اراء و مقالاتمقالات وآراء

إسماعيل هنية: حماس تجاوزت ثلاثة «كمائن استئصالية»… والعودة لاحتلال غزة «فكرة من الماضي»

 

 يميل الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية إلى قراءة جولته الحالية الخارجية التي بدأت في اسطنبول بعد اكثر من عامين ونصف من العزلة في القطاع المحاصر بصيغة أبسط بقليل من «المتغير الإقليمي». يشكر الشيخ هنية السلطات المصرية على إيجابيتها المتنامية ويأمل عبر سلسلة من التفاهمات بين الحركة والجانب المصري بتجاوز مرحلة كانت صعبة من الحساسيات وانعدام الثقة. ويعتقد بأن السلطات المصرية هي التي تحدد تفصيلات الأمن القومي المصري ويصر على أن حركة حماس لم تكن يوما لا في الماضي ولن تكون في المستقبل إلا في الاتجاه الذي يحافظ على أمن واستقرار مصر والأردن وجميع الدول العربية، متصورا بأن وجود خلافات لا يعني انعدام الثقة.
ثمة تحليل لا يريد هنية الالتفات إليه كثيرا يعتبر مغادرته مؤخرا بضوء أخضر مصري للقيام برحلة خارجية جزءا من الحسابات الإقليمية المصرية الناتجة عن تجاذبات مع بعد المصالحة مع دولة قطر، وما يهمه ليس الغرق في التحليلات والتكهنات بل البناء على تصور ناضج للمصلحة والأمن يوفر الحماية للشقيق المصري وللمواطنين في قطاع غزة المحاصرة وعلى أساس الاحترام المتبادل. أي انفراج له علاقة بالحدود وحركة حماس وقادتها مع المسؤولين في مصر مرحب به ويستوجب الشكر هذا ما يهتم به الشيخ هنية الآن وهو يشير إلى أن معبر رفح كان يفتح لمدة 12 يوما في السنة لكنه يفتح أكثر بكثير الآن وإن كانت الحركة بطيئة في خطوة لا بد من الامتنان لها والبناء عليها مستقبلا حيث حركة حماس منفتحة للتحدث والتفاهم أيضا مع المسؤولين في مصر بعد مرحلة صعبة يعتبر الشيخ هنية أن وسائل إعلام هلامية بائسة في الخطاب والأداء ساهمت في إنتاجها.

حوار مع الأشقاء

يتطلع هنية إلى خطوات أكثر تقاربا مع المصريين وإلى التزامات قدمت لهم وإلى واجبات في الاتجاهين، ويعتبر وجود حوار أصلا مع المؤسسة المصرية خطوة تقدرها الحركة التي تأمل اليوم بحوار مماثل مع الأشقاء في الأردن أو حتى مع جميع الأشقاء العرب والمسلمين وفي أي مكان.
على هذا الأساس يبتسم الشيخ هنية وهو يؤكد أن وجوده في اسطنبول أو في أي مكان آخر متاح لشعبنا الفلسطيني ليس جولة سياحية فهو والحركة مجندان لخدمة آمال الشعب الفلسطيني بالحرية والكرامة في مواجهة عدو يحتل الأرض ويستهدف الإنسان ويعرف العالم اليوم حجم بشاعة جرائمه التي ارتكبها سواء بحق أهلنا في قطاع غزة أو بحق الشعب الفلسطيني في كل مكان.
لا يجد هنية ما يمنعه من التعبير عن أمله في أن يزور عمان أو حتى أي عاصمة عربية . «لست سائحا، ولست في جولة استرخاء، وأقوم بواجبي». هذا ما يقوله هنية عن رحلته الجديدة بعدما غادر قطاع غزة في طريقه إلى اسطنبول ثم موسكو وكوالالمبور على الأرجح وحتى الدوحة وطهران أو غيرهما حسب المعطيات والظروف.
وشارك عدد من قادة حركة حماس وأعضاء المكتب السياسي في الحوار الذي حضرته «القدس العربي» في اسطنبول خلال استقبال هنية لها وللناشط الأردني مروان الفاعوري.
في الموقع كان التعب باديا على ملامح هنية من كثر استقبالات المصافحين والمتسائلين وفي بعض الأحيان الفضوليين.
في الجوار القيادي خليل الحية يشرح تفصيلات قصة المستشفى الأمريكي المثيرة للجدل، وقيادي آخر يطلق نكتة سياسية عميقة لها علاقة بعاصفة الشروط التي طلب الرئيس عباس من حماس الموافقة عليها في ملف الانتخابات. وتقول النكتة: كنا نضحك وملتزمون بقرار الحركة حتى جاء أحد الإخوة قائلا ينبغي أن نستمر بالموافقة على كل شرط حتى لو طلب الرئيس انتخابات على مقاس اوسلو.
تلك طبعا كانت محاولة أعمق لتحديد بوصلة حركة حماس من الانتخابات التي قال الرئيس عباس إنه سيجريها. وبالنسبة للشيخ هنية قررت الحركة الرد بإيجابيه على كل الاشتراطات التي وصلت. وأبلغنا بالموافقة على ما يوافق عليه الرئيس إلى أن طلب منا ردا مكتوبا وتم إرساله بالفعل ولم نتدخل بأي نص أو تفصيل إلا في بند صغير كان يحيلنا إلى اتفاقية اوسلو فاقترحنا على الإخوة في السلطة وضعه في المقدمة والديباجة وليس كنص مستقل ووافق الرئيس.
في ملف انتخابات التشريعي فإن لدى الحركة قناعة بأن خطة البعض كانت تقضي بأن تعلن الرئاسة الانتخابات فتعلن إسرائيل رفض إجرائها في القدس وتعلن حماس رفض إجرائها في غزة فتجري على مقاس الضفة الغربية، ويقال للعالم والمجتمع الدولي بأنه ثمة طرفان يعيقان هذه الانتخابات هما إسرائيل وحركة حماس.
يقر هنية في هذا السياق بأن حماس منتبهة تماما لفكرة وضعها في المستوى الاسرائيلي نفسه في هذه المسالة أو غيرها، وبالتالي ترفض الحركة أصلا ومن حيث المبدأ أي مقاربة أو مقارنة بينها وبين العدو لأن تلك فكرة خبيثة بكل الأحوال، وعليه قالت حركة حماس: نعم لكل الأجندة التي تحدث بها الرئيس عباس وبدون أي اعتراض.
لكن في جانب آخر من النقاش تبدو قيادة الحركة مقتنعة بأن هذه الانتخابات لن تجري في الموعد المعلن على الأرجح وبأن الحديث عنها قد لا يكون أكثر من مجرد مناورة، لكن الحركة ستشارك ضمن سياقات ردها الرسمي المكتوب وتلتزم. هنا أيضا يتداول بعض أركان الحركة والمكتب السياسي التسريبات حول ملامح انسحاب من فكرة إجراء انتخابات التشريعي برزت من بعض المستشارين ومن بينهم عزام الهنيدي فيما يبدو أن حسابات حركة فتح الميدانية لا يناسبها السقف الزمني المطروح.
في الاستراتيجي سألت «القدس العربي» هنية مباشرة عن وضع الحركة وتموقعها فمال إلى تحليل لا تعوزه الدقة حيث أن حركة حماس تجاوزت بتحليله ثلاثة كمائن «إستئصالية» كبيرة في الآونة الأخيرة فقد صمدت المقاومة عسكريا ووطنيا وسياسيا وشعبيا إزاء سلسلة متكررة من الاعتداءات الإسرائيلية الوحشية الغازية وهنا لن تتحقق أهداف العدو في تقويض قدرات حماس وفصائل المقاومة.
في الكمين الثاني تجاوزت الحركة مرحلة معقدة وصعبة تكالبت فيها الاتهامات خلال ما سمي بالربيع العربي حين لعب الإعلام المصري وغيره دورا مبرمجا في تشويه الحقائق وشيطنة الحركة واستهدف الحركة والمقاومة الفلسطينية بطريقة شيطانية … هنا أيضا تجاوزت حماس الكمين والمأزق الاستئصالي بالإرادة والصلابة ومشيئة الله. في الكمين الثالث فرضت أطراف حربا اقتصادية لمحاصرة قطاع غزة وضربت بنية الأنفاق وكان هدف إسرائيل تأليب العالم على حركة حماس وتجويع القطاع لكن الكمين تم تجاوزه أيضا.
في الاستراتيجيات يثني هنية على الدور القطري تحديدا في دعم الميزان وفتح ثغرة تخفف من معاناة أهالي غزة حيث أن الدعم القطري هنا علامة فارقة في دعم الشعب الفلسطيني. ولا ينسى دور تركيا الجارة المسلمة لكن في الميزان الاستراتيجي نفسه يثني الشيخ هنية على دور الجمهورية الإسلامية الإيرانية في إسناد حركة حماس والقطاع ويتحدث باهتمام وحرص عن استعادة مبادرات إيجابية مع الآخر في إيران.
في الملف السوري يؤكد هنية عدم وجود أي اتصال ثنائي مع الدولة والنظام السوريين حتى الآن ويقول بأن الحركة معنية أيضا باستعادة الدفء في العلاقات مع سوريا وبتطوير آليات حوار المصالح وتجاوز الخلافات. ويقر بأن العلاقات جيدة مع حزب الله اللبناني ومع طهران لكن لم تشهد اختراقات مع النظام السوري بعد، مؤكدا أن حماس تفتح قلبها للجميع ولا تؤمن بوجود مصلحة بالخلاف والتجاذب مع أي بلد عربي أو إسلامي شقيق.
يؤكد هنية أيضا بأن العدو واضح ومحدد ويضحك مستهزئا ردا على استفسار عن مشروع سياسي أمريكي يدمج حركة حماس في صفقة القرن المزعومة. ويسال هنية هنا: إذا كان الأمريكيون يفعلون ما يفعلونه اليوم مع مجموعة اوسلو من أصدقائهم فما الذي يمكن أن يقدموه لنا نحن في حركة حماس؟

لا حوار مع الأمريكان

لا حوار ولا قنوات اتصال مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قالها هنية بوضوح مؤكدا بأن تلك سياسة وقرار الحركة وبأن الأمريكيين حاولوا التواصل مرات عدة لكن موقف الحركة هو أن التواصل غير ممكن أصلا بناء على قواعد لعبة ساذجة اسمها صفقة القرن وبالتأكيد ليس مع الطاقم الحالي الذي يدير الأمور في واشنطن.
تسأل «القدس العربي» ختاما عن مشروع إقامة الدولة الفلسطينية في قطاع غزة فقط بما في ذلك إقامة ميناء ومطار وجزيرة فيبتسم هنية مجددا وهو يقول: يمنعوننا من الصيد على شواطئنا فهل سيمنحوننا مطارا وميناء؟
يعتبر هنية ورفاقه مثل هذا الطرح ساذجا ويصلح للبسطاء، أما الحديث عن تهدئة طويلة الأمد فهو ليس أكثر من فقاعة إعلامية ولم يحصل.
لكن هنية يطلب في ختام المقابلة من «القدس العربي» أن تنقل رسالة تقول بوضوح للشعب الفلسطيني في كل مكان إن المقاومة قوية وصلبة وفي أفضل أوضاعها الآن ولديها قدرات كبيرة عسكريا ويديرها شرفاء ومجاهدون بوصلة العدو عندهم واضحة وواحدة.
يقول هنية: اطمئنوا على المقاومة. نبشركم بالخير والنصر دوما وإسرائيل لن تستطيع العودة إلى احتلال قطاع غزة بعد الآن، ولكنها تعتدي وتستطيع الاعتداء بين الحين والآخر وسترصدون الرد جميعا. ويؤكد هنية بأن المقاومة في الجزء العملياتي والاستخباري والعسكري انتقلت من مستوى «خدش العدو العملاق» إلى موقع المبادرة وإيذاء العملاق إذا ما فكر بأي جريمة بعد الآن .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى