اراء و مقالاتمقالات وآراء

الأردن: بعد تطويع الظرف «الوبائي» لصالح «الدستوري»… هل تجري الانتخابات بلا ناخبين؟

 هي على الأرجح عملية تطويع غريبة وغامضة الأسباب نسبياً للصحي والفيروسي لصالح الانتخابي والدستوري. ويمكن فهم سلسلة قرارات وتأكيدات الحكومة الأردنية مساء الأحد على هذا الأساس وسط استمرار الضجيج والجدال الذي يثيره سؤال الانتخابات المقررة في العاشر من تشرين الثاني/نوفمبر الحالي حكماً وقسراً وبصرف النظر عن الاعتبارات الوبائية.
مسؤولان على الأقل في المستوى الدستوري استرسلا في حسم الجدل، فالانتخابات ستعقد في موعدها لا ريب، والتوجيهات واضحة في هذا السياق، وتساؤلات الشارع والنخب لا مكان لها، والمطلوب من الجميع في السلطة والشعب الالتزام بالمقتضيات الصحية على هذا الأساس. قالها رئيس الوزراء الدكتور بشر الخصاونة، واضحة الملامح: ستجرى الانتخابات في الاستحقاق الدستوري المحدد. وقالها رئيس الهيئة المستقلة لإدارة الانتخابات الدكتور خالد الكلالدة، عندما أعلن بأن الانتخابات المقررة على الجدول الزمني، وليس صحيحاً أن مسألة التوقيت خاضعة للنقاش إطلاقاً.
يعني ذلك أن الملاحظة التي يتقدم بها مراقبون سياسيون، من بينهم مروان الفاعوري والتي تسأل عن سر التمسك بإجراء الانتخابات، ليست بصدد التأثير على السياق الرسمي. كما يعني ضمنياً بأن الانتخابات ستجري حتى بعدما صرح وزير الصحة الدكتور نذير عبيدات بأن الأمور بخصوص الفيروس كورونا في المملكة تتجه إلى المجهول.
بسبب الوضع الفيروسي المقلق، صعد نخبة من كبار المسؤولين، بينهم الرئيس الخصاونة، إلى منصة مؤتمر صحفي في جرعة متلازمة تظهر تكشيرة بيروقراطية بعد الآن إزاء أي محاولة في المجتمع للتفريط بالتباعد الاجتماعي، لكنها تعيد تذكير الجميع أيضاً بأن الانتخابات ستجري في موعدها.
لا يريد الشارع الأردني انتخابات، لا بل يعبر المواطنون في منصات التواصل عن عدم الحاجة لوجود مجلس نواب أصلاً، وعلى «فيسبوك» يؤكد سامح المدني للحكومة: .. نتبرع لكم بالمجلس والتمثيل، ونرجوكم لا نريد انتخابات، ونتسامح بها. لكن هذا الصوت أيضاً غير مسموع مع أن كل التقارير تقول بأن نسبة التصويت ستكون متدنية ولعدة أسباب أهمها مخاطر الفيروس وفوبيا المجتمع من الوباء. وإصرار الحكومة على الانتخابات ينتج بلبلة واجتهادات. لكن الملاحظ أنه وصل إلى مستوى الإعلان، قبل تسعة أيام من يوم الاقتراع، عن حظر تجول شامل لأربعة أيام مباشرة بعد ساعة من إعلان نتائج الانتخابات في العاشر من الشهر الحالي.
لا مجال لأي قراءة تستنتج اتجاهاً معاكساً، فصباح الاثنين يستيقظ الأردنيون على حقيقة دستورية تصر على إجراء الانتخابات وعلى محطة أساسية في الاستحقاق الدستوري، يتسامح بها المواطنون هذه المرة وتصر عليها الدولة، في مفارقة أردنية اجتماعية بامتياز؛ فلا أحد في المجتمع مهتم اليوم لا بالنواب ولا بالديمقراطية أصلاً، والتسامح كبير تجاه مسألة التمثيل.
والمطلوب حصرياً من الحكومة مواجهة الوباء والتخفيف من حدة الوضع المعيشي والاقتصادي الصعب فقط لا أكثر. هنا أيضاً أصوات لا تسمعها الحكومة ولا هيئة الانتخابات، والأردنيون -على طريقة السياسي والبرلماني المعروف الدكتور ممدوح العبادي- «يساقون إلى انتخاباتهم بالسلاسل ضمنياً». طبعاً، يحصل ذلك على الأرجح لسبب، فقد اتخذ القرار مبكراً بأن لا يعرقل الوباء الخطط الدستورية، وبأن تستمر الحياة بثقة، وبأن تولد مؤسسة برلمان وسط الظروف الصعبة والمعقدة وبعد كل عمليات الهندسة التي تتطلبها انتخابات عامة تنتهي ببرلمان خاضع مسبقاً، وأيضاً بعد -وهذا المهم- إقرار كل الاحتياطات الوبائية الصحية اللازمة التي توحي ضمنياً هذه المرة بأن الانتخابات ستجري بدون حملات انتخابية معتادة، خصوصاً في الأطراف والمحافظات.
وستجري بدون تجمعات وإجماعات وحتى بدون مناسف وحلويات، لا بل تجري الانتخابات لموسم 2020 بدون تحركات لمرشحين. وإذا ما استرسلت المخاوف الوبائية والضائقة الاقتصادية وعمليات الهندسة عن بعد، يمكن القول بمفارقة أخرى غير مسبوقة، فالنسخة الجديدة من الانتخابات تكاد تجري وتنجز بدون ناخبين أو بالحد الأدنى منهم، وذلك أضعف الإيمان، ارتباطاً بفلسفة يهمس بها علية القوم خلف الستائر وتقول بأن مجلس النواب القادم ضرورة ملحة جداً ولديه وظيفة أساسية تبرر كل تلك المعطيات.
صعب عملياً تخيل تلك الوظيفة خارج سياق ما يصدر من رحم التحول الإقليمي الحاد، فالأوضاع تصطف وتتغير، ونتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية ستفرض بصماتها على الجميع، ومشاريع الاقتصاد السلمي تعيد تشكيل خارطة الشرق الأوسط، والأردن ومصالحه وسط المعمعان.
ذلك واضح ويعرفه المراقبون وصناع القرار، والفيروس كورونا يبدل في كل المعطيات، ومحطة البرلمان على الأرجح إجبارية وتساعد في احتواء ما ينبغي احتواؤه.. على الأقل تلك هي الأسباب اليتيمة في السوق المرشحة لفهم الإصرار على تطويع الوبائي لصالح الانتخابي.. والله دوماً وطبعاً أعلم.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى