اراء و مقالات

إيران في «الأنف الأردني» قسراً… و«الجيوسياسي المتغير» يضرب «دبلوماسية الفزعة» و«المكابرة» على المحك

عمان – «القدس العربي» التقط الصحافي الأردني المخضرم محمد التل، ما هو جوهري في أصل المسألة عندما نشر يقول بضرورة “وقف دبلوماسية المجاملات على حساب المصالح الوطنية بعد الآن”.
التل واحد من إعلاميين كبار ونخبة من السياسيين أكثر حاولوا جميعاً التعليق على مجريات الحدث الذي فرض بقوة اليوم على دوائر صناعة القرار خصوصاً في السياق الدبلوماسي مستجدين في غاية الأهمية:
الأول هو تأمل وقفة في الخطاب والأداء الدبلوماسي، خصوصاً مع دول الجوار والإقليم تحت عنوان المراجعة الضرورية. وهي مراجعة باتت مطلباً مصلحياً ووطنياً برأي الخبير السياسي والاقتصادي البارز الدكتور محمد الحلايقة، الذي كان قد اقترح عبر “القدس العربي” في وقت مبكر مثل تلك المراجعة في إطار التموقع الجيوسياسي الجدي والتحولات التي تجتاح المنطقة.
أما المستجد الثاني فيفرض إيقاعه بصخب أكثر سياسياً، وهو ذلك المتعلق حصراً باختبار شرس تمر به الآن الذهنية الدبلوماسية السياسية الأمنية المرتبطة بتقييم العلاقات مع إيران.
في المستجد الأول طبعاً آراء منثورة منذ أسابيع تسأل عن جدوى وإنتاجية حراكات واتجاهات بوصلة الدبلوماسية الأردنية. وكانت طوال الوقت تسأل عن أسباب وأسرار ضعف بنية علاقات الأردن مع دول مجاورة مهمة من بينها إيران، وضعف وهزالة مناورات الاختراق مع النظام السوري.

زاد معدل التساؤل

زاد معدل التساؤل هنا بقسوة بعدما سمي بـ “قمة العقبة الأمنية” التي ولدت عبثية وانتهت بعدمية سياسية على مستوى المكاسب، قبل أن تجهضها قبل غيرها حكومة اليمين الإسرائيلي، فيما كان السياسي العتيق طاهر المصري يسأل مرات ومرات أمام “القدس العربي” عن مخاطر وكلفة الانخراط التام بالترتيبات الأمريكية ثم الإسرائيلية، بما في ذلك الجزء المتعلق بإيران.
أشار مبكراً إلى أن الأحوال في العالم والإقليم تتغير وتتبدل، والأردن جيوسياسياً سيكون معرضاً للضرر إذا لم يقرأ البوصلة بتعمق؛ بمعنى الاستثمار المباشر في مساحات المناورة التي تتاح حتى لدولة حليفة للولايات المتحدة الأمريكية. كلفة الانخراط التام مقلقة برأي المصري، لكن كلفة عدم استغلال المساحات في السياق الدبلوماسي قد تكون أكبر، حيث التحولات كثيرة وكان آخرها صادم تماماً وبشكل ملحوظ للأوساط السياسية والنخبوية الأردنية بعد الإعلان الصيني للاتفاق السعودي الإيراني الجديد. وهو اتفاق له بالتأكيد تأثيرات مباشرة على خارطة المصالح الأردنية الإقليمية، فطوال الوقت سمع في بغداد رئيس مجلس النواب أحمد الصفدي من أركان البيت الشيعي العراقي عندما زارهم مرتين مؤخراً تلك النصائح المعتدلة التي توصي عمان بخطوات دبلوماسية منفتحة قليلاً تجاه إيران ليخف الضغط في بغداد عن مشاريع الشراكة الاستراتيجية ولتصبح العلاقات الأردنية العراقية المصلحية مسترخية أكثر.
لكن ذلك لن يتاح ببساطة؛ فمع إدراك المؤسسات الأردنية الرسمية ضرورة البقاء في حالة اتصال أو تواصل مع الإيرانيين ولو من باب اعتبارهم جيراناً كباراً ينبغي تجنب إعلان العداء معهم، بقي ملف العلاقة مع إيران رهناً باجتهادين في عمان.
الاجتهاد الأول دبلوماسي خالص، ويقوده تكنوقراطياً الجناح الذي يؤمن وبحماسة بضرورة البقاء في أبعد مسافة ممكنة عن إيران، لأن نواياها تجاه الأمن والاستقرار الأردنية سيئة، ولأن برمجة البقاء في التحالف مع الولايات المتحدة وفي التقارب مع إسرائيل تطلبت طوال الوقت بقاء الأردن بلا سفير في طهران ولأكثر من 7 سنوات مؤخراً.
والاجتهاد الثاني أمني بامتياز؛ بمعنى أن الرؤية الأمنية الأردنية لا تزال في أقصى طاقات التحفظ والاحتراز عندما يتعلق الأمر بالابتعاد أو الاقتراب من الإيرانيين، حيث سجلات في الأرشيف قد تبرر المخاوف الأمنية الأردنية، لكنها قد لا تبرر عدم المحاولة في البقاء والجفاء، مع أن مصالح أساسية وحيوية على المحك.
طوال السنوات التي أعقبت الأحداث الأخيرة في سوريا ومنذ عام 2011، يطالب وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي إيران علناً بخطوتين: الأولى وقف تدخلاتها بدول الجوار العربي، والثانية إبعاد قوة الحرس الثوري جنوب سوريا والمجموعات المسلحة الموالية لها لمسافة جغرافية تضمن أمن حدود بلاده.
تعب العراقيون تحديداً طوال سنوات وهم يقنعون الأردنيين بأن المجموعات الإيرانية المسلحة في الجنوب السوري موجودة من أجل إسرائيل ولن تكون في أي حالة معنية بالاقتراب من حدود الأردن.
وتعب سياسيون أردنيون، في المقابل، وعلى مدار سنوات وهم يحاولون إقناع الجناح الدبلوماسي المتشدد في حكومتهم بأن دول الجوار العربي التي يقول الوزير الصفدي من أجلها بعدم التدخل فيها، فتحت مساحات واسعة من التنسيق والاتصال مع الإيرانيين، الأمر الذي يشرح ويوضح ما قاله علناً صحافي من وزن التل وهو يطالب دبلوماسية بلاده بوقف ميزان المجاملات لأن الدنيا تغيرت والأحوال تبدلت.

المجاملة أساسية وكبيرة

حتى في جزئية سحب السفير الأردني قبل 7 سنوات لا بل تعيين سفير وعدم إرساله إلى طهران آنذاك وحتى الآن، كانت المجاملة أساسية وكبيرة بالنسبة للسعوديين.
لكن في منطقة قريبة من رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، كان تفسير اتجاهات قراءة البوصلة الأردنية يشير دوماً إلى أن ما تستطيع دول مثل مصر والمملكة العربية السعودية اتخاذه من قرارات ليس حكماً تستطيع المملكة اتخاذه؛ فالظروف والاعتبارات مختلفة، والمسألة تختص بالتوازنات المصالحية والثقل والقدرات والإمكانات.
رغم ذلك، كان الخصاونة شخصياً وعلناً أول من ندد بنظرية المؤامرة الشريرة التي تضمرها إيران للأردن، في تصريح متلفز وشهير أكد فيه علناً عدم وجود وتسجيل أي حالات حاولت فيها إيران أو مجموعات موالية لها المساس بأمن الأردن الداخلي.
كان تصريح الخصاونة آنذاك صاخباً، وسألته “القدس العربي” عن المسوغات والخلفيات، لأن الرواية هنا اختلفت ومن أعلى الهرم الحكومي الأردني، فيما بقي وزير الخارجية يحذر الأردنيين قبل أن تتبدل اللهجة الأردنية في الزيارة التي قام بها وزير الخارجية مؤخراً إلى دمشق.
بالمقابل، الصدمة التي التقطت في عمان أمس الأول بعد الاتفاق السعودي الإيراني المباغت، تضغط على كل الأعصاب الحيوية وبتوقيت لا يناسب الأردنيين في الواقع اليوم لكي تقرر الدبلوماسية محلياً مسارها واتجاهها في مسألة العلاقات والتطبيع مع إيران بعد السابقة السعودية الخطيرة المهمة.
كيف ستتصرف عمان؟ هل سيتم فجأة اتخاذ القرار المؤجل بتسمية وإرسال سفير إلى طهران، أم ستبرز “المكابرة” مجدداً؟

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى