اراء و مقالاتمقالات وآراء

خلل بيروقراطي… هذا ما يحصل في الأردن

ثمة ثقافة يحتاجها الموظف الأردني الرفيع المستوى قوامها أنه يستطيع القول بأنه لا يعرف بالمطلوب ويستطيع الاستفسار من الخبراء كما يستطيع الاعتذار للقيادة وأطرها عندما يطالب بإنجاز لا يستطيع فعلا إنجازه

 

تحصل مشكلة بسرعة ينتقل الأمر إلى رئيس السلطة التنفيذية، يتخذ الرئيس قرارا ويصدر أمرا أو توجيها شفهيا أو مكتوبا.
يصل التوجيه للوزير المعني ثم يحيله الأخير إلى الأمين العام أو المساعدين الذين يحيلونه بدورهم إلى من هم دونهم في السلم الوظيفي قبل أن تصل القصة لأصغر الموظفين التنفيذيين.
هذا ما يحصل في التراتبية البيروقراطية في الأردن.
شخصيا أفهم ما قاله وزير الإعلام بخصوص مسألة الشاحنات والحدود مع السعودية على هذا النحو.
يأمر رئيس الوزراء خطيا بإقامة كرافانات لحجر سائقي الشاحنات بعد 16 يوما على الأقل من إصدار الأمر المكتوب في وقت أزمة وطنية تكتشف الدولة من قمة الهرم بأن الأمر لم ينفذ منه ولا أي جزء إطلاقا.
ما حصل على الأرجح طبعا هو ما يلي: لم يصل أمر مباشر للموظفين المعنيين بأدنى مستوى إما بسبب الترهل وعدم متابعة الوزير أو لاعتقاد أحد مساعدي الوزير أنه فنيا الأكثر خبرة وأنه لا يريد توقيع قرارات خوفا من غول اتهامات هيئات الفساد.
في الأثناء تأتي توصيات غير حماسية من جهات لا علاقة لها بالحكومة لها ميزان مختلف عن ميزان رئيس الوزراء وعندها حسابات أخرى، بعضها من الصنف الذي ينبغي أن لا يطلع عليه أي موظف أو مسؤول من الحكومة.
النتيجة على الأقل كانت صاروخا بشريا متجولا مصابا بكورونا نقل العدوى لنحو 50 مواطنا على الأقل لا علاقة لهم بالخلل البيروقراطي.
ذلك يحصل دوما طبعا وفي كل الدول والبلدان.
لكنه قد لا يحصل في وقت أزمة أفقية لو كانت توجيهات المستوى الأعلى دوما تتخذ بجدية ولو لم يعان الجميع من «زحمة المرجعيات».
بكل حال كورونا وتداعياتها «تجربة مثيرة» تلعب دور «البرد» وهي تكشف كل العلل والأعراض والأمراض في «الجسد البيروقراطي» الذي طالما تغنينا به نحن كمواطنين مع العلم بأن البيروقراط الحقيقي طرد عمليا من جنة الحكومات المتعاقبة وتم استهدافه وضربه مع خبرته والاستغناء عنه بدون مبرر وطني أو مسوغ إداري خصوصا لصالح وزراء مغامرين لا يعرف معظمهم كيف ولماذا تم توزيره. ما كان يحصل بالعادة قبل كورونا ينبغي أن لا يحصل طبعا.

لكن الأخطاء تحصل وبالتأكيد بـ«حسن نية» وعلى أساس أن العباد والبلاد يواجهان اليوم «تجربة مختلفة وجديدة» على المستوى الكوني، من أخطأ اليوم من الأفضل احتماله وتمكينه من إصلاح الخطأ بدلا من تبديله بآخر سيخطئ هو الآخر.
المهم الرد كشف علل الجسد البيروقراطي، باستثناء المؤسسات السيادية العميقة يمكن القول إن الأردني دفع ثمن الخطأ والصواب في التجربة.
هي كما قال الوزير أمجد العضايلة تجربة مفيدة.
لكن ونحن ننتظر الإفادة تلك نقف على الزاوية بانتظار الخطأ الجديد الذي سيتخذ أيضا بدون قصد وستبادر الحكومة لإصلاحه. حسنا ليس ذلك ما يحصل فقط.
إليكم بعض ما يحصل أيضا: يصدر توجيه مرجعي رفيع المستوى بالعمل على إنجاز مشروع ما.
تبدأ غابة الاتصالات والمشاورات ويستعد الجميع لإثبات الجدارة بدعم مركز القرار في سلوك محبوب ويحترم.
وسط الحماس تفلت التفاصيل يضيف أو يخصم قليلا على المقترحات رئيس الحكومة ثم يخصم قليلا الوزير المختص ويمارس نفس التقميش المستشار المعني قبل أن يصل المشروع لصاحب القرار بصورة جزئية أو «مقصوص» أو ينطوي على معلومات مضللة أو غير صحيحة لأن الجميع على طريقة حمام العريس يشارك في الأجر فيفتي ويجتهد ويمدد ويقلص على طريقته ضمن متوالية هندسية متوارثة ومقلقة فكرتها دوما الإعلاء من شأن الولاء المسموم الجاهل على حساب المهنية والكفاءة.
وفكرتها ايضا أنك لن تجد في المؤسسة والهرم الإداري ولو مسؤولا واحدا من الحجم الكبير والوسط على الأقل وأحيانا من الحلقات الصغرى غير قادر على الإفتاء أو يمكنه القول لأي مسؤول أكبر منه «لا أعرف» أو يمكنه الاعتذار بجرأة عن تنفيذ مهمة لا يعلم عنها الكثير.
الجميع يحلل والجميع مسؤوليته الأساسية «خدمة المؤسسة» ويعمل إرضاء لله والوطن والقيادة رغم أن القيادة هي نفسها التي تطالب الجميع بالعمل والإنجاز ويمكنها أن تعتبر التعبير الوحيد واليتيم عن الولاء الحقيقي لها في الأداء والإنجاز بعيدا عن الأناشيد الوطنية وتملق الدولة والنظام.
الجميع في الإدارة يدعي فهمه بأي ملف بين يديه لأنه ببساطة شديدة تم تعيينه أو اختياره في موقعه أصلا وبصورة لا تقبل التعميم عمليا بسبب اعتبارات غير مهنية.
ثمة ثقافة يحتاجها الموظف الأردني الرفيع المستوى قوامها أنه يستطيع القول إنه لا يعرف بالمطلوب ويستطيع الاستفسار من الخبراء كما يستطيع الاعتذار للقيادة وأطرها عندما يطالب بإنجاز لا يستطيع فعلا إنجازه.
دفع الجميع طوال عقود ثمن هذا الخلل بالمنظومة وأحسب بأن كل التكليفات الملكية تحديدا للحكومات كانت تأمر بالعكس تماما.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى