اراء و مقالات

تعليم عن قرب: «طنجرة ملفوف» و«شبشب» تحفيزي… «يا حلاوة» في مصر و«حقبة النفط» بدأت في الأردن بـ«قنينة»

انشغلت تماما النسخة المصرية المباشرة من “أم بي سي” بوزير التعليم الفني وهو يقولها بضمير مرتاح وبلا تلعثم “إحنا أنجزنا كل المطلوب لشعبنا في التعليم عن بعد والامتحانات مجرد “تقييم” مش أكتر”.
صاح الزميل عمرو أديب لحظتها “يا حلاوة”. بصراحة كمشاهد لم أفهم المقصود بحلاوة أديب، فهل صاح ابتهاجا بما يقوله وزيره أم صرخ ساخرا.
على كل حال يخبرني صديق مصري موثوق أن “العيال التلامزة” في النجع والأطراف وقرى الصعيد لم يشعروا بالفرق ولا بالإنجاز ولا يعرفون الوزير أصلا ولا يصلهم بث عمرو أديب كذلك.
الغرف الصفية أصلا كانت “تدلف” والمدرسة كانت قبل “الإلكتروني عن بعد” ليست أكثر من “فسحة ولعبة”، مشيرا – وأقصد الصديق – لأن “الإنترنت” ليس متاحا لكل “العيال” في كل المحروسة، مما يدفع لسؤال لم يطرحه عمرو أديب على ضيفه الوزير “معاليك فخور بإيه بصورة محددة؟”!

حذاء تحفيزي

في عمان يختلف الأمر طبعا فشبشب “الأم” يوضع تماما في لوحة كاريكاتورية إلى جانب الـ”لاب توب” تمجيدا للتعليم عن “قرب” ولتفعيل النشاط على الشبكة، فمعلم متقاعد من الذين يتابعون بشغف حوارات فضائية “المملكة” بخصوص الامتحانات الأخيرة طرح سؤالا تعجيزيا: إنترنت ينقطع أحيانا. وطلاب يستعيرون شاشة كومبيوتر الجيران مع العصا أو الحذاء و”طنجرة ملفوف” على الغاز رائحتها تفوح. هل هذه وصفة التعليم العصري الأكثر إبداعا؟
تذكرت هنا عبارة عمرو أديب الخالدة على الهواء مباشرة “ألله يا أم مصطفى على حلة كوسا محشي”.
في المقابل المذيع النشط في حواريات فضائية “المملكة” الأردنية عامر الرجوب وبعد جدل امتحان الفيزياء الأخير يكاد يستحلف بـ الله ضيفه مؤلف منهج الفيزياء للتحدث بصراحة فيتدفق المختص: 50 سؤالا بنظام الاختيار من متعدد. 16 منها يجيبها الطالب الدارس و4 الطالب المجتهد والبقية وهي 30 سؤالا لن يجيبها إلا طالب ذكي جدا ومتميز وبعد عام كامل من “التعليم الوجاهي”.
لم ينتبه الضيف إلى أنه يسيء بمقولته لـ”التعليم عن بعد” ولرموز “تزهو بكم المناصب”، حتى أني شخصيا خطر في ذهني ما يلي: أربعة وزراء للتربية والتعليم في بلادي خلال نحو عامين. متى أصبح نظامنا التعليمي عن بعد متميزا جدا؟
رغم ذلك وزارة التربية ضربتها “طناش”، وأبلغت الشعب بوجود “100عبقري فيزيائي” من التلاميذ حصلوا في مادة الفيزياء على علامة “100 في المئة” وإذا رافق هؤلاء “قنينة النفط” الشهيرة نتوقع مستقبلا زاهرا للأردنيين بإذن إلله.

فوبيا الفيزياء والتوجيهي

عموما، على شاشة “رؤيا”، وبعد امتحان الفيزياء إياه من شريحة “تنذكر وما تنعاد”، وعلى طريقة العرض السريع دموع وفتيات منهارات ومعلمات غاضبات ومختص فيزيائي يحلف أغلظ الايمان بأنه سيدفع 70 ألف دولار لواضع أسئلة الفيزياء، إذا قام بحل الأسئلة خلال 6 ساعات، مشهدا الله والشعب على ما يقول.
ما أعرفه في السياق أن امتحان الثانوية العامة يخيف المجتمع ويربك الدولة، فقد مآثره الطيبة، ويتسبب في قلق قوات الدرك، وأصبح من الماضي وينتمي لعهد التعليم عند صوبة الكاز قرب طنجرة الملفوف “التحفيزية”، ولا بد من دفنه والتراجع عنه!
في المناسبة نفسي أفهم: الشعوب المتقدمة التي طلعت على القمر وتملك النووي وتتفوق علينا في مصر والأردن في كل شيء، كيف استطاعت إنجاز كل ذلك بدون “توجيهي” وكنافة ومناسف ومواكب احتفال وقتلى، جراء رصاص الابتهاج بالنجاح؟
كيف أنجزت دون إعلان أمني يسبق النتائج يشرح للناس “الخطة الأمنية” يوم إعلان النتائج؟!أسئلة صعبة بالتأكيد.
لكن للتذكير، وعلى سيرة المناسف، لا بد من الإشارة إلى التطور الاستثنائي الحاصل، فمقابل “دينار واحد” فقط الآن تستطيع الحصول على “كأس منسف” قوامه حفنة رز مصرية ولحسة لبن سوري وقطعة لحم صغيرة هندية وعبوة بلاستيك مصنوعة في الصين والعنصر “الوطني” اليتيم هنا هو “الملتهم أو الزبون” الراغب بالمذاق المدهش خلال وقوفه في سيارته على الإشارة الضوئية.

حافة نكتة سياسية

طبعا، شاشة التلفزيون الأردني وهي تغطي لنا حدثا مهما له علاقة بـ”تطورات بئر حمزة” كان لها رأي قريب من فكرة “المنسف بالكاسة”، حيث “النفط بزجاجة” لإبلاغ الشعب بارتفاع كمية النفط المستخرجة إلى “2000” برميل، عل الله يباركها ويضاعفها.
وحتى لا تفهمني وزيرة الطاقة – أعانها الله – بصورة خاطئة لا بد من الإشارة إلى أني أرى في “زجاجة النفط” التي أهديت لرئيس الوزراء حركة “حلوة ورشيقة وناعمة وطرية”.
عمليا، مشوار “الميل النفطي” يبدأ بـ”قنينة”، ورغم عاصفة السخرية الشعبوية لا يوجد ما يعيب في إهداء كل مواطن قنينة مماثلة، ومعشر المسؤولين الكبار عليهم التعود الآن على “السخرية الشعبية” من كل صغيرة وكبيرة، فلا أحد منذ عقود يصدق الحكومات، والشعب الطفران المضغوط ينفذ معايير “التفريغ” عبر السخرية. جميع الكاميرات كانت في المكان، لكن الوزيرة هالة زواتي بدت منتعشة ومتحمسة على كاميرا فضائية “رؤيا”، وهي توزع الابتسامات وتتحدث عن الحقبة النفطية.
المطلوب الأهم فهم ذلك الجنوح المرعب نحو “حافة النكتة السياسية”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى