اراء و مقالات

مأدبا – صويلح – الصحراوي: “كريسماس فرنسي” بالدم الغزاوي

المسافة بين ضاحية “صويلح”، غربي العاصمة الأردنية عمان ومدينة مأدبا لا تحتاج بالسيارة لأكثر من 20 دقيقة، لكنها، وفقا للسياسي الأردني الدكتور ممدوح العبادي، مطابقة جغرافيا لمساحة قطاع غزة طولا.
والمسافة في السيارة قد تبلغ 10 دقائق، بدون زحام، بين صويلح نفسها وضاحية “العبدلي”، وسط العاصمة.
نفهم من العبادي، وهو يناقش زميلنا في برنامج “نيران صديقة” هاني البدري، عبر تلفزيون “عمان” أن تلك المسافة هي “عرض القطاع المقاوم”.
ليس سرا أن العبادي، وعبر برنامج البدري التلفزيوني، قرر بطريقة مبتكرة جدا، الرد على سؤال “خواجات النخبة”: هل يستطيع الأردن رد عدوان إسرائيلي؟
بعيدا عن كاميرا البدري قرر المتحدث نفسه في محاضرة له الإجابة على سؤال افتراضي آخر. “قد يقول بعضكم كيف سنتصدى”؟ وأزيدكم “المملكة الأردنية الهاشمية أكبر من غزة بالمساحة والسكان  والموارد، ولديها جيش ومؤسسات عريقة، وسبق أن هزمت جيشهم بمعركة الكرامة”. هل معقول أن قطاع غزة البطل  المحاصر يستطيع التصدي لأكثر من 80 يوما ونحن في الأردن لا نستطيع؟

تسليح الشعب

حساب “مساحات الجغرافيا” كان ملاذا ذكيا للعبادي، داعية “تسليح الشعب”، بما في ذلك بناته وأحفاده.
وما يظهر من فرد فضائية “المملكة” تحديدا لمساحة بث واسعة لحواريات المستقبل أن الأردن الرسمي “قلق ويستعد لأسوأ سيناريو في مواجهة أصبحت مفتوحة” مع الأطماع الإسرائيلية.
أكثرت فضائية “المملكة” مؤخرا من استضافة “العقلاء الراشدين”، دعاة السلام  والتعايش والإقرار بقوة وقدرات الإسرائيلي. إنهم انعكاس لشريحة “الخواجات”، الذين يساهمون في “تضليل الشعب والقيادة”.
في المقابل، غابت فجأة عن كاميرات تلفزيون الحكومة تلك المجازفات الصغيرة، التي واكبت بداية العدوان، فشاشة الحكومة خالية تماما في تغطياتها منذ مدة شهر تقريبا من ممثلي تلك الأصوات التي تطالب بدعم المقاومة وتعزيز الجاهزية لمنع “التهجير”.
شخصيا، أصفق لنشرة أخبار الثامنة إياها، وهي تتحدث بتوسع عن “اختراقات المساعدات الأردنية” للحرب والحصار، وبطريقة فعالة ومبهرة، لكن “نفسي ومنى عيني”  ولو مرة واحدة مشاهدة برنامج حواري على الشاشات الرسمية يتوسع في التفصيل حول دلالات قصف إسرائيل للمعابر والمستشفيات الأردنية!
أحد الفتحاويين الكبار اقترحت عليه تدبير مقابلة مع التلفزيون الأردني، لكي يقول السيناريو، الذي يؤمن به ضمن معادلة “التهجير في الضفة الغربية يحصل.. العدو يتربص مملكتنا، والأردن يمكنه وسط الحدث أن يولد من جديد”.
قلت شيئا مماثلا، عبر محطة “اليرموك” المحلية ولم يسألني أحد.

أزمة “فلاتر” و”كريسماس” فرنسي

والسبب أن “الولادة من جديد” تحتاج لطاقم ممرضات، وقابلات مع الخبرة اللازمة، وقصدي أن هؤلاء المغرقين بالإيمان أولا بالسلام التطبيع، وثانيا بـ”القدر الأمريكي”. وثالثا بأن “الأردن لا يستطيع فيما غزة الجائعة المحاصرة المنهكة تستطيع”. هؤلاء بكل بساطة ينبغي أن يخف عددهم على زحام دوائر القرار والوظائف.

نحتاج “فسحة ومساحة” لأصوات الرأي الآخر من وطنيين وخبراء وعميقين، تسمح لنا كأردنيين فورا باستعمال “قوتنا”.
ثمة دليل إضافي على ضرورة “وجود فلاتر”، لديها منقوع خبرة وجرأة إدارية، فعلى سبيل المثال لا الحصر، كان يمكن الاستغناء عن المشهد، الذي لطمتنا به فضائية “رؤيا” مجددا، وهي تزرع على موقعها الإلكتروني شريط الفيديو المصور لاحتفال الرئيس إمانويل ماكرون بالأعياد وسط جنوده في قاعدة عسكرية على الأرض الأردنية.
في الشريط استعرض ماكرون “ضيفنا الغالي” حرس الشرف، وسط عتمة “صحرائنا”، وأنشد للجمهورية وسط جنوده، ثم قرع كأس الشمبانيا برفقة زجاجات “النبيذ الفرنسي الفاخر”، ومارس كل طقوس “الكريسماس” الفرنسية بين جمهوره، وعلى أرضنا، فيما كان مراسل “الجزيرة” النشط، الذي يتنقل شمالا على دراجة هوائية، بالمناسبة ينقل لنا شاهد عيان يروي “هكذا سحقت جرافة إسرائيلية 3 نساء حوامل، بالقرب من تل الزعتر”.
إنه ببساطة “كريسماس فرنسي بالدم الغزاوي”، وما دام “ضيفنا” قرر الاحتفال في بلادنا، لو تواجدت فلاتر خبيرة لأبلغت مرافقيه وبروتوكوله أن “ظروف الشعب الأردني” النفسية لا تسمح بـ”تصوير احتفال من هذا الصنف وبثه”، عبر شاشات فرنسية حتى تلتقطه فضائية “رؤيا” وتبثه وتلطمنا.
كان يمكن ببساطة لـ”حصيف إداري ما” أن يخاطب طاقم الرئيس ماكرون بصيغة “مرحبا بكم. احتفلوا، لكن تفضلا وليس أمرا احتفظوا بتصويركم وأشرطتكم، لأن قنابلكم الذكية وبوارجكم لا تزال تفتك بالنساء والأطفال في غزة”!

تلك وظيفة “فلاتر إدارية”، ولا علاقة لها بـ”إحراج البلاد” مع ضيف فرنسي كبير.

مدير مكتب “القدس العربي” في عمان

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى