اراء و مقالات

الصفدي ـ عبد اللهيان… بعد المجاملات بينهما… متى تفتح «صالات المطارات» بين الأردن وإيران؟

عمان ـ «القدس العربي»: تبادل أحاديث ودية أو بعض التحيات الدبلوماسية بين وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي ونظيره الإيراني حسين عبد اللهيان ضمن سياسة «الكوريدور» وفي المؤتمرات قد لا يصبح المحطة الوحيدة قريباً التي يمكن التفاعل عبرها بين عمان وطهران. سلسلة التداعيات الأخيرة في الإقليم وتحديداً في مسألة وتوابع وتداعيات الاعتداء الإسرائيلي الهمجي على الشعب الفلسطيني، قد تدفع الأردن نحو تغيير عاداته وتقاليده في ملف العلاقة مع إيران.
قد لا يصل الأمر قريباً إلى حل معضلة الإشكال الذي يحول دون علاقة مباشرة وطبيعية بين البلدين، لكن عقد محادثات ودية للمرة الثانية في غضون أسابيع قليلة يوحي ضمناً بأن العلبة التراثية للعادات والتقاليد الأردنية التي كانت مرتبطة حصراً باستحقاقات ليس فقط اتفاقية وادي عربة لكن بانحيازات الأردن وتحالفاته أيضاً للمشروع الأمريكي في المنطقة، يعتقد أنها في طور التبدل والتغير. في مسألة طهران طرفان، هما الأمريكي والإسرائيلي، حالا دون علاقات طبيعية بين عمان وطهران.
الطرف الإسرائيلي اليوم في ممارسة «عدائية للغاية» تمس المصالح الأردنية، والأمريكي في سلوك «غامض» قد يركل بطريقه «مصالح المملكة». لذلك، يتوقع أن تتبدل ولو قليلاً المعادلة إن لم يكن باختيار المؤسسات الأردنية، وهذا هو المأمول بالنسبة لشريحة واسعة من السياسيين والوطنيين والقوى الحزبية في الداخل، فعلى الأقل يمكن أن تتبدل المعطيات وبطريقة ناعمة وإلى حد ما أو هادئة وعميقة قسراً لاحقاً.
على نطاق واسع يعتقد بأن عمان عليها أن تطيح الآن بالعديد من تقاليد الماضي في إدارة التحالفات والصداقات في المنطقة، وأن هذه العملية وإن كانت بطيئة وزاحفة حتى الآن فإنها أصبحت متوقعة وفي إطار التكهن والنمو الطبيعي وفقاً لتقديرات المتغير الجيوسياسي، برأي الخبير الدكتور أنور خفش.

«الدبلوماسية الخشنة»

الوزير الصفدي استخدم مؤخراً في الخطاب الدبلوماسي عبارات لم تكن متوقعة إطلاقاً في التنديد بالعدوان الإسرائيلي، وأبرزها اتهام إسرائيل مباشرة بارتكاب جرائم حرب والتلاعب بمصير دول المنطقة والأمن والاستقرار فيها، ثم الدفاع عن حركة حماس باعتبارها فكرة غير قابلة للهزيمة بالعدوان العسكري. بكل حال، حفل القاموس الدبلوماسي الأردني بما سمّاه يوماً رئيس الوزراء الأسبق علي أبو الراغب بمعية «القدس العربي» بـ «الدبلوماسية الخشنة» التي نصح بها وزارة الخارجية الأردنية بعد 7 تشرين الأول/أكتوبر التحول بوضوح وعلنية من سياقات الدبلوماسية الناعمة إلى الدبلوماسية الخشنة.
والسلطات الأردنية بدأت تسمح للمحتجين وهم بعشرات الآلاف، بالاقتراب قليلاً من مقر السفارة الأمريكية في ضاحية عدون الغربية في العاصمة عمان. وقبل ذلك، بقي التظاهر يسمح في أقرب نقطة من مقر السفارة الإسرائيلية الفارغة. هذا يعني باللغة الدبلوماسية، استعمالاً مباشراً لبعض أدوات الرسائل الخشنة. لكن ما يقترحه مراقبون كثر اليوم أن حجم الإشكال وحجم المخاطر بعد التوقف طبعاً عن إنكارها، قد يدفع الأردن لمعادلة أخرى في سلسلة تطوير وزحف موقفه في الاشتباك مع برنامج حكومة اليمين الإسرائيلي، لا بل مع الغطاء الذي توفره إدارة البيت الأبيض والكونغرس ولجانه لمشروع اليمين الإسرائيلي الآن في اتجاه مسار يبدو أنه بات ملحاً، وهو أوراق الدبلوماسية العنيفة. طبعاً، قال الصفدي مبكراً إن بلاده ليست بصدد اشتباك عسكري مع إسرائيل ولا أحد يطالبها بذلك.
حتى في الاحتجاجات والمقاربات الداخلية لا أحد يتوقع حرباً مع الإسرائيليين، لكن الجميع في حالة توقع مرتبطة بارتفاع مستوى الاشتباك مع الخطر الصهيوني، كما يسميه القطب البرلماني خليل عطية، الذي أصبح الصدام معه، أردنياً وبعيداً عن معادلة الشعب الفلسطيني، حتمياً وإلى حد كبير. من هنا ثبت بالوجه القاطع عملياً، أن البقاء في إطار النافذة الدبلوماسية عن بعد مع دولة مثل إيران في المنطقة قد لا يعود منتجاً بعد الآن. والسبب أن الإطاحة بتقاليد العزلة الدبلوماسية والسياسية مع طهران يعبر ولو مرحلياً إلى حد ملموس عن مصالح أردنية حيوية بعيداً عن الصراعات بين إيران وإسرائيل والملاحظات الأمريكية على الإيرانيين.

معادلة أمنية عميقة

والاحتياج ملح وبسيط جداً، كما ينبه النائب عطية، وهو أن حماية الحدود الأردنية مع سوريا والعراق قد تتطلب علاقات طيبة وإيجابية ومعقولة ومتزنة مع جمهورية إيران الإسلامية؛ بحكم نفوذها الكبير سواء داخل أو في وسط الحوثيين في اليمن، وعلى ممرات البحر الأحمر، أو في العمق السوري والعمق العراقي.
ثمة معادلة أمنية عميقة أردنياً تتطلب طرق باب طهران اليوم بين الحين والآخر، وليس حصراً عن طريق بعض الأوساط القيادية في الحراك الشيعي العراقي كما كان يحصل بالماضي. وتلك قناعة يبدو أن رائد الدبلوماسية البرلمانية رئيس مجلس النواب الأردني أحمد الصفدي، قد وصل إليها مؤخراً -كما تفهم «القدس العربي»- وغيره من كبار السياسيين والمسؤولين.
بقاء الأبواب وليس النوافذ فقط مفتوحة مع الإيرانيين يعني الحفاظ اليوم على الأمن والاستقرار الأردني ولو من باب الفلسفة الدبلوماسية التركية المشهورة القائلة إن «النوم مع الزوجة الشريرة في غرفة واحدة يضمن سلوكها». ذلك طبعاً في باب الاحتياط لمنع طموحات المجموعات الشيعية المسلحة بالقرب من حدود الأردن مع العراق، أو حدوده مع جنوب سوريا، من محاولة القفز على الاعتبارات الأردنية عندما يتطور أو يتوسع الصراع والعدوان الإسرائيلي العسكري. وهي مسألة اكتشفت عمان أنها تحتاجها عندما تجمع الآلاف من الشيعة العراقيين على الحدود مع الأردن ورفعوا شعار الرغبة في فتح الحدود للجهاد على الحدود الأردنية الفلسطينية المحتلة، ومن خدم عمان هنا أحد مستويات حزب الله اللبناني.
في الحالة الأمنية الوطنية، قد لا يكفي بعد الآن البقاء في مصافحات الكوريكادور.. وأحد المسؤولين قال لـ«القدس العربي»: «يبدو أن صالات المطارات ينبغي أن تفتح في العاصمتين». احتياجات الأردن الأمنية في ميناء العقبة على البحر الأحمر وعلى الحدود مع سوريا والعراق أصبحت أو ستصبح ملحة جداً ولا يكفي معها «الاستعانة بصديق عراقي» فقط، والانطباع يزحف بأن معايير الاتصال المباشر يجب أن تتسع وتزيد، خصوصاً أن الشارع يرغب في ذلك بشدة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى