اراء و مقالات

الأردن – إيران في منطقة «التكتيك الاحترازي» واختبار «رأس الأخطبوط»

صمت «القلم» وزاد القلق… و«إن تحرشتم زدنا»

عمان- «القدس العربي»: الانطباع يزيد في جميع مفاصل الاشتباك السياسي الأردنية بأن الظروف والاعتبارات الجيوسياسية تمضي أكثر وسط ضجيج التحريض الإسرائيلي على إيران في اتجاه مغامرة على بيكار «الدور الإقليمي» واحتياجاته قد – نقول قد – تتورط فيها عمان.
يحصل ذلك عملياً، لأن البيانات التعبوية التي تتحدث عن حرب المخدرات وتشنها جماعات موالية لإيران في سـوريا تقلصت أو تراجعت مع المقالات التي تسلط الضوء على هذا الاشتباك بصورة ملحوظة على مدار الأسبوع الماضي، الأمر الذي ينتج توجساً من قاعدة اشتباك جديدة فكرتها التجهيز لصــدام محـــتمل فيه قدر كبير من المغامرة بعدما صـــمتت البــــيانات والأقـــلام.

«الصمت يبدو مقصوداً تماماً»

رسمياً، لا تقول الحكومة الأردنية شيئاً بخصوص نذر التصعيد في الإقليم مع الإيرانيين، وقد لاحظ حتى الدبلوماسيون أن جميع أركان السلطة الرسمية في عمان يبتلعون الكلام ولا يرتبطون بنفي أو تأكيد له علاقة باحتمالات المشاركة الأردنية بأي تصعيد عسكري وبأي مستوى إذا ما انفلتت الأمور في اتجاه الصدام مجدداً.

صمت «القلم» وزاد القلق… و«إن تحرشتم زدنا»

وفي حال التعامل مع الصمت بحسن نية، فهو دليل أو قرينة على الحكمة والرشد والتعقل وعدم الاستعجال. وفي حال التعاطي معه من مساحة سوء النية، فهو قرينة في الاتجاه المعاكس حيث صمت تكتيكي تتطلبه احتياجات الدفاع عن المصالح العليا للدولة الأردنية إذا ما ولدت أو تدحرجت أزمة عسكرية في الإقليم عنوانها تصعيد عسكري أو حرب على إيران.
لا ينفع هنا طمأنة الأردنيين عبر الإيحاء بانتظار ما سيقوله لزعماء المنطقة في بداية النصف الثاني من تموز الرئيس الأمريكي جو بايدن، عندما يزور المنطقة وتبدأ مع زيارته ملامح تشكيل التحالف الجديد بصرف النظر عن التفاصيل الأمنية والعسكرية.
مصدر في الدولة العميقة الأردنية رجح بعدما استفسرت منه «القدس العربي» بأن زيارة بايدن على الأغلب مرتبطة برغبة إدارته في السيطرة على رفع أسعار النفط والحث على زيادة الإنتاج أكثر من أي رغبة بالسيطرة على أي ملف آخر.

لا معطيات مؤكدة

بالتالي – يشرح المصدر نفسه – حتى اللحظة لا توجد معطيات مؤكدة تقول بأن سيناريو الحرب على إيران آت لا محالة، ولا توجد أدوار طلبت من الأردن في السياق، لا بل لا توجد قرائن أو أدلة لا على سردية عملية عسكرية اسمها «رأس الأخطبوط» كما وصفت في الإعلام، ولا على صعيد تحالف أمريكي مع دول النظام السني العربي في مواجهة مشروع الهلال الإيراني الشيعي.
رغم كل تلك، الشروح الأردنية الشعبية في حالة توجس، وعبارة الخوف من عملية باسم رأس الأخطبوط ترددت على نطاق واسع حتى في منصات التواصل الأردنية، وفي بيان لحزب جبهة العمل الإسلامي المعارض يرسم مساحة أساسية بين موقفه من طموحات إيران الشيعية وموقفه من التورط في مخطط أمريكي – إسرائيلي لتأسيس مواجهة طائفية بين إيران والدول العربية.
بيان حزب العمل الإسلامي واضح في هذا السياق، وهو يحذر من التورط بأي مغامرة أو تحالف هدفه الاعتداء على دولة إسلامية في الإقليم.
لكن في التفسير الأعمق وسط مراكز القرار الأردنية، ثمة تأكيد سمعته «القدس العربي» مباشرة بأن ما ينشغل به الأردن ويهتم به حصراً هو مصالحه العليا، ولاحقاً أمنه الحدودي مع سوريا والعراق بصرف النظر عن احتمالات وسيناريوهات التصعيد العسكري من عدمه.
وبناءً عليه، وفي سياق تدوير الزوايا، فعندما يتعلق الأمر بتلك المصالح تبدو عمان في جاهزية سيادية وأمنية وعسكرية أيضاً أن تطلب الاحتياج للاشتباك فقط مع ما يخص مصالحها الحدودية حصراً. ذلك يعني الاستمرار في تطبيق قواعد الاشتباك النارية الساخنة حتى في العمق السوري إذا ما استمرت حالات التسلل وتهريب المخدرات والأسلحة والذخائر، وقد لا يعني لا الاستعداد للمغامرة والمجازفة ولا وجود قابلية للتعاون مع فكرة التصعيد العسكري في المنطقة أصلاً، لأن موقف الدولة الأردنية حتى اللحظة هو ذلك الذي يشير إلى أن أي طرف يسعى لإشعال فتيل حرب مع إيران قد يبدأ تلك الحرب، لكن لا أحد يستطيع التنبؤ بكيفية انتهائها وتداعياتها.

تفهم المصالح

ويأمل الأردنيون بوضوح بأن تتفهم طهران مصالحهم واحتياجاتهم ولفت نظر الإيرانيين عبر حلقة رسمية عن بعد إلى أن الأردن معني بالدفاع عن نفسه، وإلى أن على طهران الانتباه إلى أن عمان تتابع تفاصيل التفاصيل، وأي موقف لوجستي أو سياسي أو حتى إعلامي تتخذه في السياق قد يكون الهدف الأساسي منه منع التورط في مغامرات أوسع أو أعمق.
وجهت مثل تلك الرسالة، لكن لا ضمانات بأن يلتقطها الإيراني من الأردني بحجمها وجوهرها؛ فطهران تعلم بأن عمان تبادلها التناقض السياسي، وبأن الأردن لا يحب الإيرانيين ولا يرحب بهم، والعكس صحيح، لكن ذلك لا يعني بأن الأردني جاهز للتعامل مع ما يقرره الآخرون بخصوص العداء ضد إيران.
في المقابل، جرعة التنسيق مع دول الخليج، وحصراً البحرين والإمارات، والنظام المصري أيضاً، زادت بشكل علني، ويعلم الجميع بأن طبيعة اتفاقيات التعاون الاستراتيجي بين الأردن والولايات المتحدة لا تتيح الانسحاب لوجستياً من النظام الذي يتفق عليه الطرفان للدفاع عن الأردن.
وعليه، يأمل الأردنيون مجدداً، بتفهم إيراني لتلك الزوايا الفنية ولأي احترازات سياسية أو اتصالات تجريها عمان بغرض رفع مستوى جاهزيتها للطوارئ.

صداع الملف الإيراني

لكن هذه المواربات في الموقف الأردني لا تقنع أحياناً حتى سياسيين محليين، وسط إجماع على ضرورة صيغة «النأي بالنفس» التي اقترحها على الطريقة اللبنانية مؤخراً الرئيس نجيب ميقاتي، عندما زار عمان والتقى ساستها.
وسياسة النأي بالنفس هنا والانتباه الحذر – في رأي المحلل الاستراتيجي الدكتور عامر السبايلة، وكما فهمت «القدس العربي» أيضاً – هي الخطوة المطلوبة ليس لبناء حالة تواصل إضافية مع لاعب إقليمي مهم مثل إيران فقط، لكن للتعامل بجدية وإنتاجية أكبر مع سؤال كيفية الدفاع عن المصالح الحيوية الأردنية بصورة متزنة ومتوازنة. باختصار وفي الخلاصة، يقول الأردنيون «نحن هنا»، ثم يقولون «سندافع عن حدودنا»، وهم يتفاعلون حتى اللحظة مع معطيات صداع الملف الإيراني.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى