اراء و مقالات

ما الذي كشفته في الأردن «منازلة الطوفان»؟: أصوات خبيرة لم تسمعها الدولة

الجهاز الاستشاري والبيروقراطي المحلي لا يستمع لتحذيرات أصحاب الرأي والخبرة من طبقة الخبراء ورجال الدولة الذين لا يمكن المزاودة عليهم بالولاء والانتماء.

عمان ـ «القدس العربي»: الاقتراب أردنيا من الصيغة التي اقترحها منذ عدة سنوات وزير البلاط الأسبق وأول سفير للمملكة في إسرائيل الدكتور مروان المعشر هذه الأيام قرينة إضافية على حجم الارتباك الذي تثيره مخاطر التكيف مع اليمين الإسرائيلي.

المفارقة أن من يديرون الملف السياسي من مستشارين ووزراء ومسؤولين منذ عدة سنوات يقاطعون المعشر وخبراته وينتقدونه بين الحين والآخر خلافا لأنه تم التعامل معه كما ذكر سابقا منذ عدة سنوات بسبب جرأته في النقد والتشخيص باعتباره «عدو الدولة» رغم أنه أبرز من تمكن مؤخرا من التعبير عن «شرعية الاعتدال الأردني» على منابر مجلس الأمن عندما استدعي للتحدث كخبير.
عمليا ما كان يحذر منه مستقلون ومهنيون ومعارضون من بينهم القطب البرلماني صالح عرموطي والأمين العام لجبهة العمل الإسلامي مراد عضايلة وغيرهم أصبح حاضرا وبقوة في أدبيات وخطاب الدبلوماسية الأردنية.
في توقيت سابق نصح المعشر مبكرا وقد تحدث عدة مرات بهذا الموضوع مع «القدس العربي» حصرا بأن خيار حل الدولتين انتهى وأصبح أقرب إلى أنشودة أو أغنية يمكن ترديدها بين الحين والآخر، ونصح المعشر بأن إسرائيل انقلبت على اتفاقية السلام مع الأردن وعلى الشعبين الفلسطيني والأردني وعلى السلام نفسه.
طوال سنوات بقي المعشر يردد ذلك لكن اتهم كثيرا بالمزاودة والاقتراب من المعارضة.
وفي آخر تشخيصاته قبل مداخلته المهمة في مجلس الأمن قال عبارة يمكن اعتبارها في صف العبارات الذهبية بعد تحذيره مجددا من أن حل الدولتين لا يوجد من يعمل معه على أرض الواقع في الإدارة الأمريكية الحالية، موحيا بأن ما يخطط له الإسرائيلي هو تأسيس دولة واحدة عنصرية، مؤكدا بأن هذه الدولة الأحادية العنصرية تمثل خطرا وجوديا على الأردن.
كيف تشكل دولة إسرائيل الأحادية بمعنى الدولة الواحدة خطرا وجوديا على الأردن؟
هذا السؤال تركه المعشر طبعا بدون إجابات. لكن فوجئ الجميع بأن وزير الخارجية أيمن الصفدي يستلهم ما كان يحذر منه كثيرون ان كان بلهجة مختلفة إلى حد ما بالمفردات لكنها تقود إلى نفس صندوق التحذير حيث قال: «ما تشهده الساحة الإسرائيلية اليوم هو اتجاه واضح نحو الدولة الواحدة، الأمر الذي يلحق الجميع بخيارات سيئة».
وقف الصفدي فقط عند الاستعارة المرتبطة بالأسوأ والفرضية التي تقول إن على إسرائيل ان تفهم بأن الأسوأ لن يلحق الأذى فقط بالفلسطينيين. صحيح إلى حد كبير ان الصفدي تقريبا وإلى حد ملموس وبالمقايسة والمقاربة يستخدم كلمات وعبارات ومضامين محددة سبق ان تطرق لها المعشر الذي كان لسنوات وزيرا للخارجية ويقيم علاقات تعلم عنها الدولة الأردنية في المجتمع الدولي، لكن صحيح أيضا ان الإسرائيلي ومعه الأمريكي يقدمان اليوم «أدلة واضحة» تظهر صدقية دعوة الشيخ العضايلة عدة مرات للاستعداد إستراتيجيا وعسكريا ووطنيا لـ«عدوان على المملكة» كما تظهر أهمية ما درج على ترديده السياسي البارز ممدوح العبادي وهو يدعو الأردنيين لإعادة قراءة البند الأول في «وثيقة مبادئ» حزب الليكود الحاكم والذي ينص صراحة على ان «شرق الأردن جزء من إسرائيل الكبرى».
برأي العبادي هنا لم يعد الأمر يتعلق بنص ورد في وثيقة بل بنص انتخبت حكومة على أساسه والأهم ان تلك الحكومة المنتخبة المفوضة من الجمهور تتصرف على أساس النص وما انتخبت على أساسه اليوم، والقناعة راسخة بأن من يدمر غزة لن يتردد إطلاقا بتدمير عمان وبقية عواصم العرب ما يعني وجوبا الاستعداد لـ«معركة آتية لا ريب».
تظهر تلك المفارقات بان الجهاز الاستشاري والبيروقراطي المحلي لا يستمع لتحذيرات أصحاب الرأي والخبرة من طبقة الخبراء ورجال الدولة الذين لا يمكن المزاودة عليهم بالولاء والانتماء.
ومؤخرا يقر كبار الساسة بأن معركة طوفان الأقصى كشفت كالبرد تماما عن بعض علل «أزمة الأدوات» الأردنية وعن وجود «إقصاء» غير مطلوب في مواقع أساسية أهمها شبكة مصالح الدولة في المسار الإسرائيلي.
وثمة قرائن بالجملة تعزز هذا التحليل، أهمها ما حذر منه المفاوض السابق والخبير الوطني الدكتور دريد المحاسنة الذي تحدث بإسهاب عن تفاصيل الانقلاب الإسرائيلي حتى على الاتفاقيات الثنائية.
وعندما وصلت «القدس العربي» في النقاش مع المحاسنة إلى زاوية محددة قال أيضا بان أحدا لا يسأله أو يستفسر منه.
أحد الخبراء الكبار في الملف الإسرائيلي همس في أذن «القدس العربي»: «أتجنب قول رأيي علنا حتى لا اتهم بمعاكسة الاتجاه».
وقبل ذلك درج ولسبعة أعوام السياسي طاهر المصري على التحذير من مشروع متفاعل لتصفية القضية الفلسطينية. طبعا لم يسأله أحد على المستوى التنفيذي، وعندما استفسرت منه «القدس العربي» كان يسأل: «أتحدث مع مين؟».
بالخلاصة النهائية يمكن القول إن واحدة من «أعراض المرض الإداري» التي كشفتها مواجهة طوفان الأقصى و«مسكوت عنها» حتى الآن هي تلك التي تشير لأن الخبراء جعلتهم الحكومات المتعاقبة ومعها طبقة المستشارين «غرباء يتم إقصائهم وإبعادهم» أو حولتهم إلى «أصوات مخنوفة» في المناخ الوطني لا تجيد ولا ينبغي لها أن تجيد مخاطبة الشارع والجماهير.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى