اراء و مقالات

تحول في التفكير والاتجاه وانقلاب على الديمقراطية والإصلاح السياسي: أزمة اليسار الأردني مع أحضان السلطة

الديمقراطيون وأنصار التيار المدني واليساريون وبدرجة أقل بعض الإسلاميين يظهرون في مفارقات انقلابية على ما كانوا ينادون به في الشارع أحيانا بدون سبب واضح أو مفسر.

عمان-»القدس العربي»:
«شو يا باشا… صاير ديمقراطي». تلك قد تكون مجرد عبارة لا تعني شيئا وطالما تتكرر بين الأردنيين في القضايا الصغيرة أو الكبيرة وحصريا عند مخاطبة جنرالات متقاعدين أو عاملين.
لكنها تعني أكثر سياسيا على الأقل عندما يخاطب بها في سياق استنكاري وليس استفهاميا، أحد أبرز رموز اليسار الأردني بين أعضاء مجلس الأعيان زميلا له في نفس المجلس من متقاعدي المؤسسة العسكرية وبعد نقاش أثناء الاشتباك مع عملية تشريعية لنصوص لها علاقة بالإصلاح السياسي.
رصدت تلك العبارة كمفارقة تعيد تأسيس حالة غامضة وغير مفهومة أحيانا ليس على صعيد مجلس الأعيان كمؤسسة فهو واضح ومباشر ويقوم بواجباته. ولكن على صعيد تلك النخب التي يتم بإسم اليساريين والديمقراطيين الأردنيين توفير مقاعد لها في إطار عملية مستمرة منذ سنوات عنوانها تحول في التفكير والاتجاه لا بل انقلاب على الديمقراطية والإصلاح السياسي لمثقفين بألوان يسارية يتم استقطابهم أو استدراجهم إلى حضن السلطة أحيانا.
مجددا تسلط مثل هذه العبارة الشاردة الضوء على واحد من مفارقات المشهد النخبوي السياسي المحلي، فالديمقراطيون وأنصار التيار المدني واليساريون وبدرجة أقل بعض الإسلاميين يظهرون في مفارقات انقلابية على ما كانوا ينادون به في الشارع أحيانا بدون سبب واضح أو مفسر.
طبعا يحصل ذلك عند الاستدراج ثم الاستمتاع بمزايا المقعد والوظيفة والامتيازات التي يوفرها حضن السلطة للمستقطبين تحت عناوين التلوين السياسي.
لوحظت بوضوح مثلا أغلبية ملموسة لممثلي التيار المدني ولرموز اليسار عند تشكيل اللجنة الملكية لتحديث المنظومة السياسية وأحد المصادر أبلغ ملاحظا «القدس العربي» مباشرة بان تركيب اللجنة المشار إليها تقصد ان يضم كل من عارض بقسوة النظام أو حتى طيف واسع من الشتامين في بعض الهويات.
رغم ذلك خرجت وثيقة تحديث المنظومة السياسية بوصفة معتدلة بحد بعيد في سياق الإصلاح السياسي، ولاحظ مبكرا الناشط النقابي أحمد ابو غنيمة بان اللون اليساري ودعاة التيار المدني يتراكمون بكثافة في حضن السلطة. لكن هذا التراكم كان يفترض ان يقود بدلا من وجود كوتا أو حصة بإسم أشرس اليساريين أو دعاة تمدين الدولة إلى تلوين حقيقي لصالح الديمقراطية والإصلاح السياسي.
وفيما برزت الخلاصة الأولى غاب الاستنتاج الثاني وأصبحت النظرية القديمة والتي تسمعها من سنوات طويلة «القدس العربي» من سياسي مخضرم هو الدكتور ممدوح العبادي قيد الاختبار.
طوال الوقت ينصح العبادي بان الديمقراطية الحقيقية يصنعها الديمقراطيون.
لكن عندما تمكنت أذرع الدولة من استقطاب ديمقراطيين من خارج اللون الإسلامي عدة مرات لمواقع الصف الأول ولكراسي الدرجة الأولى في الدولة، لم يلحظ الجميع تراكمات منتج ديمقراطي وإصلاحي حقيقي يشكل علامات فارقة تسجل لصالح حالة الزواج التي كانت مثيرة مرتين بين السلطة واليساريين ودعاة التيار المدني في أكثر من مكان.
طبعا وللإنصاف لا يمكن تعميم مثل هذه الاستنتاجات، فرئيس الوزراء الأسبق الدكتور عمر الرزاز رد يوما على «القدس العربي» قائلا: «لسنا وحدنا في المجتمع».
لكن عبارات من طراز «صاير ديمقراطي يا باشا» ودفوعات من كل أصناف التنظير للسلطة ونفي تدخلها في هندسة الانتخابات تؤسس لنفس المفارقة التي يشعر بها الجميع أحيانا حيث لا فوارق لصالح الديمقراطية والصالح السياسي عند النوم في فراش السلطة والحكومة.
بدلا من إضافة نكهات أو بهارات سياسية يسارية وديمقراطية يصبح التنظير ضد الإسلاميين ولصالح بقاء الأمور كما هي الإشارة التي تلتقط قبل غيرها، وبدلا من ارتفاع التوقعات لصالح تمكين الأحزاب السياسية ودمقرطة المجتمع ينقلب مثقفون سياسيا تم استقطابهم لمقاعد قريبة من حضن السلطة إلى رموز أقرب إلى التيار المحافظ.
بنفس التواقيت يتكرس الإقصاء السياسي برأي المعارض الإسلامي الشيخ مراد العضايلة ويستمر رغم التطعيم المشار إليه المناخ المضاد للإصلاح الحقيقي حيث تكاثرت الاعتقالات بلا تهمة وثمة استعصاء في خيارات العمل السياسي وتشديد في القبضات الأمنية وتعسف في استعمال الصلاحيات أحيانا.
لافت جدا للنظر ان قوى الحراك الشعبي مثلا تتحدث عن ذلك وتنتقده لكن من يفترض بانهم مثقفون ديمقراطيون في حضن السلطة لا يفعلون.
وهي مفارقة لا بد من التوقف عندها وبعمق لأن الاستقطاب بصيغة الاستدراك لا يكفي ولأن صعود الأيديولوجيا المناكفة للإسلام السياسي مع مثقفين يساريين أو ديمقراطيين صيغة لا تكفي كمبرر للانحيازات المحافظة حتى عندما تمنح المرجعيات شريحة تمثل التيار المدني فرصة تشكيل حكومة بأكملها كما حصل مع حكومة الرئيس الدكتور الرزاز.
في كل حال الجنرال المتقاعد لم ينطلق من زاوية ديمقراطية بل من زاوية الانصاف الاجتماعي في التشريع وعبارة المثقف اليساري هنا تدلل على ما هو أبعد وأعمق في ازدواجية اليسار الأردني وأحضان السلطة.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى