اراء و مقالاتمقالات وآراء

«ادفع وارتعب» فقط في السعودية… فانتازيا القمع: تفجير الأنف في العراق أم تفخيخه بالرائحة في الأردن؟

 

تسأل مذيعة «بي بي سي» الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي عن القاهرة، فيسترسل في الحديث عن «قاهرات».
ثمة قاهرة أيام عبد الناصر مفعمة بالمسرح والثقافة والفن والقومية، وسرعان ما ظهرت بعد الهزيمة عام 1967 قاهرة أخرى كئيبة، ثم عادت لقليل من الانتعاش في حرب الاستنزاف، قبل أن تتحول للقاهرة، التي تصادق إسرائيل في عهد السادات.
في أيام الرئيس مبارك أصبحت القاهرة «مملة» لنحو 30 عاما، قبل أن تظهر القاهرة بتاع السيد السيسي، وعنوانها «قدم السلطة في أنف المواطن»، خلافا لبقية العواصم العربية، التي تدس اصبعها فقط في أنف المواطن.
طبعا الاستخلاص الأخير لي وليس لشاعرنا الكبير.
لكن بعد حديث مباشر جمعني مع الرجل شخصيا، بدأت أفهم سر «المواطن العربي الأخنف» المخنوق المرتبك بصفة عامة .
السلطة في الحالة العربية تشعر دوما أن المواطن ينازعها مقعدها، مع أن مريد البرغوثي، يقسم أغلظ الأيمان نيابة عن المواطن العربي بأن طموحه لا يزيد عن «أكل وشرب وتجول بحرية وحفر قبر ورقص في عرس».

نجفات في النجف

في النجف أيضا «نجفات»، وحسب كاميرا البغدادية، التي كانت تنقل الحدث مباشرة ظهر السبت كان «قاسم» يطلق النار على رأس «علي»، ابن عمه بهدف القتل لأن العراقي الشيعي هو آخر من عليه أن يعترض أو يصرخ، خصوصا ضد اللوبي الإيراني، الذي يدير العرض، بعدما سلمته الإدارة الأمريكية عراقنا العظيم «مقشرا» تماما، وقابلا للهضم بسرعة.
حاولت الانتقال إلى شاشة تدعى «التقوى»، طالما أمطرتنا بأحاديث عن «العدالة عند الإمام».
في نشرة يفترض أنها إخبارية كان أحد مفتولي العضلات، وقد رسم على كتفيه «جمجمة» يبلغ الميكروفون بأن المتجمعين في ساحة مدينته النجف لصالح الفوضى ليسوا إلا «مضللين تم إغواؤهم» من قبل قوى الإرهاب الأجنبية، مبديا استعداده للموت فيزيائيا حتى يدخل الجنة مع قسم الإمام – طيب الله ثراه – دفاعا عن بيت الحكمة في طهران.
أي جنون يجتاح عواصمنا في أمة الإسلام؟ حتى في جنوب لبنان أطل عبر محطة «المنار» مجددا «سيد المقاومة» الشيخ حسن نصرالله، وطرح مقاربته، التي لا نفهمها كمواطنين عرب، حيث حقوق مضمونة للشعب بالاعتراض بالتوازي مع التحذير من أجندات ضد المقاومة والاستقرار، وعلى أساس أن الاستقرار في لبنان والعراق منوط فقط ببقاء جنرالات الحرب في السلطة!

دموع تفتك

بصراحة، للمرة الأولى نسمع عن «غازات مسيلة للدموع تقتل». حصل ذلك في العراق فقط، حسب محطة «سي أن أن»، التي تحاول التغطية بحياد للخريف العربي الجديد.
في العادة الغاز المسيل للدموع يدمع العين، ويتسبب باحمرار، وفي أسوأ الأحوال بارتفاع حرارة واختناق، لكنه في أم قصر جنوبي البصرة، وفي وسط بغداد، يقتل ويفجر الرأس ويزرع شظايا في العين، حيث وقع 120 جريحا بسبب الغاز.
سألنا أحدا يعرف ما الذي تفعله قوى الميليشيات، التي أصبحت قوى شرعية ونظامية تتولى الأمن الداخلي في العراق فأبلغنا عن تجليات القمع العربية، حيث تفتح القنبلة الصغيرة وتوضع فيها بعض المسامير، وتبث غازا وشظايا في الوقت نفسه.
من يسأل عن الخيال والابداع عليه مراجعة شيخنا الجليل، الذي يعتبر الأرنب من الحشرات الملعونة في فضائية «التقوى».
حتى جيش الدفاع الإسرائيلي المحتل الغاصب يتعلم دروسا من ماكينة القمع العربية!
فعلا، طوبى للأمن الأردني، قياسا بما نسمعه ونقرأه ونرصده على الشاشات، فعندما قررت المعارضة عام 1994 التحشد في ساحة عامة لإسقاط اتفاقية «وادي عربة» كانت صهاريج نقل المياه العادمة ومياه المجاري تعمل طوال الليل بأمر من البلدية، وعند الصباح عجز ولو معارض واحد عن تحدي «أنفه» وغادر الجميع مزنرين برائحة الفضلات، ولم تُراق قطرة دم واحدة.
ثمة فارق في شيطانية القمع العربي ما بين «تفجير الأنف والوجه، الذي يحمله» وبين «تكميمه وتفخيخه» برائحة لا تقاوم وتتطلب حماما دافئا على السريع.

في السعودية كل شيء جائز

ظهر الإعلان الدعائي فعلا على حزمة برامج «أم بي سي»، خصوصا تلك التي تبث بعض الوجبات للأطفال.
هيئة الترفيه السعودية، عبرت في الإعلان عن سعادتها من حجم الاقبال على «مهرجان الرعب» في واجهة الرياض.
الإعلان باسم الترفيه وهيئته يقول: مرحبا بكم… احجزوا تذاكركم.
شخصيا، لدي مشكلة قديمة مع دفع المال مقابل الحصول على «وقت مرعب».
نفهم في المجتمعات الغربية أن يتسلى القوم بين الحين والأخر من صغار السن بأفلام مرعبة قليلا، بسبب الحالة الترفيهية التي وصل لها الجميع وتبديدا للضجر.
لكن في عمق جزيرة العرب، وفي السعودية، لا يحتاج الرعب لترويج أو أفكار غريبة، مثل أصنام مخيفة تقطع رؤوسها على صلاة الفجر.
نظرة واحدة لفيديوهات الحرب على اليمن تكفي لمخزون استراتيجي يكفي لترفيه أطفال السعودية بالرعب لأجيال.
وإذا كانت الاطلالة على اليمن صعبة لدينا مسلسلات «داعش» في كل الجوار السعودي من سوريا إلى العراق قرب الخاصرة. لا مبرر لقاعدة «ادفع وارتعب»!

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى