفسير هذه القرارات وخلفياتها والتحدث بشفافية مع الرأي العام بدلا من ترك المخيلة الشعبية تسرح وتمرح في الاحتمالات والتأويلات

يعرف الخبراء بأن الوزير لا يتحرك بعزف منفرد، وأن غالبية القرارات المهمة قد تتخذها جهات عابرة للحكومة نفسها لكن الحكومة ـ ونتحدث عن أي حكومة ـ ليست متهمة دائمة، ومن المعيب أن تنتقد كل الإجراءات التي تتخذها لمجرد النقد والتشكيك فقط والكثير من الحبكات والسرديات السلبية يمكن تبديدها بإحترام عقلية المواطن وشرح الأمور له بإحتراف ومهنية وإحترام.
كما أن تقديم سردية رسمية أو بيروقراطية للناس يقلص من مساحة الروايات السلبية المضادة وبوضوح يمكن القول بأن الافتقار للقدرة على التعاطي مع الشفافية ضعف وعنصر غائب وتراكم سلبي للمعرفة، وافتقار للمهارات، وهي طبعا مشكلات تؤرق الأردنيين من عقود، عندما نستذكر أزمة الأدوات المستوطنة والتي تأبى مفارقتنا والتي أصبحت بمثابة طبيعة مرافقة لواقعنا السياسي.
بكل حال مناسبة كل هذا الحديث هو الطريقة الغريبة التي نتحاور فيها بين الحين والآخر، وحصريا ما لمسناه من تفاعلات لها علاقة بكيفية إدارة الأمور التفصيلية في المساجد بعد رفع الحظر في البلاد والإبقاء على سياسات وفلسفة التباعد الاجتماعي.
قد نختلف أو نتفق مع وزارة الأوقاف. الأهم أن السماح بافتتاح المرافق السياحية وتشغيلها ضمن بروتوكول معلن لا يمكنه بحال من الأحوال أن يسمى بـ«دعم وتشجيع الرذيلة» فتلك مبالغة درامية لا أساس لها من الصحة، ومن يقولون بها لا يوضحون لنا كيف ستستبدل البلاد الموارد المالية الناتجة عن قطاع الخدمات السياحية مع أن العاملين في هذا القطاع خسروا كل شيء أو الكثير، ويحتاجون للعمل ضمن الأسس والمعايير الصحية المعروفة للكون بعد الفيروس كورونا.
بالمقابل ترشيد بعض الإجراءات البروتوكولية في المساجد لا يمكن الإصرار على تسميته بـ«حرب على الفضيلة» وإن كان التشدد في مراقبة المساجد في وقت فتح كل القطاعات يحتاج لتوضيح وشرح ولمراجعة خصوصا وإن حالات الإصابة بالفيروس رصدت وسجلت في الدوائر الرسمية والأهلية والرياضية وعبر الحدود والموظفين أكثر بكثير وبما لا يقارن بما نتج عن العبادة وحرص الشعب الأردني المسلم على التواجد والصلاة في بيوت الله.
يمكن طبعا لوزارة الأوقاف أن تظهر بالشرح أسبابها وبالتالي الكشف عن مؤشرات إحترامها لقدسية العبادة والمسجد…يمكن التفاهم والنقاش والتحاور بعيدا عن التشنج والاتهام.
أخلاقيا لا مبرر للمبالغات في ترديد عبارات لا معنى لها وبدلا من الانشغال الهوسي بتحديد ما هو فاضل أو رذيل الأفضل وقف التنابز بالألقاب والانشغال أكثر بما ينفع الوطن والناس.
الخطاب الرسمي «المغرور»مختل وكذلك الشعبوي المفرط بالتشكيك.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى